ثمة تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء عودة جماعة “داعش” الوهابية وعموم الارهابيين الى العراق في الوقت الراهن وبالبدء بتنفيذ جرائمها ضد العراقيين والقوات المسلحة بما فيها الحشد الشعبي بالتحديد تزامنا مع الاستعدادات والجهود لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة؟
لو عدنا الى الوراء قليلا لرأينا أن عمليات الاغتيال والتفجيرات والهجمات لـ”داعش” وعموم الارهابيين تتزايد قبل أية خطوة عملية يقدم عليها العراقيون في الاستعداد لتشكيل الحكومة، وقبل منح البرلمان الثقة لها، وهذا ما حدث للحكومات السابقة والحكومة الحالية، مما يشير الى أنه هناك علاقة مباشرة بين خطوات تشكيل الحكومة وبين هذه الهجمات الارهابية.
بعبارة أوضح أن الجهات التي تستخدم الارهابيين سواء كانت أجنبية أو محلية تدفعهم لتنفيذ العمليات الارهابية من أجل التأثير على اختيار الأشخاص للمناصب الحكومية، فقضية تسلل بقايا نظام صدام، أو تسلل أيادي القوى الاجنبية وعلى راسها امريكا الى المناصب الحكومية ليست غامضة على أحد، بل الجميع يقر بذلك، وللأسف الشديد فان عملية ارضاء هذه الجهة أو تلك من أعظم المشاكل التي يواجهها كل رئيس وزراء مكلف قبل تقديم وزارته للبرلمان.
وربما لا أحد يعترض على ارضاء الاحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية التي فازت بالعديد من المقاعد البرلمانية والتي تسعى بحق واخلاص من أجل تقدم واستقرار وازدهار العراق، ولكن المشكلة في أولئك الذين يستخدمون الارهابيين في تحقيق مآربهم، أو كما قيل عنهم ان احدى قدميهم في الارهاب والأخرى في العملية السياسية، ومعظم هؤلاء يشاركون في الحكومة من أجل تقويض الوضع وجعل العراق يعيش في دوامة من الفوضى والفساد والعنف ويساهمون بشكل رئيسي في تخلف هذا البلد، وطالما تحدث سياسيو العراق والبرلمانيون عن هذه الظاهرة، ولكن لسبب أو لآخر فان هذه القضية تخرج من جدول اعمال الحكومة أو البرلمان أو القضاء أو الأجهزة الأمنية.
هذا سبب رئيسي في تزايد نشاط الارهابيين في الوقت الراهن، وهناك سبب آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول وهو، أن البرلمان العراقي صوت على وجوب اخراج القوات الأجنبية من البلاد، ومن الطبيعي أن هذا القرار الذي اتخذه البرلمان بعد الجريمة النكراء التي ارتكبها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد القائدين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهم، والذي أقر بكل صلافة ووقاحة بأنه هو الذي أصدر قرار اغتيالهما؛ لا يعجب ادارة ترامب، لذلك فانها تبذل ما في وسعها لعرقلة تنفيذ هذا القرار.
استمرار الفوضى والعنف وعدم الاستقرار في العراق لا يخدم أحدا في الوقت الراهن سوى ادارة ترامب، فمن ناحية يسعى الى التأثير على تركيبة الحكومة العراقية، ومن ناحية أخرى يضع العراقيل امام اخراج القوات الاميركية من العراق، خاصة اذا تكثفت عمليات الارهابيين وبدأوا يهددون استقرار المدن والمحافظات، أو نجحوا في السيطرة على بعض المناطق، عندها ستوحي واشنطن للجميع بأن اخراج قواتها ليس من مصلحة العراق واستقراره، بل أن واشنطن ستستخدم ورقة “داعش” في أية عملية تفاوض حول مصير القوات الاميركية في العراق.
غير ان العراقيين أكثر وعيا من أن ينخدعوا بالأسلوب الاميركي الرخيص والابتزازي، ويدركون جيدا أنهم لن يحصلوا على شيء من وجود القوات الاميركية في العراق سوى المزيد من العنف والدمار وعدم الاستقرار والهجمات الارهابية، وعندما قرروا طرد القوات الاجنبية فانهم وضعوا ايديهم على الجرح وحددوا المصدر الرئيسي لكل المشاكل الامنية التي يتعرضون لها.
ان اصرار القوات الاميركية على بقائها في العراق واستخدام “داعش” لتحقيق هذا الهدف سيعزز القناعة لدى العراقيين، بعدم الجدوى من مواجهة الأدوات دون الاصطدام مع الرأس والسعي الى القضاء عليه وانهاء وجوده، لذلك يتعين على واشنطن التوقف عن مواصلة العبث بأرواح العراقيين ومستقبلهم.
الجميع تصور أن ترامب عندما فضح هيلاري كلينتون في الحملة الانتخابية وقال انها هي التي صنعت “داعش”، فانه سيتخلى عن هذه الأداة التي استخدمتها المخابرات الاميركية لتحقيق الاهداف، ولكن استمرار نشاط “داعش” رغم الضربات القاصمة التي تلقاها سواء في العراق أو سوريا يبين بما لا يدعو للشك أن اولوية المخابرات هي تحقيق الاهداف المرسومة، وليس المهم لديها أية وسيلة تستخدمها لتحقيق ذلك حتى لو كانت في قمة القذارة.
الا انه من المستبعد أن يتخلى المخلصون في العراق عن هذا العامل الرئيس في استقرار البلاد واستتباب أمنه، وهو طرد القوات الاميركية من أجل القضاء على الخلايا الارهابية التي تسلب أمن العراقيين ومواردهم، خاصة وأن الخطوة الأولى في هذا الطريق وهي تصويت البرلمان على اخراج القوات الاجنبية قد تحققت.
صالح القزويني