الإقالة المذلة لرجل الحروب جون بولتون من قبل الرئيس الاميركي دونالد ترامب، عبر تغريدة، وفي هذه الظروف بالذات، التي ورط فيها بولتون رئيسه في اكثر من أزمة، تعكس حالة الفوضى التي اصبحت عنوانا لادارة ترامب منذ اليوم الاول لدخوله البيت الابيض.
ترامب الذي جاء الى البيت الابيض بشعارات انتخابية تصدرتها شعارات الكف عن التورط في الحروب ، وسحب الجيوش الاميركية المنتشرة في اكثر من منطقة في العالم واعادتها الى الوطن، منتقدا ميل الادارات التي سبقته للحروب، وانفاقها ترليونات الدولارت في حروب لا طائلة من ورائها، الا انه إختار في عام 2018 رجلا على النقيض تماما مع تلك الشعارات، رجل الحروب والازمات والفوضى، بولتون.
يبدو ان ترامب، المعروف بضحالة تجربته السياسية، اعتقد ، او تم اقناعه بهذا الاعتقاد، انه سيمارس المزيد من الضغوط النفسية على ايران ، من خلال ضم بولتون الى ادارته، والايحاء من خلال ذلك للايرانيين انه سينقل خيار الحرب من على الطاولة الى الميدان، وهو ما سيدفع الايرانيين الى التفكير جديا للتفاوض معه على اتفاق نووي جديد وفقا لشروطه.
قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بين ايران والقوى الكبرى، تم تنفيذه بعد شهر واحد من تعيين بولتون في منصبه كمستشار للامن القومي الاميركي، وعلى الفور اعاد فرض الحظر الاميركي الاحادي على ايران، وزاد من وتيرته بشكل هستيري، الامر الذي جعل اغلب المراقبين السياسيين داخل اميركا يشيرون الى بولتون بانه الرجل الذي يقف وراء سياسة ممارسة اقصى العقوبات التي يمارسها ترامب ضد ايران.
صحيح ان بولتون اختلف مع رئيسه في قضايا دولية عدة منها المفاوضات مع كوريا الشمالية وطالبان والانسحاب من سوريا والعلاقة مع كوبا، وكاد ان يورط ترامب في فنزويلا، الا ان ايران تبقى نقطة الخلاف الكبرى بين الرجلين، وهذا الخلاف كان لابد ان يطفو على السطح، وينتهي الى ما انتهى اليه، بسبب التباين الصارخ في فهم طبيعة المسؤولية التي انيطت لبولتون، فالاخير خرج من نطاق مسؤولية “الفزاعة” التي رسمها له ترامب.
يبدو ان ترامب، الذي اخذ يستشعر فشل سياسة “الضغوط القصوى” على ايران، والتي بلغت مديات غير معقولة، دون ان تدفع الى تليين موقف ايران، ضاق ذرعا بمستشاره للامن القومي، الذي كان الى جانب نتنياهو ، من اكثر المحرضين على هذه السياسة، فقرر التخلص منه دون ان ينتظر حتى نتائج الانتخابات “الاسرائيلية” التي ستبدأ بعد ايام، فوجه بذلك صفعة قوية لنتنياهو، الذي يخوض معركة انتخابية شرسة، وهو الحريص على القاء اطواق نجاة له بين وقت واخر.
الكيان الاسرائيلي والسعودية والامارات، يشعرون، حتما، بحالة من الاحباط، بعد ان خسروا “رجلهم القوي” في ادارة ترامب، وهذه الحالة دفعت بعض سياسييهم واعلامييهم، الى تطييب خاطر بعضهم البعض، عبر التاكيد على ان لا شيء سيتغير في سياسة ترامب ازاء ايران برحيل بولتون، ولكن ، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها، ان رحيل شخص مفتون بالحروب مثل بولتون، حتى وان لم يغير في سياسة ترامب ازاء ايران، الا ان هذه السياسة لن تتدحرج، بعد هذا الرحيل، الى مواقع اكثر تشددا مما عليه الان، هذا لو لم تتراجع، بعد ان اُزيل احد اكبر الباءات، الذي كان يحول دون التعامل برؤية اكثر عقلانية مع البرنامج النووي الايراني السلمي، ولا عزاء للباءات برحيل كبيرها.
ماجد حاتمي