البروفيسور نصر الله لـ”شفقنا”: احتجاجات “الفلاشا” كشفت الاستبداد الجائر الذي

لا شك أن قضية التمييز العنصري في الكيان الاسرائيلي سواء على خلفية دينية أم مناطقية أم عرقية أم اثنية هي ليست بقضية جديدة، فثمة حوادث مماثلة عصفت بالكيان الاسرائيلي مرارا منذ نشأته، ولعل ابرزها احتجاجات ما يسمى صيف او تموز 1959 في حيفا، وهنا المفارقة على خلفية العدالة الاجتماعية بين اليهود الغربيين أو ما يعرفون بالاشكينازية ويهود شرقيين كان قد جيء بهم آنذاك من المغرب العربي لكن لاحقا تمكنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بدهائها من دمج هؤلاء المهاجرين وقُيِّد لها أن تطمس معالمَ هويتهم وثقافتهم الحقيقية إلى درجة انه لم يعد أحد منهم الآن يتحدث باللغة العربية .


هذا المشهد الآن يطفو مجددا على السطح، فقد عاشت إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية على وقع صدامات وأعمال عنف اندلعت بين متظاهرين غاضبين من اليهود الفلاشا ذوي الأصول الإثيوبية ورجال الشرطة، بعد مقتل فتى إثيوبي برصاص ضابط إسرائيلي في خليج حيفا مطلع الشهر الجاري.
ورأى المتظاهرون في الحادثة تعبيرا عن التمييز العنصري الذي يتعرضون له داخل الكيان الإسرائيلي، واشتبك الآلاف منهم مع الشرطة في مواقع عدة، أبرزها حيفا وتل أبيب، حيث أغلقوا شوارع على نطاق واسع وأحرقوا سيارات للشرطة والمارة وأضرموا النيران في الإطارات.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية إصابة 111 من عناصرها واعتقالها أكثر من 150 يهوديا من أصل إثيوبي خلال الاحتجاجات.

 

تغييب الهُوية الحقيقية

وفي هذا السياق، لفت رئيس مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية البروفيسور يوسف نصرالله، الى ان هؤلاء اليهود كانوا قد نقلوا من وطنهم الأم اثيوبيا إلى فلسطين المحتلة في عملية سرية قام بها الموساد الإسرائيلي في العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين، لكن اللافت أنه وعلى الرغم من هذه المدة الزمنية الفاصلة وهي متطاولة نسبيا، لم يستطع هؤلاء المهاجرون – حتى الذين ينتمون منهم الى الموجة الاولى من موجات الهجرة المتتالية- إلى الآن التكيف والتأقلم مع المجتمع الاسرائيلي والاندماج به، حتى ان غالبيتهم لا يتقن اللغة العبرية، والسبب في ذلك يعود الى طريقة تعاطي الدولة معهم كمواطنين من الدرجة الثانية حيثُ تُغيَّب هُويتهم الحقيقية ويمارس عليهم التمييز العنصري ويحرَمون من الحقوق المدنية والشرعية وينظر اليهم نظرة فوقية متعالية لدواع عنصرية تافهة على سبيل المثال لون البشرة”.
واشار نصرالله إلى أن هؤلاء لا يتوفرون على الحد الادنى من شروط العيش الكريم، اما متوسط دخلهم الشهري فهو أقل بنسبة أربعين بالمئة بالقياس مقارنة مع كل الجماعات التي تقيم داخل الكيان الاسرائيلي، وهم يزاولون اعمال منخفضة الأجور لا تحتاج الى تأهيل علمي نتيجة الفقر والعوز وما شاكلهم، فضلا عن انهم يعانون من مشكلة التفرقة العنصرية والتمييز العنصري حتى في التعاملات اليومية، أما المفارقة أن كل هذا يتنافى مع الشعارات والعناوين البراقة والخادعة التي تحاول اسرائيل من خلالها ان تقدم نفسها الى العالم بأنها “ايقونة الشرق الاوسط” وانها “واحة من واحات الديمقراطية” وانها تسترشد بمنظومة القيم الانسانية وانها تتسامح مع التعدد والتنوع وتحترم الخصوصيات وانها لهذه الغاية ولأنها لهذا تُقيم نظاما تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية”.

 

هتافات الاثيوبيين كشفت صورة اسرائيل وسمعتها

وعلى خلاف هذه الصورة الوردية التي رسمتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة خلال السنوات والعقود المنصرمة عن حياة الرفاهية والرخاء التي يحياها اليهود من مواطنيها، أكد نصرالله أن “الهتافات واللافتات التي رفعها المحتجون الاثيوبيون – “نحن بشر أوقفوا هذه العنصرية”- كشفت عن حقيقة المأساة وعمق الأزمة التي يعيشها هؤلاء في ظل حكم عنصري استبدادي جائر لا يقيم اي وزن للكرامة الإنسانية”.
وشدد على أن “هذه التظاهرات مؤثرة ولها أهمية كبيرة، ومتحدثا عن الناحية الايجابية، لفت نصرالله الى أن هذه الاحتجاجات قدمت لائحة اتهام أخلاقي وإنساني وقِيَمي وقانوني ضد سياسة التمييز العنصري الذي تمارسه اسرائيل، فضلا عن أنها تنال من صورة اسرائيل وسمعتها دوليا وعالميا وتصيبها بندوب قاتلة وتكشف زيف المنطلقات التي قام عليها الكيان الاسرائيلي، هذه المنطلقات التي تشكل الفوارق العرقية واحدة من اهم مركباتها والتي تقوم على ثقافة تبرر العنصرية والعدوانية والانحلال والإلغاء والسحق الثقافي والاستعلاء حتى على أولئك الذين يعتنقون اليهودية ديناً، ما من شأنه ان يُسفّه الأساس الديني الذي قام عليه هذا الكيان الهجين”.

 

احتواء الاحتجاجات تمهيدا لاعادة دمجها

وحول اهمية هذا الانكشاف شدد نصرالله على أنه لا ينبغي ان تأخذنا المبالغة بعيدا في الرهان على أيّة تداعيات كارثية ستصيب اسرائيل ربطها بما حدث، وأن لا يأخذنا الرهان ايضا بالمقابل على ان ذلك قد يشكل لنا عنصر قوة بنحو نربط فيه كل خياراتنا المستقبلية لاحقا، لأن اليهود الاثيوبيين لا يشكلون داخل الكيان الاسرائيلي قوة حقيقية وازنة او مؤثرة داخل المجتمع الاسرائيلي ولا يحظون بالمقابل بأي تعاطف خارجي، ولأن اسرائيل من جهة ثانية ونتيجة سجلها العريق الحافل بطمس الهويات وسحق الهويات الاصلية وما تتوافر عليه من ديناميات خبيثة شيطانية قادرة على احتواء مثل هذه الاحتجاجات وعلى امتصاصها وقادرة على سحقها بهدوء تمهيدا لاعادة دمجها من جديد في اطار الدولة وفي اطار المجتمع ولعل اسرائيل في القادم من الأيام ستقدم على هذه الخطوة.
لاشك ان سياسة التمييز العنصري ونزول الاثيوبيين الى الشارع دعا بعض الاقليات الى التعاطف معهم لكن هذا بالمشهد العام هو ليس مؤثرا لدرجة بأنه يتهدد هوية الدولة، وكحدث يمكن الاستفادة منه ولكن من دون ان نرتب عليه اي رهانات للمستقبل، ولكن يجب ان نتعاطى مع الحدث من دون ان نرتب عليه اي رهانات للمستقبل بل يجب ان نراكم اسباب القوة لدينا لكي نتعاطى مع اسرائيل كما هي.

 

الاختلال بالمنظومة الاسرائيلية سيبقى قائما

ورأى نصرالله ان اسرائيل سوف تلجـأ الى تغيير السياسة مع هؤلاء الناس وقد ادلى نتانياهو بدلوه اكثر من مرة حول هذا الموضوع تمهيدا لاعادة دمجهم ضمن سياسات الدولة كما فعلت مع غيرهم من الاقليات ستعاود معهم الكرة بشكل أو بآخر كإعطائهم بعض المكتسبات والحقوق، متسائلا ولكن هل هذا ينفع؟ مشيرا إلى ان التربية العامة في اسرائيل تقوم على نبذ البشرة السوداء لأن الأعم الاغلب من الوافدين هم من المجتمع الاوروبي والمجتمع الاوروبي ينظر الى اللون الاسود نظرة ازدراء واحتقار، وقد وصلت بهم الامور الى ان التبرعات بالدم غير مقبولة، او ان لا يقبلوا اطفالهم في المدارس وغيرها.. على خلفية انهم يحملون جراثيم واوبئة وهذا ما ينم عن عنصرية عالية لديهم وهذا الاختلال بالمنظومة الاسرائيلية سيبقى قائما، فالكيان يستطيع ان يخفف من هذه الاحتقانات ولكن لا يستطيع ان يلغيها.
لكن الخطير على الكيان الاسرائيلي يشير نصرالله، ان ما حدث يطرح اسئلة صعبة حول مستقبل الهوية الاسرائيلية لجهة ان هذه الدولة التي جاءت باليهود من كل اقطار العالم على اختلاف حساسياتهم وعاداتهم ما يجمعهم الدين، جاءت بهم وسحقت هويتهم الاصلية وثقافتهم بعناوين وردية (ارض الميعاد- ارض الجنة الموعودة..) واستخدمت ما يسمى سيكولوجيا الخوف والمنفى، حيث يُقال ان اهم سلاح تمتلكه “اسرائيل” ليس السلاح النووي بل هو التحريض وشد عصب اليهود من خلال عقدة الخوف حتى لا تتكرر تجربة العقود الماضية ، لكنها لم تستطع ان تؤمن لهم هوية بديلة فالهوية الجامعة الآن هي هوية هجينة وهي عرضة للتفكك عند أية زلة، حيث لا يتوافر للعدو الاسرائيلي اليوم حصانة اللازمة والمناعة اللازمة بالرغم من جرعات التحصين التي تبثها الحكومة الاسرائيلية داخل مجتمعها.
وبلسان حال دول الممانعة والمقاومة دعا نصر الله الى الافادة مما يحصل والاضاءة عليه اعلاميا وان يصار الى تبني سياسة حكيمة راشدة تعمل على تعزيز التفرقة والتنابذ داخل المجتمع الاسرائيلي وتسليط الضوء على هذه الفروقات الاجتماعية في التعاطي بين مكونات ما يسمى الكيان الاسرائيلي.

ملاك المغربي

المصدر: https://ar.shafaqna.com/AR/193996/

Check Also

‘إسرائيل’ تنزف ببطء.. هجرة معاكسة وأدمغة لا تعود

ترجّح التوقّعات الإحصائية والبحثية الإسرائيلية أن يتزايد التعداد السكاني للعرب إلى درجة تجعل نسبة اليهود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *