يجري منذ ما يقارب عشرة أشهر الحديث عن قضية إجراء محادثات السلام مع حركة طالبان ومشاركة هذه الحركة الإرهابية في الساحة السياسة في أفغانستان…
1
يجري منذ ما يقارب عشرة أشهر الحديث عن قضية إجراء محادثات السلام مع حركة طالبان ومشاركة هذه الحركة الإرهابية في الساحة السياسة في أفغانستان، محادثات قد أجرتها هذه الحركة مع روسيا وإيران إضافة إلى الحكومة الأفغانية، وكان من المقرر اجراء المفاوضات مع أمريكا لكن هذه المفاوضات لم تر النور إلى حد اللحظة لأن ترامب قد ألغاها، لكن طالبان لم تترك فكرة إجراء هذه المفاوضات.
2
لم يكن افتتاح مكتب طالبان قبل سنوات وبالتحديد في 18 حزيران عام 2013 بذلك الحدث الخفي الذي يبقى بعيداً عن الأنظار، بل أحدث ضجة في صفوف دول الجوار لقطر التي طالما وجهوا تهمة رعاية الإرهاب لها، تهم طالت رعايتها للحركات الإرهابية في العراق وسوريا، فالمكتب، لُقب باسم مكتب إمارة أفغانستان، مما اعتبره البعض دليلاً جديداً على الأجندة المخفية الحقيقية الكامنة وراء افتتاحه، لكن الإدارة الأمريكية آنذاك، قد عدّت الأمر بالخبر السعيد.
أما على المستوى المؤسسات فقد حذر تقرير أميركي من مساع قطرية لإعادة تنظيم الإخوان إلى الساحة الدولية والإقليمية، حيث ربط بين المهام الخفية التي يقوم بها مكتب حركة طالبان في الدوحة، وإستراتيجية قطر المتواصلة لدعم التنظيمات. وحمل تقرير لمجلة «أميركا ثينكر» تحت عنوان «قطر والقاعدة وطالبان، العلاقة المخيفة»، أسس العلاقة الثلاثية وأهدافها وإمكانيات استغلالها من قبل الدوحة لتحقيق هدفها الأخطر وهو إعادة تنظيم الإخوان إلى الساحة الدولية.
3
أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن وفداً من حركة طالبان أجرى محادثات مع مسئولين روس في موسكو، عقب انهيار المفاوضات بين المتمردين الأفغان والولايات المتحدة. ونقلت وكالة «ريا نوفوستي» عن ناطق باسم الوزارة قوله إن «ممثل الرئيس الروسي الخاص لأفغانستان زمير كابولوف استضاف وفداً من طالبان في موسكو، دون الكشف عن التاريخ الذي تمت فيه المحادثات. وقال الناطق إن «الجانب الروسي شدد على ضرورة إعادة إطلاق المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان». وأضاف أن مندوبي «طالبان أكدوا من جهتهم رغبتهم في مواصلة الحوار مع واشنطن». وبدوره قال مسئول كبير في طالبان: «الغرض من هذه الزيارات هو إطلاع زعماء هذه الدول على محادثات السلام وقرار الرئيس ترامب إلغاء عملية السلام في توقيت حل فيه الجانبان كل المسائل العالقة، وكانا على وشك توقيع اتفاق للسلام». وأضاف أن الهدف من الزيارات ليس محاولة إحياء المفاوضات مع الولايات المتحدة بل تقييم الدعم الإقليمي لمسألة إرغامها على الرحيل من أفغانستان. لكن ترامب كشف، في السابع من سبتمبر، أنه ألغى اجتماعاً غير مسبوق بينه وبين ممثلي طالبان في الولايات المتحدة، وأعلن أن المحادثات مع الحركة باتت بحكم «الميتة».
4
وفي ردة فعل على هذه الأحداث أعلن المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، صديق صديقي، أن طالبان تقتل الشعب الأفغاني بأوامر من قطر، وفق ما أفادت «أفق نيوز» ووكالات أنباء أفغانية أخرى. وقال صديقي، الذي عقد مؤتمرا صحافياً، في العاصمة الأفغانية على خلفية إلغاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المفاوضات مع طالبان، بسبب التفجيرات الأخيرة في كابول، إن «الشعب الأفغاني لن يقبل أبداً سلاماً غامضاً وغير كامل لن يؤدي إلى ختم الحرب وإحلال السلام». كما وصف وجود قادة طالبان في قطر بأنه «شهر عسل»، مؤكداً على ضرورة «إنهاء هذه العملية (المفاوضات في قطر) التي وُلدت ناقصة وعقيمة منذ البداية».
5
في تأكيد على أن الحرب ليس الحل وإنما الحل هو الدبلوماسية، استقبلت طهران وفداً من طالبان، وقد بحث الوفد الطالباني برئاسة عبد السلام حنفي مسار السلام والمفاوضات بين التيارات الأفغانية ومفاوضات السلام بين طالبان وأمريكا. لكن المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر قال: إن التطورات الأخيرة في مسار السلام وتحقيق التطور في المشاريع الاقتصادية الإيرانية في أفغانستان قد شكلت محاور المفاوضات في إيران. وبدوره قال المتحدث باسم الخارجية الإيراني بأن هذه الزيارة تأتي في إطار مفاوضات إيران مع كل الأطراف في أفغانستان والبحث حول التطورات الراهنة في أفغانستان.
6
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا: ما السبب في إجراء المفاوضات مع حركة طالبان الإرهابية ونحن نعرف بأن حركة طالبان الإرهابية بدأت بالظهور في الساحة قبل ما يقارب ربع قرن وقد اقترفت جرائم لا تعد ولا تحصى، جرائم مستمرة إلى يومنا هذا، وحتى وإنها تظهر في المفاوضات إلا أنها لم تترك خيار ارتكاب المجازر بحق الأبرياء في أفغانستان، المعتقدات السلفية التي تتبناها الحركة جعلتها لا تساوم أي حركة دينية أخرى وحتى في داخل الإسلام، كما لا ينسى العالم بأن هذه الحركة قد تسلمت مقاليد الحكم في أفغانستان طيلة خمس سنوات من عام 1996 حتى 2001 وقد ألقت بضلال الإرهاب والخوف على جسد أفغانستان حتى تعرضت إلى هجوم في عهد جورج بوش الابن وانتهى أمرها.
هناك عدة قضايا تبرز إلى الواجهة عند التطرق إلى هذه القضية أولها إن إيران لا تنظر إلى طالبان كحركة إرهابية، صحيح أن الجمهورية الإسلامية تعد طالبان حركة مسلحة تقاتل الحكومة الأفغانية، لكنها تنظر إليها بأنها تختلف كلياً عن حركة داعش على سبيل المثال، وتعتبرها حركة أفغانية وليست حركة عالمية ثم إن هذه الحركة تتمتع بمكانة اجتماعية في صفوف الشعب الأفغاني ولكنها مع هذا تشكل خطراً على دول الجوار، لهذا تلجا هذه الدول إلى إجراء الحوار معها، خاصة وهناك دول في المنطقة تتبنى نفس معتقدات وإيديولوجية الحركة وأفكارها السياسية. أما معارضة الغرب لإجراء المفاوضات بين إيران وطالبان يأتي لمزاعم الغرب بأن هناك تعاون عسكري بين الحركة وإيران، إذ قد رفض المسئولون في إيران هذا الأمر جملة وتفضيلاً. كما لا يمكن إصدار الحكم على مثل هذه المزاعم من دون امتلاك الأدلة.
رحیم حمداوي