بينما تبدو الحدود الشرقية لقطاع غزة هادئة بحذر، فإن حرباً أخرى تجري على قدم وساق دون رصاص أو دماء بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظمات المقاومة الفلسطينية، تستند في الحصول على المعلومات الأمنية المتبادلة عن الجانبين، بحيث يخوض كل منهما حرب أدمغة مع الطرف الآخر.
وضع الجيش الإسرائيلي جملة أهداف حيوية لهذه المنظمات تحضيراً للمعركة القادمة، بتركيزه على استهداف وتصفية أعداد كبيرة من المقاتلين، لا سيما وحداتهم الخاصة وبناهم التحتية.
يكمن التحدي أمام الاستخبارات الإسرائيلية بالعثور على المعلومات الحيوية داخل محيط التفاصيل المتزاحمة، ما يزيد الحاجة لإلقاء نظرة فاحصة على بنك الأهداف بغزة، التي تتحدد بتصاوير تلفزيونية ومعلومات استخبارية.
جرت العادة حين تطلق المنظمات الفلسطينية قذائفها الصاروخية تجاه المستوطنات الجنوبية أن تُجرى مشاورات ماراثونية داخل هيئة الأركان حول طبيعة الأهداف التي ستُهاجَم على صيغة “بينغ يونغ”، ومن يقف خلف اختيار هذه الأهداف هي استخبارات الجيش الإسرائيلي، التي توصل الليل بالنهار للعثور على شبكات معلوماتية أمنية تبذل المنظمات الفلسطينية جهودًا حثيثة في إخفائها عن الجيش.
بعد تجميع المعلومات عن بنك الأهداف في غزة لا يبقى أمام الطائرة سوى إسقاط الصاروخ، عقب مصادقة هيئة الأركان، والضغط على الزر الأحمر بمهاجمته، وتتركز الهجمات في المواقع النارية، والأنفاق، ومصانع إنتاج القذائف.
ورغم أن الكثافة النارية التي شهدتها حرب غزة 2014 زادت على حرب لبنان في 2006، وحربي غزة 2008 و2012، فقد وصل الجيش بعد انتهاء الحرب لقناعة أن بنك أهداف غزة تضاعف ثلاث مرات، مع أن حسم المواجهة معها قد لا يكون بكميات الهجمات، وإنما بنوعيتها التي يحددها الأمن الإسرائيلي.
تقوم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعمليات تحديثية لمواكبة الزيادة في المواقع المستهدفة لدى المقاومة الفلسطينية، وتأكد ذلك بسلسلة الهجمات التصعيدية التي شهدها القطاع خلال الأشهر الأولى من العام الجاري.
المقاومة لم تتوقف عن تطوير أهدافها براً وبحراً وجواً باتجاه (إسرائيل)، بل في التخفي عن عيون سلاح الطيران داخل المناطق الفلسطينية، رغم أن الجيش سعى لكشفها في مسافات لا تتجاوز 2-3 كيلومترات قرب الجدار الفاصل.
أخيراً.. من الواضح أننا أمام قاعدة معلوماتية كبيرة نجحت المقاومة ببنائها بسرية، من خلال إنتاج معدات قتالية ووسائل عسكرية، ورغم استهداف الجيش للمشروع تحت-الأرضي المتمثل بالأنفاق، لكننا أمام منظومة معلوماتية ضخمة في مجالات أخرى، وأي حرب قادمة ستشنها (إسرائيل) على غزة ستعتمد أساساً على قائمة بنك الأهداف التي سيتم تدميرها، استناداً للمعلومات الأمنية والاستخبارية بالدرجة الأولى.
د. عدنان أبو عامر – موقع عكا