هناك نظريات عديدة حول علاقة الأخلاق بالسياسة، إلا أن جميع تلك النظريات تتجه باتجاهين: أما الفصل أو الوصل.
النظرية الغربية العلمانية ترى ضرورة فصل الأخلاق عن السياسة، والسبب في ذلك أن مجال كل منهما مختلف، فغاية الأخلاق الدينية هي السعادة الأخروية وغاية الأخلاق العلمانية هي السعادة الدنيوية.
كما ترى هذه النظرية (ان الغاية تبرر الوسيلة) وهي نظرية نسبت لمكيافيلي.
اذ يرى مكيافيلي ان الحفاظ على السلطة لا يتحقق بالاخلاق الدينية، لان الاخلاق الدينية عبارة عن التواضع والزهد، اما السياسة عبارة عن المكر والدهاء والكذب. وهكذا ميز مكيافيلي بين اخلاق الحاكم واخلاق المحكوم، اذ يرى في الحاكم من اجل الحفاظ على سلطته ان يبتعد عن الاخلاق الدينية وان يعمل ما يشاء.
وعلى غرار النظرية الاولى ترى النظرية الدينية الاسلامية ضرورة وصل الاخلاق بالسياسة وان (الغاية لا تبرر الوسيلة).
فالاسلام عبارة عن الغايات والوسائل، فالغايات والاهداف معينة، وهكذا الوسائل معينة ومحددة، فلا يمكن استبدال الوسائل من اجل الغايات، وهذا ما نجده في سلوك الائمة عليهم السلام، اذ اعتمدوا على (سلامة الاهداف وسلامة الوسائل).
فالامام علي عليه السلام رفض بيعة عبدالرحمن بن عوف وذلك عندما توجه اليه قائلا: (ابايعك على كتاب الله، وسنة رسول الله، وسيرة الشيخين: ابي بكر وعمر. فقال عليه السلام: بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي).
وهكذا نجد ان الاخلاق السياسية تجلت في حركة الامام الحسين عليه السلام الثورية في مجالات عديدة، منها الوفاء بالعهود والمواثيق ومنها الصدق والصراحة مع انصاره.
١. الوفاء بالعهود
الالتزام بالعهود والمواثيق من الفضائل الخلقية لدى جميع المجتمعات، الا انه حينما يجد الانسان مصلحته في حال مخالفة تلك العهود نجده في كثير من الاحيان يخالف تلك المواثيق من اجل تحقيق مصلحته، الا ان الامام الحسين عليه السلام كان ملتزما بعهوده ومواثيقه، ومن جملة تلك العهود عندما عاهد عليه السلام الحر الرياحي بان لا يدخل الكوفة ولا يعود للمدينة، فحينما جاء (طرماح بن عدي الطائي) وعرض للامام الحسين عليه السلام حمايته في منطقة (أجأ)، الامام رفض ذلك، قائلا (جزاك الله وقومك خيرا، انه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الامور في عاقبة).
والموقف الاخر بعد وفاة الامام الحسن عليه السلام طلب من الحسين ان يثور على معاوية الا انه رفض ذلك نتيجة التزامه بالمعاهدة التي كانت بين الامام الحسن ومعاوية، اذ قال الامام الحسين لسليمان بن صرد الخزاعي: ( ليكن لكل رجل منكم حلساً من أحلاس بيته ما دام معاوية حياً، فإنها بيعة كنت والله لها كارهاً، فإن هلك معاوية نظرنا ونظرتم ورأينا ورأيتم)، وهكذا جوابه لعدي بن حاتم الطائي (انا قد بايعنا وعاهدنا، ولا سبيل الى نقض بيعتنا).
٢. الصدق والصراحة مع انصاره
عادة القادة يخفون على اتباعهم وجيوشهم الكثير من التفاصيل والمعلومات، لان تلك التفاصيل قد تؤثر سلبا على نتائج المعركة، الا ان الامام الحسين عليه السلام كان صادقا مع انصاره وكان يخبرهم بما يجري في كربلاء، وانهم سوف يستشهدون معه، اذ كتب الى بني هاشم لما اراد الخروج الى الكوفة كتابا جاء فيه (اما بعد، فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح).
فكان الامام الحسين في حركته السياسية وثورته الاصلاحية ملتزما بالمبادئ الدينية والاسلامية والخلقية، لان كان يرى الاصلاح لن يتحقق الا اذا كانت الوسائل المستخدمة سليمة، فسلامة الاهداف وسلامة الوسائل قاعدة ضرورية لكل سياسي يتبع نهج الامام الحسين(عليه السلام).
السيد محمد باقر القبانجي