حاول موقع أوريان 21 تسليط الضوء على ولاية كشمير بعد إلغاء الهند الحكم الذاتي الذي “كانت تتمتع به على الورق”، بمرسوم رئاسي في الرابع من أغسطس/آب 2019، لتسري عليها قوانين الاتحاد الهندي، تحقيقا “لحلم القوميين الهندوس من حزب بهاراتيا جاناتا”، بحسب الموقع.
وبعد استعراض لتاريخ هذه الولاية التي قسمت عام 1947، على إثر انفصال باكستان ذات الأغلبية المسلمة عن الهند ذات الغالبية الهندوسية، مما أدى إلى حرب بين البلدين، قبل أن يعود السلام في يناير/كانون الثاني 1949، ويتم تقسيم كشمير تحت رعاية الأمم المتحدة إلى قسمين، عاد أحدهما -ويمثل 37% من الأراضي- إلى باكستان، والثاني -ويمثل 63%- إلى الهند.
ووصف الكاتب جان ميشيل موريل -الذي أجرى مقابلة للموقع مع الباحث المختص بشؤون الهند كريستوف جافريلو من المعهد لفرنسي للبحوث العلمية- هذه الولاية التي تبلغ مساحة الجزء الهندي منها أكثر من 92 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 12.5 مليون نسمة، أو 1% من سكان الهند؛ بأنها منطقة جبلية غنية بالماء ومعتدلة المناخ.
دولة متطورة نسبيا
وانطلق الحوار من سؤال عن الحجج التي طرحها رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بعيد إعادة انتخابه، لتبرير إلغاء الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به هذا الإقليم المتشكل من جامو وكشمير ولاداخ.
ويقول الباحث إن الحجة الرئيسية التي طرحها الحكام الهنود تتعلق بمستوى التنمية، إلا أن إلغاء المادتين 370 و35A اللتين كانتا تمنعان غير الكشميريين من الحصول على العقارات فيها، قد يكون الهدف منه تسهيل الاستثمارات القادمة من بقية ولايات الهند.
ويضيف أن مؤشرات التنمية البشرية في جامو وكشمير في الواقع أعلى من المتوسط الهندي، مستشهدا بقول الخبير الاقتصادي جان دريز إن استقلالية كشمير سمحت لها بإجراء إصلاح زراعي أكثر أهمية من بقية ولايات الهند عدا كيرلا.
كما أن هذه الولاية تتمتع بنتائج أفضل من ولاية غوجارات من حيث متوسط العمر ووفيات الرضع وتعليم الفتيات والنسبة المئوية للسكان الذين يعيشون تحت خط الفقر وسوء التغذية، وغير ذلك.
حجة الإرهاب
ويضيف الخبير أن إبعاد تفكير الناس عن الأداء الضعيف للاقتصاد الهندي يفسر جزئيا قرار إلغاء الحكم الذاتي، مشيرا إلى وجود أسباب أخرى لتوقيته، منها انتهاز نجاح الحزب، لأن حكومة منتخبة حديثا يمكنها اتخاذ قرارات صعبة اعتمادا على شرعيتها الجديدة، خاصة أن نيودلهي استطاعت إسقاط حكومة الإقليم وحل جمعيته الوطنية عام 2018، وهو ما يسمح لها بأن تكتفي بمصادقة الحكومة على القرار.
وقال جافريلو -وهو مؤلف كتاب “هند مودي.. الشعبوية القومية والديمقراطية العرقية”- إن الإرهاب كان في قلب حملة مودي الذي حذر من أنه لن يرحم الإرهابيين الذين تعج بهم كشمير، مؤكدا أن منظمة “جيش محمد” وغيرها من المنظمات مثل “عسكر طيبة” سعت إلى كسب موطئ قدم في الهند وتدريب الجهاديين الكشميريين هناك.
عدم اهتمام دولي
وفي سؤاله، أوضح الكاتب أن رئيس الوزراء الباكستاني اكتفى بالإعلان عن أن باكستان تدعم الكشميريين في هذه المحنة، ودعا بمساعدة من الصين إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، ولكن هذا الاجتماع لم يحدث ببساطة لأن الروس -وهم حلفاء الهند- والأوروبيين لم يستجيبوا له، وبالمثل التزمت الدول الإسلامية -باستثناء إيران- الصمت العميق.
وأوضح الخبير أن هذا الاتجاه خطير، لأنه لم يعد هناك أحد يهتم بالدفاع عن الأقليات باسم حقوق الإنسان، مستشهدا بحالة “معسكرات إعادة التعليم التي بناها الصينيون لمليون من الإيغور” والتي لم يشجبها غير تركيا، مشيرا إلى أن المصالح أصبحت فوق الحقوق.
وردا على احتمال الحرب مع باكستان بسبب القرار الهندي، وإن لم تكن هذه المواجهة هي الأولى بين الدولتين النوويتين بشأن كشمير، قال الخبير إن القرار الهندي -بحسب رأيه- لم يضع في الاعتبار علاقة الهند بباكستان، بل هو تعبير عن الأيديولوجية القومية الهندوسية التي ترفض مقدما الاستقلال الذاتي الذي تتمتع به جامو وكشمير منذ خمسينيات القرن الماضي.
وأوضح الخبير أن القوميين الهندوس يعتقدون أن مجتمعهم يجسد الهند ويلخص ثقافتها، لا لأنهم يشكلون 80% من السكان، بل لأنهم “أبناء الأرض”، وهم يريدون جعل الهند دولة قومية موحدة على حساب التعددية الثقافية والفدرالية، حتى إنهم يسعون إلى جعل اللغة الهندوسية اللغة الوطنية على حساب التعددية، مما قد يثير هذه المرة ثورة الولايات الأخرى في الجنوب وحتى الشرق.
ويخشى الكشميريون اليوم من استعمار جامو وكشمير من قبل الهنود من ولايات أخرى، إنهم يخشون -كما يقول الخبير- شراء الأراضي من قبل مطوري العقارات الذين يمكنهم بناء منازل أو حتى منتجعات في هذا الجزء من الهند الذي يقال إنه “جنة على الأرض”، بسبب جماله ومناخه في زمن الاحتباس الحراري.
ولكن ما هو أكثر خطورة على الجبهة الديمغرافية، هو انتزاع لاداخ من إقليم جامو وكشمير في حدودها الجديدة، وهو ما يعني أنه لم يعد من الممكن أن تضم غالبية من الناخبين المسلمين، ليس فقط بسبب وجود أغلبية هندوسية قوية، ولكن أيضا بسبب سحب حق التصويت من المسلمين الذين عادوا بعد تقسيم البلاد في عام 1947.
صعود الإسلاموفوبيا
وفي ختام الحوار، سأل الكاتب عن تفسير ما يحدث في آسيا حيث المسلمون مستهدفون بإجراءات تمييزية واضطهاد، سواء كانوا بورميين مثل الروهينغا أو صينيين مثل الإيغور أو كشميريين؛ فرد الباحث بأن صعود الإسلاموفوبيا هو العنصر الرئيسي في تفسير هذا الأمر، وذلك من خلال الدعاية ونشر الصور النمطية والمعلومات الخاطئة عن المسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، مما يعمل رسم صورة لهم تجردهم من الإنسانية.
وقد أظهرت عمليات الإبادة الجماعية التي وقعت في الماضي -مثل المحرقة أو الإبادة في رواندا- أن العنف الجماعي الذي يستهدف الأقليات تسبقه دائما حملات تجريد من الإنسانية، مما يجعل الجرائم بحقهم بسيطة أو حتى شرعية.
ومع ذلك يقول الخبير إن التحليل لا ينبغي أن يتوقف عند “لماذا المسلمون الآن ضحايا إسلاموفوبيا؟” وإن كان من الصحيح أن ذلك يعود إلى جهود التعبئة السياسية من أيديولوجيين متطرفين، لأنه أيضا يعود إلى رعاية بعض الدول الإسلامية للإرهابيين ودفاعها عن الإسلاميين، بحسب الخبير.