الأمير المحبوس

إهداء إلى الإمام الحسن العسكري (ع)
اسماعيل شفيعي سروستاني
رحمة الله على ذلك الفقيه جليل القدر آية الله بهجت الذي قال في وصف حالة الناس في عصر الغيبة: مثلنا مثل طائفة أو جماعة حبست رئيسها وعند نزول البلاء هي بنفسها تتخذ قرار الحرب أو السلام . نحن قمنا بهذا الأمر و لم نسمح له أن يأتي لكي يقوم بحل القضايا مع أننا نعلم بأنه إذا أتى بإمكانه حل المشاكل لكننا رغم كل هذا جعلناه يبقى في السجن.

 

الأمير المحبوس
إهداء إلى الإمام الحسن العسكري (ع)
اسماعيل شفيعي سروستاني
رحمة الله على ذلك الفقيه جليل القدر آية الله بهجت الذي قال في وصف حالة الناس في عصر الغيبة: مثلنا مثل طائفة أو جماعة حبست رئيسها وعند نزول البلاء هي بنفسها تتخذ قرار الحرب أو السلام . نحن قمنا بهذا الأمر و لم نسمح له أن يأتي لكي يقوم بحل القضايا مع أننا نعلم بأنه إذا أتى بإمكانه حل المشاكل لكننا رغم كل هذا جعلناه يبقى في السجن.
قبل هذا قال صاحب العصر والزمان (عج) فی توقیعه الشریف مخاطبا سماحة الشیخ المفید (ره) : ” … لو أن أشياعنا – وفقهم الله لطاعته-  على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر
عنهم اليمن بلقائنا”
ولهذا طالت الغیبة . نحن قمنا بزج الإمام (ع) فی سجن بعدم وفائنا بالعهد الذي عاهدناه ومن ثم بدأنا نشتكي ونبکی لطول الفراق وألم الغیبة.
هذه الحالة تشبه حالة قوم وقعوا في صحراء مقفرة موحشة لانهایة لها وإنهم یمضون حیاتهم في اضطرار و خوف وهلع ورغم ابتلائهم بهذه البیداء المخیفة لم یحاولوا النجاة منها هم متکاسلون و  أملهم الوحید هو عینُ ماء عفنة وطعامٌ قذرٌ من الجیف والسَحلیات.
بذل هؤلاء المتورطون فی الصحراء عدیمو الهمة کل ما في وسعهم لمجادلة لانهایة لها لتقلیل مرارة الماء وتوفیر طعام لایغني من جوع ولایسمن وتزیین سقیفة مبنیة بالقذی وأحجار ملونة منتشرة علی حافة الماء المتعفن مع أنه علی مسافة قریبة من هذا المکان هناک فی زاویة فارغة أو کهف ، شخص ٌمَحبوس ومُقید و  الذي هو دلیلهم وهادیهم إلی طریق النجاة.
إننا اعتدنا علی هذه الحیاة الصحراویة وأکل الجیف بحیث أن أفکارنا لاترتقي إلی أبعد من کشف الأدویة لتحسین مذاق الطعام وبناء مأوی یخفف من حرارة الصحراء وکأن ضمیرنا وافق بأن الحیاة لا معنی لها سوی ما تعودنا علیه.
أنا منذ شبابي إلى الآن طالعت كتبا كثيرة وأتذكر الكثير من أجزائها مثل كتاب “بابيون” الذي تم نشره قبل سنين وتم إنتاج فيلم رائع بناء عليه.
بابيون تم الحكم عليه بالسجن المؤبد لجريمة لم يرتكبها وكان نصيبهُ من الدنيا زنزانة مظلمة عاتمة وسجّانين ذي أخلاق و طباع سيئة لكن بابيون لم يقبل أبدا أن حصتهُ من الحياة هو السجن فقط ولهذا قضى جميع سنوات سجنه یكافح ویجادل لكي ينقذ نفسه من السجن لا لأن يوفر أجواء الراحة والهدوء في سجنه. عندما كان يستيقظ من النوم في كل يوم كان يشير إلى جميع اولئك الذين اعتقلوه وعذبوه قائلا لهم : يا أولاد الحرام أنا مازلت حياً.
قضي بابيون حياته کلها یخطط لکی یهرب من السجن لا أن يتلائم مع الحبس الذي کان يعتبره ظلما في حقه. إنه في نهاية المطاف عندما أصبح شيخاً هرماً رمى بنفسه من آخر سجن كان له الواقع في نقطة مرتفعة في جزيرة ما في مياه البحار وأطلق سراحه إلى الأبد.
بابيون لم يقبل بأن نصيبهُ من الدنيا هو السجن وماء وطعام المحبس لكن حیاة السجناء الآخرین كانت تمضي في ذروة اليأس والانفعال وضمائرهم وافقت بأنهم خلقوا لكي يكونوا مسجونين لا أن يكونوا أحرارا ولهذا كانوا كالطير الذي فتح عينه على الدنيا في السجن ولم يبحثوا في أذهانهم عن معنى للحرية.
إنهم كانوا يعتبرون مهمتهم وهدفهم هو التلاءم والاندماج مع السجن والسجانین ذي الأخلاق والطباع الرديئة ولهذا فقط أجسامهم النحيفة كانت تحظي بالحرية وذلك على يد السجانین ملفوفين في قماش من الكتان وکان یتم رمیهم علی ید السجانین من فوق صخرة شاهقه في وسط أمواج البحار العاتية العنيفة ومن ثم كانوا يصبحون طعاما لأسماك القرش.
إن أکبر مصیبة حلت بالناس أنهم وافقوا بأن مصیرهم هو مصیر المحکومین بالحبس والقیود والحیاة الإلزامیة فی الصحراء ولهذا أمحینا معنی الخلاص والانعتاق من أذهاننا.
قبلنا بالعيش في الصحراء القاحلة وأکل الجیفة وتحمل حرارة شمس الصحراء اللاهبة و هو صار رزقنا المقدر المحتوم وقد سلب منا أي اختیار وقدرة علی الهروب والخلاص.
حسب ما جاء في هذه العبارة الواضحة فی دعاء عهد الشریف :” ظهر الفساد فی البر والبحر بما کسبت أیدي الناس”. لاشک أن کل ما ظهر في البر والبحر من بؤس وشقاء کان نتیجة لأعمالنا لکنه ینبغي أن نشک في هذا المعنی بأن البقاء الدائمي هو لیس قدرنا المحتوم وأن الإقامة في هذه الفلوات المخیفة تمت بإختیارنا وکأنه لیس لنا رزق ولا مفر آخر وبعد القبول بهذا الموقع اختلقنا لأنفسنا مهمة خاصة وهو البقاء في الصحراء وتسهیل هذه الحیاة الصحراویة بمنتهی السعي والجهد.
کلُ إنسان عاقل یُدرک بعد تأمل قلیل أن کل هذه القدرة والموهبة المتمرکزة في الإنسان تحمله مسؤولیة ومهمة أیضاً وتطلب منه أداء دور لائق فی هذه الساحة الواسعة.
یکمن في هذا القبول غیرالمقبول تعریفا لمهمة ودور الإنسان في العالم وهو فقط تسهیل الحیاة الصحراویة.
وهذا الأمر یحدد أفق ونهایة سیرنا نحو الکمال.
الکارثة نابعة عن قبولنا بالأمر الواقع. مع أن في مسافة لاتبتعد عنا سوی خطوات هناک بیتٌ في زاویة سجن فیه أمیرهاد  بیده مقالید الحکم وإنه مفتاح الفرج بإمکانه أن ینقذ الجمیع ویفتح أمامنا حیاة طیبة وماءً نقیا.
الحدیث عن المهدي (عج) یختلف أساسا عن الأحادیث الجاریة بین عامة أهل الأرض و هو من جنس آخر. یبدأ هذا الحدیث منذ البدایة بالاحتجاج والتساؤل حول هذا الاستنتاج الخاطی ء عن الحیاة ومهمة الإنسان ویقوم باستجواب جمیع تلک الأمور ویثیر الشکوک حولها ویضع أمامنا علامة استفهام کبیرة یبلغ حجمها مساحة الصحراء الذي قبلنا أن نعیش فیها ویثیر الشک والهزیمة في کل ما کنا علی یقین منه خلافا لما کنا نعرفه مخطئین عن موضوع ومفهوم الانتظار. 
ولهذا فان الحوار المهدوي یرافقه منذ البدایة التساؤل والحراک .
تبدأ الحرکة بهزیمة في ما کنا نعتقدهُ بأنه محتوم لابد منه. الحرکة تبدأ فی النفس. کما قال القرآن الکریم :
«إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (سورة رعد (13) آية 11)
إن الأرضیة لتغییر الموقف وحتی تغییر حالة أعضاء الجسم تبدأ من تغییر في النفس. تبدأ بالتغییر في کل ما تم القبول به – رغم أن تلک الأمور لم تکن صحیحة ولیست حقا – أو التغییر في کل ما لم نعتقد به لکن لابد لنا  أن نعتقد به ونشک في کل ما کنا نعتبره أمراً محتوماً مفروضاً ومن ثم ستبدأ الحرکة فورا. هذه الحرکة تساوي التغییر الحاصل في النفس لأنها ترید أن تملأ الفراغ الناتج عن التغییر لکي تنقذ نفسها من التوتر والاضطراب.
نحن اعتبرنا الحیاة الصحراویة والطعام الملوث الذي لایسمن ولایغني من جوع  أمرا محتوما غیرقابل للتغيیر وهذا ما أدی إلی سکوننا وعدم حرکتنا.
السعي والجهد من أجل الحصول علی طریق للخروج والخلاص ینبع من هذا الشک والتغییر لأن في جغرافیا أفکارنا الصحراویة نتحدث عن کل شي ء وکل شخص إلا طریق النجاة ومفتاح الفرج.
نحن نقيم لكل شي ء وكل شخص مهرجانا ومؤتمرا وتكريما لكننا طوال حياتنا ولو للحظة لم نتحدث عن هذا الأمر الحيوي شيئا مع أننا لو نضاعف جهودنا الجارية مائة ألف مرة فإنها لم تؤد  إلى تغيير أساسي في موقعنا لأنها كلها مبنية على حتمية الحياة الصحراوية.
جميع قضايانا الصغيرة منها والكبيرة تدور حول تحسين وضع الصحراء وتسهيل الحياة الصحراوية. عملنا هذا يشبه أن نقيم في وسط الصحراء مؤتمر ” دراسات حول الصحراء” بدلا من أن نسعى لإنقاذ أنفسنا منها أو يجتمع جميع المقيمين في الصحراء لكي يصنعوا دواء لإعطاء طعام الصحراء رائحة زكية والجميع يتحدثون عن هذه الصحراء لكن هناک لم نجد حدیث عن ضرورة السعي من أجل الخلاص من هذه الصحراء واكتشاف مفتاح الفرج أو لم نقم بالبحث عن رجل هاد مرشد ومقيد محبوس في سجن الغيبة مع أننا كان لنا دور في هذا الحادث المشؤوم ومن خلال أعمالنا نزيد من فترة الغیبة.
لو نتحدث بعض الأحيان عنه أيضا لم نتحدث عن خلاصه من هذا السجن بل العكس نذكر الذكريات الماضية  و حديث الماضيين عنه لكي نزين به حياتنا الصحراوية . بعبارة أخرى بدلا من الحديث عن خلاصه والبحث عنه أدخلناه لخدمتنا في حياتنا الصحراوية وهذا أقسى تعامل قام به قوم مع أميرهم.
ولهذا فإن المنقذ یبقی في السجن وحیاتنا الصحراویة تستمر. الحقیقة أن تعریفنا عن الحیاة  نابع عن استنتاجنا الخاطیء.
أنا کتبت هذه العبارة في مکان آخر وهي : کل شی ء یکرره الإنسان یعتاد علیه وإذا إعتاد علی شيء یستقر فیه ویتحول إلی أخلاقه وثقافته و الأخلاق والأمور المعتادة هما یحددان مصیر الإنسان.
إن مصیر الأقوام یتم تحدیده من خلال ما اعتادوا علیه و  نظرا لإعتیادهم علی الحیاة الصحراویة فإن مصیرهم المحتوم هو البقاء فی الصحراء.
إنا کررنا فی قرارة أنفسنا بأن کل ما هو موجود فهو أمر محتوم لابد منه وقد نظمنا جمیع أقوالنا وأعمالنا وعلاقاتنا وتعاملنا علی هذا الأساس. لو لم یحدث تغییر فی هذا الاستنتاج الخاطی ء فانه سیتحول إلی عادة لنا تحدد فی النهایة مصیرنا.
الحوار المهدوي هو من أجل أن ندرک بأن الوضع الموجود الذي تورطت به البشریة والعالم وتسیر فیه لیس وضعا مطلوبا ومحتوما ومقبولا بل إنه مبني علی أرکان الظلم والأوهام الموجودة لدینا وزینة الشیطان لکي یراه الانسان جمیلا وسکنا أبدیا له والانسان من أجل تحویل الوضع إلی الجنة المنشودة یقوم بتغییر الأاجزاء فیه ولم یفکر بتغییره جذریا.
الانسان علی أساس هذا الشک ینهض من مکانه لکي یجد طریقا یخلصه من هذا الوضع وفی النهایة  یتوسل بمن یدله علی الطریق الصحیح وهاد ومرشد یعرف الطریق والأسرار ومن خلال التعاضد معه یمکن اجتیاز جمیع الدوامات والزوبعات.
هناک الکثیر من الرجال قد أدرکوا بأن الوضع الموجود غیرمطلوب وغیرمقبول لکنهم یظنون بأن استنتاجهم یکفیهم لکي یخرجوا من هذه الحیاة الصحراویة ولهذا ساروا لتغییر الصور دون الاعتناء بالمنقذ المسجون ویمرون فی غفلة عن الارکان التي تم تدمیرها فی الوضع الموجود وزادوا من حجم وضخامة الأزمات التي تکتنف حیاتهم کما وکیفا.
ینبغي التنبیه أن رغم ما نظن فان التطور فی وضعنا الراهن وخلاص المسجون من سجن الجهل والغباء لایتم عن طریق الاعجاز وأحداث خارقه للعاده.
لوکان هکذا لحدثت المعجزة قبل سنین وقرون لکثیر من الأقوام الذین کانوا أکثر منا جدارة وتأزما ولو کان من المقرر أن یتم هذا الأمر عن طریق المعاجز المدهشه لما طالت سنین الحیرة والابتعاد هکذا. 
هذه القضیة لایمکن أن یتم إصلاحها من خلال الجلوس والتحسر والتألم فی الأزقه الصحراویة .
إن الله قدر مجموعة من السنن والأسباب والمقدرات لجمیع من هم موجودون فی الأرض والزمان وقد بین مجار خاصة لتحقیق جمیع تلک السنن.
لو کانت تقتضی ارادة خالق الکون بأن یرسل ملکا لإزالة الظلم والجور المنتشرة في أقطار حیاة البشر الثقافیة والحضاریة لقام بهذا الأمر دون عناء وتعب.
لماذا نمد أیدینا دون جدوی نحو السماء نشکو ظلم بني اسرائیل وأعوانهم وأنصارهم؟ لماذا نحدق فی السماء لنزول معجزة ترفع عن أیدینا وأرجلنا القیود والأغلال؟ السماء لم تنصرنا إلا بعد قیامنا في الأرض.
إننا أسندنا جمیع العلل المؤدیة إلی الحبس والابتعاد إلی المحبوس الغائب بحیث نطلب منه المجی ء أیضا.
قال رسول الله (ص) مخاطبا أمیرالمؤمنین (ع): “إِنَّما مثلكَ كمثلِ الكعبَه توتي و لا تاتي”
إن النبی هو کان یسیر فی الأزقة والشوارع وکان یدعو الناس إلی دینه بإلحاح والتمني والترجي وکان یهدیهم بنور الهدایة الربانیة وفي هذا المسار تحمل من الجهال الأحجار والعصی والشماتة أیضا.
إن الولي والإمام نعمة لانظیر لها لمجتمع مضطر متورط فی صحراء الابتلاء والاختبار ومادام الناس لا یطلبوه للانعتاق والخلاص من الاضطرار والاضطراب ولا یستعدوا لتنفیذ الحدود الإلهیة لایمکن لله أن یقوم بتقدیمه للناس.
کما أن أهل الفسق والفجور قتلوا الرجال من أئمة أهل البیت شخصا تلو الآخر جيلا بعد جيل وناموا فی بیوتهم مطمئنین دون أن یعلموا بفرح وسرور إبلیس.
قال رسول الله(ص) فی کلام آخر لأبي ذر الغفاري : “مَثَلُ عَليٌّ فيكُم ـ فِي هذهِ الامَةُ ـ كَمَثَلُ الكَعْبَةِ المَسْتُوْرَةُ، النظّرُ إليها عِبادِة وَ الحَجُّ إليها فَريضَةُ” 
أعلن رسول الله(ص) بأنه ینبغي للناس أن یذهبوا إلی الکعبة المستورة لا أن تأتي الکعبة إلی الناس وأن الحرکة والذهاب نحو الإمام المبین فریضة کالذهاب إلی حج بیت الله الحرام .
البعیدون عن الکعبه المشرفة ینبغي لهم أن ینقذوا أنفسهم من آفات الحیاة الصحراویة لکي ینالوا شرف الحضور فی مسجد الحرام کما قال رسول الله (ص) لأمیرالمؤمنین (ع) : ” إذا لم یأتیک الناس فابق فی البیت.”
روي عن أبي الحسن موسى، عن أبيه (ع ) أن رسول الله ( ص) عند الوصیة قال لعلي (ع):  فَإِنَّمَا مَثَلُكَ فِي الْأُمَّةِ مَثَلُ الْكَعْبَةِ نَصَبَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ عَلَماً
وَإِنَّمَا تُؤْتَى مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَنَأْيٍ سَحِيقٍ وَلَا تَأْتِي وَإِنَّمَا أَنْتَ عَلَمُ الْهُدَى وَنُورُ الدِّينِ وَهُوَ نُورُ الله.”
یقام کل عام من بدایته حتی نهایته في شتی أنحاء العالم الإسلامي و بین المسلمین الآلاف من المؤتمرات والاجتماعات العلمیة والثقافیة والدینیة وللأسف الشديد لا یتحدث أحد حول هذا الامر شیئا أن کیف یمکن لنا أن نجد الإمام المنجي وکیف یمکن لنا أن نذهب الیه حتی نتمکن من النجاة من الحیاة الصحراویة بفضل عنایته وتوجیهاته الربانیة.
کل المساعي تبذل فی مجال إیضاح ووصف وشرح کیفیة الحیاة والبقاء فی الصحراء وتسهیل الحیاة الصحراویة ولهذا لم نجد أي منفذ لکي یسطع منه نور النجاة والخلاص علی الساکنین في الحیاة الصحراویة.
کیف لم نسأل عن طریق النجاة مع أننا مضطرون ؟ لماذا نستخدم اسم وذکر النجاة فقط لکي نزین به حیاتنا الصحراویة؟
ولهذا فان هذا السیر والسلوک یسلب الفرصة من المتورطین فی الصحراء ویتم تسلیم جمیع هذه الفرص للمنافس ویؤدي إلی المزید من الانفعال بین الناس وفی النهایة هزیمتهم في مقارعة العدو الحاقد للإنسانیة والأدیان.
أ ولیس المستکبرون علی مر جمیع القرون المنصرمة حکموا المستضعفین بظلم وجور؟
إن السیر والسلوک المنفعل یؤدی لامحالة إلی الهزیمة. جمیع الحرکات المنفعلة تؤدي في النهایة إلی انتصار العدو الظالم. إن الطغاة حکموا دوما من خلال هذا المسار علی المستضعفین وانتصروا علیهم.
لابد للحرکة أن تتم فی مسار البحث عن المنجي ومفتاح الفرج.
عند مواجهة الخوارج تحاور ابن عباس معهم نیابة عن امیرالمؤمنین (ع) ونقل ما قاله الخوارج إلی الإمام (ع) . الخوارج عند احتجاجهم اعتبروا الإمام بأنه قد أهدر الوصایة وأجابهم الإمام علی (ع) قائلا: ” أما قولكم، كنت وصيا فضيعت الوصاية فانتم كفرتم و قدمتم على غيري و أزلتم الأمرعني، و لم أكن كفرت بكم، و ليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم فإنما تدعو الأنبياء إلى أنفسهم، و الوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه، ذلك لمن يؤمن بالله و رسوله، و قد قال الله تعالى: «ولله علىالناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا» فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم إياه و لكن كانوا يكفرون بتركه لأن الله تبارك و تعالى قد نصبه لهم علما و كذلك نصبني علما حيث قال رسول الله (ص): يا علي أنت بمنزلة الكعبة يوتي إليها و لاتأتي”.
 إن الضرر الناجم عن عدم رجوع الناس إلی الإمام وعدم دعوتهم إیاه کما قال امیرالمؤمنین(ع) هو الابتلاء بالکفر کما أن التارک للحج یبتلي به.
هذا الأمر لم ینقص من شموخ وکبریاء کعبة آمالنا المحبوس فی سجن الغیبة شیئا عندما يترکه الناس وحیدا ويشتغلون بحیاتهم و هم مشغولون بأکلها وشربها الصحراوي. الناس بظلمهم حالوا دون أن یقوم الإمام بواجبه. واجب الإمام شرط أن یرجع الناس الیه هو خلاصهم من صحراء الشرک والکفر والنفاق وجمیع النجاسات الظاهریة والخفیة الناتجة عن البقاء فی صحراء غیرذي زرع.
کما قال النبي الأکرم (ص) فإن الإمام هو بمثابة حقیقة الحج المتمثل بین الناس الذي یقصده الناس من کل فج عمیق وأن حقیقة الصوم والصلاة والزکاة أیضا تتجلی في وجود إمام الحق .
الإمام الباقر(ع) یذکر الولایة بمثابه مفتاح الصلاة والصوم والحج والزکاة کما جاء فی روایة شهیرة عنه :” بني الاسلام على خمس: الصلوة و الزكوة و الصوم و الحج و الولاية و لم يناد بشيء كما نودي بالولاية” 
فی الحقیقة إن الصلاة والحج والصوم والزکاة دون الولایة لیس لها ظهور ولم تظهر جمیع برکاتها وآثارها.
إن الأرکان الأربعة الأخری دون الولایة لیس لها معنی والولایة هي التي ترشدها و تقوم بتوجیهها.
قال المعصوم (ع) :” أما لو أن رجلا قام ليلهُ وصام نهارهُ وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عزوجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الايمان.”
مصیر الذین لیسوا هم بمسلمین واضح . نحن هنا نتحدث عن اُناس یعیشون فی البلاد الإسلامیه باعتبارهم مسلمین.
إقامة الصلاة وأداء فریضة الحج لم تتم إذا لم یتم التعرف علی ولي الله الاعظم (ع) ولم تبدأ الحرکة نحوه.
ولي الله هو الذي یمنح المعنی الحقیقی للصلاة والصیام . ولي الله هو التمثال الحقیقي للصلاة. الإمام هو باطن جمیع هذه الأعمال والناس یؤدون ظاهر الصلاة فقط ولهذا یقول الإمام المعصوم (ع) ما کان علی الله عزوجل حق فی ثوابه . ما هي حصة الذي یقیم صلاة ظاهریة فقط تفتقد إلی المعنی والروح ویرکع ویسجد و هو یمر فی غفلة عن حقیقة الصلاة؟
إن الصلاة لاتتم إقامتها إلا وفق ما یقوم بها الأئمة المعصومون (ع). نحن نقرأ الصلاة ولکن لم نقمها. إن إقامة الصلاة والزکاة مرهونة بالرجوع إلی حقیقتهما. نحن عندما نؤدي ظاهر العبادات مثل الصلاة والصوم والحج والزکاة في الحقیقة فقد تأدبنا بالأدب الإلهي ولم نکن من أهل التعنت والاستهتار وجری الذکر فی قلبنا وإنها ممارسة لکي نستعد لضیافة حقیقة هذه الأعمال وهو صاحب الأمر والزمان(عج). إنها حرکة لو تتم بشکل صحیح ستأخذ صاحبها معها من الظاهر إلی الباطن.
قال الإمام الرضا (ع) : نحن من أجل رسول الله (ص) لنا حق علیکم وأیضا لکم حق علینا. إذا ما أدیتم حقنا فنحن أیضا سنقوم بواجبنا تجاهکم.”  
إن استدراك ومعرفة الإمام والرجوع إلی إمام مفترض الطاعة منصوب من قبل الله سبحانه وتعالی یوفر الدرضیة لکي نشاهد الحقیقة والتمثال المشهود لأعمالنا العبادیة کالصوم والصلاة.
کل هذه الامور توفر فینا الأهلیة لکي نری باطن وحقیقة الصوم والصلاة شرط أن نتوجه إلی ولی الله الأعظم أرواحنا له الفداء .
إن الرجوع إلی الإمام من واجباتنا إذا ما تم فان الإمام سیجد مجالا لکي یقوم بواجبه أي یهدینا إلی سبیل الرشاد. هنا ساُشیر إلی ما ذکرته فی البدایة.
إن سر الکامن في خلق الجن والإنس في الأرض هو تحقیق النجاح والفلاح وإن هذا الفلاح والنجاح ونیل المراتب الرفیعة من المعرفة والخلاص واجتیاز الحواجر والعقبات الموجودة فیي البرزخ والقیامة کلها لاتتحقق إلا من خلال معرفة الإمام المبین وإجتیاز سبیل المعرفة الإلهیة والدخول من باب الله وإذا أردنا  أن نقوم بتنظیم جمیع شؤون الحیاة الجزئیة منها والعامة و تنظیم جمیع الأواصر والعلاقات المتعلقة بالله سبحانه وتعالی علینا أن نکون من أتباع ومرافقي الإمام المخلصین.
عدم وصول شؤون حیاتنا الدنیویة والأخرویة للغایة المطلوبة کما نشاهد و نری نابع عن ابتعادنا وتغافلنا عن سبیل النجاة.
ولهذا علینا أن نعتبر الحوار المهدوي الولائي بأنه الرکن الأهم والرئیسي لجمیع الحوارات القصیرة والطویلة للعارف والعامي وإنه أهم موضوع إذا تم التعرف علیه فسیتم التعرف علی طریق النجاة أیضا وإذا لم یتم التعرف علیه ولم یدرج فی بدایة قائمة جمیع الحوارات فإن جمیع التدابیر التي تتخذ من أجل تحسین المعاملات والعلاقات بین الخلق لم تثمر عن شي ء بل العکس هو الصحیح کما قال الشاعر:
عکس ما کنا نتوقع فإن الزنجبیل زاد من الصفراء
وزیت اللوز زاد من جفاف البشرة . 
فإن أعمالنا وتدابیرنا زادت أوضاعنا و أمور حیاتنا تعقیدا.
غیبة الإمام أصبح رزقنا المقدر وهو نتیجة أعمالنا. کما أننا نفکر بأرزاقنا المادیة الظاهریة ولم نغفل عنها ساعة لابد لنا أن نفکر برزقنا المعنوي الحقیقي والذي هو سبب لنزول الأرزاق المادیة والثقافیة.
نتیجة لتغافلنا عن حقیقة الرزق وسبب نزول جمیع النعم فان الحدیث بهذا الشأن بین الناس یبدو غریبا والناس لم يستوعب العلاقة القائمة بين جمیع هذه الامور.
عادة نحن نتحدث یومیا عن الشرب والأکل کما قال الشاعر الایراني سعدي علیه الرحمة :
عمرنا الثمین مضی 
فی أن ماذا نأکل فی الصیف وماذا نلبس فی الشتاء
إن الشیطان اللعین سمسار الظلم والفساد قد خطف منا فرصة النیل من مصدر الرزق والخلاص .
والسّلام عليكم و رحمـة الله و بركاته
انتهى .

 

 

شاهد أيضاً

إمام العصر علیه السلام بانتظار شاب مكافح للظلم ومجدد ومناد بالعدالة

إن المهدوية منسجمة ومتناغمة مع روح الشاب، ومنسجمة ومتناغمة مع قلب الشاب، فقلب الشاب لا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *