تُرجّح مُعظم استِطلاعات الرأي في بريطانيا احتِمال فوز بوريس جونسون بزعامَة حزب المُحافظين البريطاني وتولّي رئاسة مجلس الوزراء خلفًا للسيّدة تيريزا ماي عندما يذهب أعضاء الحزب إلى صناديق الاقتراع الداخليّة للتّصويت يوم 23 تموز (يوليو) الحالي، للاختيار بينه (جونسون) وخصمه جيرمي هنت، الذي لا يختلف عنه كثيرًا في مواقفه السياسيّة، خاصّةً فيما يتعلّق بالانسحاب من الاتّحاد الأوروبي.
ما كُنّا سنُخصّص هذه الافتتاحيّة للحديث عن جونسون لولا أنّ الرجل أكثر عُنصريّةً من أستاذه ومُعلّمه دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة، ويُهدّد في حال وصوله إلى رئاسة الوزراء بتشكيل تحالف معه ضد الإسلام والمُسلمين بسبب تقارب مواقفهما في هذا الشّأن.
قواسم مُشتركة كثيرة تجمع الرّجلين، أبرزها إلى جانب العنصريّة، والعداء للإسلام والمُسلمين، الجهل بالتّاريخ أيضًا، والانعزاليّة وتمجيد العِرق الأبيض، والتوعّد بترحيل المُهاجرين، وإغلاق الحُدود في وجه أيّ قادم إلى بلديهما من دول العالم الثالث.
جونسون الذي فاز بمنصب عُمدة لندن، وتولّى حقيبة وزارة الخارجيّة قبل استقالته لم يكتفِ بتطاوله على المُسلمين عندما وصف المُنقّبات في عموده الذي يكتبه في صحيفة “الديلي تلغراف” اليمينيّة المُحافظة بأنّهن مِثل لُصوص البُنوك، وصناديق البريد، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك قبل يومين عندما كرّر التّطاول نفسه في الطّبعة الجديدة من كتابه الذي يحمل عُنوان “حلم روما” ويتناول الإمبراطوريّة الرومانيّة “أنّ الإسلام تسبّب في تخلّف العالم الإسلامي عن الغرب لعدّة قرون”.
من المُفارقة أنّ جونسون يدّعي أنّ جدّه الأكبر تركي عثماني، وأنّه لجَأ إلى بريطانيا مع أسرته، أيّ أنّه مُهاجر مثل ترامب، مثله الأعلى، الذي دعا أثناء زيارته إلى بريطانيا إلى انتخابه زعيمًا لحزب المُحافظين وخليفه لرئيسة الوزراء، في تدخّلٍ وقحٍ في الشؤون الداخليّة للدولة المُضيفة، مثلَما دعا النائبات “المُلوّنات” الأربع إلى العودة إلى بلادهنّ إذا كنّ غير مُرتاحات للحياة في أمريكا.
يحتاج جونسون، الذي أكّد لنا أكثر من وزير خارجيّة التقاه عندما كان وزيرًا لخارجيّة بريطانيا على جهله بالشّؤون الدوليّة، يحتاج إلى دروسٍ مُكثّفةٍ في العلوم التاريخيّة، وعن المُسلمين ودورهم في إخراج أوروبا من عُصور الظلام التي كانت تعيشها بتفوّقهم العلميّ في مجالات الرياضيات والطّب والفلك والفلسفة، وكانت هذه العُلوم سببًا في الحَضارة والنهضة الأوروبيّة.
العالم الإسلامي لم يتخلّف بسبب العقيدة الإسلاميّة، وإنّما مُؤامرات الاستعمار الغربي، والفساد وأنظمة الحُكم الديكتاتوريّة، ولا يتّسع المجال للمَزيد من الشّرح في هذا المِضمار.
وصول قادة عُنصريين إلى سدّة الحُكم في أمريكا وبريطانيا، وربّما في دول أوروبيّة أخرى، لا يُشكّل تهديدًا لأمن واستقرار هذه الدول، وإنّما للعالم بأسره أيضًا، الأمر الذي يتطلّب تشكيل جبهة قويّة على مُستوى العالم للتصدّي لسُمومهم وعُنصريتهم مُبكرًا، تمامًا مثلَما تم التصدّي للأحزاب النازيّة والفاشيّة التي وصلت إلى الحُكم عبر صناديق الاقتراع أيضًا.
عبدالباري عطوان