ناشونال إنترست: هذا هو الدور الأمريكي المنشود في السودان

كيف يمكننا إنقاذ الديمقراطية السودانية؟ يجيب بولانت أراس، الأستاذ الزائر بمعهد بوليتكنك رينسليير في نيويورك والباحث بمعهد السياسة في اسطنبول إن على الولايات المتحدة التدخل قبل أن تندلع الفوضى في كل المنطقة.

وقال إن الإنتفاضة الديمقراطية التي أطاحت بعمر البشير بعد حكم ثلاثين عاما دعت لإقامة حكم ديمقراطي وانتخابات وحرية وحكومة بعيدة عن الفساد.
وأشار إلى أن نسبة 70% من المحتجين ضد النظام الفاسد كنّ نساء اللاتي واجهن عقودا من الاضطهاد والاستغلال أكثر من أي قطاع في المجتمع السوداني. وكانت التوقعات عالية عندما وضع الجنرالات البشير في السجن ولهذا طالب المحتجون بنقل السلطة من المجلة العسكري الإنتقالي إلى حكم ديمقراطي عرضوا حياتهم للخطر من أجله.
ويعلق الكاتب أن «عملية تحول ديمقراطي كهذه نادرة إن لم تكن ممكنة». وفي الوقت الذي أظهر فيه المجلس العسكري الإنتقالي في مفاوضاته مع المدنيين تحولا عن النخبة الحاكمة إلا أن الجنرالات كانت لديهم فكرة مختلفة فيما يتعلق بالفترة الانتقالية.
فرئيس المجلس الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) يريدان نهاية للاحتجاجات المدنية وانتخابات يشرفان عليها. وهو ما لا يريده المتظاهرون، فلديهم حالة ماثلة أمام أعينهم وهي مصر. فقد سيطر الجنرال عبد الفتاح السيسي على الانتخابات وقمع المتظاهرين أثناءها وبعدها، وأنشأ نظاما لا يختلف كثيرا عن نظام حسني مبارك الذي أطاح به المتظاهرون عام 2011. ومن هنا يعكس الشعار «إما النصر أو مصر» حالة القلق بين المتظاهرين.
وأعلن المجلس العسكري السوداني حظرا على التظاهرات باعتبارها «تهديدا للأمن القومي» وهاجم المعتصمين وقتل منهم في 3 حزيران (يونيو) أكثر من مئة شخص، ورغم حظره على الإنترنت وسيطرته على الإعلام إلا أنه لم يستطع مع انتشار الصور المثيرة للصدمة عن القتلى في الشوارع والذين تم رميهم في النيل، أيديهم وأرجلهم مقيدة وضرب المحتجين في الشوارع أو مشاهد الجرحى في المستشفيات الميدانية.
ويرى الكاتب أن هناك سببين قادا إلى تحول المواجهة بين المجلس والمتظاهرين من حالة جمود إلى عنف. الأول سيطرة المجلس العسكري الإنتقالي على القوات المسلحة خاصة قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي والتي تم تعبئتها ضد المدنيين. وجاء معظم عناصر القوات هذه من ميليشيات الجنجويد التي ارتكبت جرائم حرب في دارفور. وقوات الدعم السريع هي التي قامت بعمليات القتل والقمع في 3 حزيران (يونيو) ضد المعتصمين في الخرطوم.
السبب الثاني وهو الدعم الإقليمي الذي حصل عليه المجلس، خاصة من السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. والتقى الجنرال البرهان مع السيسي في القاهرة وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد. أما حميدتي فالتقى مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في جدة. وتعهدت السعودية والإمارات بدعم المجلس بـ3 مليارات دولار.
ويرى الكاتب أن الدعم السعودي- الإماراتي للمجلس هو بمثابة تغيير للعبة، في ظل الموقف الدولي والإقليمي لهما. وكنوع من الاعتراف بدورهما في دعم المجلس العسكري السوداني، اتصل مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد هيل بنائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان ومع وزير الدولة في الإمارات أنور قرقاش، وأكد هيل في حديثه معهما على «أهمية التحول لحكومة مدنية حسب رغبات الشعب السوداني».
وكانت المكالمة تعبيرا عن القلق من دولتين حليفتين في المنطقة وصورة عن الخلاف في موضوع السودان. ويرى الباحث أن السعودية والإمارات استثمرتا بشكل كبير في السودان ومن المحتمل لعبهما دورا مهما في الحكومة السودانية المقبلة. ولكنهما راغبتان بإدارة العملية الانتقالية للبلد ومنع ظهور حكم مدني فيه. وهي رغبة تشتركان فيها مع مصر. ولا يمكن فصل التدخل السعودي- الإماراتي في السودان عن خططهما للمنطقة من اليمن إلى ليبيا. وتريدان منع منافستيهما في المنطقة، تركيا وقطر من لعب دور في السودان.
ودعمت قطر وتركيا ثورات الربيع العربي وعارضتا الجنرال حفتر في ليبيا ووقفتا أمام الحصار السعودي- الإماراتي ضد قطر وتقاربتا مع البشير قبل الثورة بشكل أخاف التحالف السعودي- الإماراتي. كما من مصلحة هذا التحالف الحفاظ على دعم الجيش السوداني بسبب حرب اليمن الذي أشرف فيه الجنرال البرهان على عشرات الآلاف من الجنود السودانيين الذين قاتلوا مع قوات التحالف الذي تقوده السعودية هناك.
ورغم الحديث عن تحول ديمقراطي في السودان، إلا أن لا حضورا واضحا للولايات المتحدة فيه. وتم تحويل الدور لأثيوبيا. وينظر لتعيين الدبلوماسي السابق كمبعوث أمريكي خاص إلى السودان كخطوة مرحب بها، ستؤدي لزيادة ثقة المدنيين بما يمكن أن تقدمه أمريكا. ودورها في التوصل لحل سياسي مهم قبل أن يؤدي الوضع لخلق حالة فوضى في المنطقة. ويشير الكاتب للعلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والسودان حيث فرضت واشنطن عقوبات طويلة.
وقصف بيل كلينتون السودان عام 1998 بزعم العلاقة مع تنظيم القاعدة، فيما خرق جورج دبليو بوش الموقف الأمريكي من المحكمة الجنائية الدولية عام 2009 ودعم الأمر الذي أصدرته ضد البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وفي هذه الفترة لعبت واشنطن دورا مهما في توقيع اتفاقية السلام الشاملة بين الشمال والجنوب الذي أعلن استقلاله عام 2011. ولهذا السبب يجب ألا تدير الولايات المتحدة ظهرها للسودان بعد الإطاحة بالبشير. فهناك دور حيوي يمكنها لعبه أثناء وبعد العملية الإنتقالية. فهي الطرف الوحيد القادر على جلب الإتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ودول الخليج ومصر إلى طاولة المفاوضات.
وهناك أولويات ورؤى مختلفة يجب التفاوض عليها عبر طرف ثالث، أي الولايات المتحدة التي يجب أن تلعب دورا مهما في إصلاح الاقتصاد وخلق محفزات للسلام. وحققت الولايات المتحدة والأمم المتحدة في الماضي نجاحات في السودان ويجب نقلها الآن إلى مستوى جديد. وفي هذا الدور تلعب الولايات المتحدة دورا بناء في الموقف الذي يمثله الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والحد من طموحات الدول الإقليمية. وسيكون لهذا الدور «الوقائي» أهمية من خلال تطبيع السودان وسيترك أثره بالتأكيد على الأمن العالمي. وأهم من كل هذا فسيكون دور أمريكا في هذه العملية هو دعم عملية التحول الديمقراطي.

 

المصدر: https://ar.shafaqna.com/AR/193589/

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.