قال رئيس المعهد العربي الأمريكي، جيمس زغبي، في مقاله بموقع «lobelog»: إن كتاب «Preventing Palestine: A Political History from Camp David to Oslo» (منع فلسطين: التاريخ السياسي من كامب ديفيد إلى أوسلو) للباحث الإسرائيلي سيث أنزيسكا، عميق ومُقلق للغاية؛ إذ يتتبع المسار المتعرج لعملية صنع السلام في الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الماضية. قراءته كانت مؤلمة جدًا.
وأضاف الكاتب عن الباحث الإسرائيلي، بعد أن كان مراقبًا وأحيانًا مشاركًا في العديد من التطورات التي تكشفت منذ نهاية حرب 1973: فتح أنزيسكا جروحًا قديمة خلال تسليطه الضوء مرة أخرى على الأحداث المؤلمة، والخيانات التي شكلت التاريخ الفلسطيني الحديث.
من الذي يتحمل فشل إقامة دولة فلسطينية؟
من خلال كل التقلبات والانعطافات، والحروب الوحشية والمبادرات الدبلوماسية في هذه الفترة، كان الثابت الوحيد هو الرفض الإسرائيلي الراسخ للاعتراف بالحق الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة الدولة، بالإضافة إلى خدمة الإدارات الأمريكية المتتالية والقادة العرب الكبار لتعنت الإسرائيليين.
الجناة كثر. في سرد أنزيسكا هذا التاريخ، يمكننا أن نجد أخطاءً لمعظم أطراف النزاع: جميع الإدارات الأمريكية التي شاركت خلال هذه الفترة، رؤساء الوزراء الإسرائيليين، سواء من حزب العمل أو الليكود، وكذلك الرئيسين المصريين السادات ومبارك، وحزب الكتائب اللبنانية، حتى ياسر عرفات بمنظمة التحرير الفلسطينية.
يروي المقال أن أنزيسكا نقب في عمق السجلات الرسمية للإسرائيليين والمصريين والأمريكيين والفلسطينيين وغيرهم ممن شاركوا في حروب المنطقة والمساعي الدبلوماسية المختلفة، وبحث في أرشيف الحكومة، وفي محفوظات مركز الأبحاث، وكشف النقاب عن الروايات المعاصرة ومحاضر الاجتماعات والبيانات الرسمية.
ويسرد أنزيسكا في الكتاب القصص التي جرت وراء الأحداث والأخبار، مثل: المناقشات الداخلية التي جرت في اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي، وكيف ارتدوا قناعًا دبلوماسيًّا، بينما كانوا يتشبثون برفضهم الراسخ للتخلي عن سيادتهم على الأراضي الفلسطينية، أو الاعتراف بوجود الدولة الفلسطينية، وكذلك المناقشات التي جرت بين الرئيس كارتر ومساعديه، والإحباط الذي عبر عنه وزراء خارجية الرئيس المصري أنور السادات بسبب خيانة القضية الفلسطينية، والطريقة القاسية التي تعامل بها أرييل شارون الإسرائيلي مع المبعوثين الأمريكيين وانكماشهم أمام عدوانيته، والطريقة التي سعى بها مناحيم بيجن الإسرائيلي للظهور بمظهر المنقذ لمسيحيي لبنان، ثم تُحوله على النقيض تمامًا بعد رفضهم التوقيع على اتفاق سلام بشروط إسرائيل. والتآمر الخفي لقائد الكتائب اللبنانية مع الإسرائيليين لإنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان. وأشار الكاتب إلى أن حالات إحباط الرئيسين الأمريكيين كارتر وريجان، ووزيري الخارجية جورج شولتز وجيمس بيكر بسبب أفعال الإسرائيليين، جديرة بالملاحظة.
ماذا حدث عندما جزع الرؤساء الأمريكيون من تعنت الإسرائيليين؟
ما يظهر سببًا رئيسيًا لإنكار الحقوق الفلسطينية، هو الشلل الذي يصيب أصحاب القرار الأمريكيين في مواجهة التعنت الإسرائيلي، الناجم عن مخاوف الإدارات المتعاقبة من التداعيات السياسية الداخلية لأي ضغط على إسرائيل. مرارًا وتكرارًا نفد صبر رؤساء الولايات المتحدة بسبب الحيل الإسرائيلية ورفضهم المتشدد تجاه الاعتراف بالفلسطينيين، ومنحهم حقوقهم الوطنية، ولكنهم تراجعوا بعد أن حذرهم المستشارون من العواقب السياسية التي قد تنجم عن ذلك. ويعلق الكاتب، لم تظهر شخصيات أمريكية شجاعة في كتاب أنزيسكا.
وتابع المقال، على سبيل المثال، بدأ كارتر ولايته بالتعهد بتحقيق «وطن» للفلسطينيين. تماشيًا مع التزام إدارته بحقوق الإنسان، تحرك كارتر لإنهاء معاناة الفلسطينيين في المنفى وتحت الاحتلال. وتصور أن الطريقة المناسبة لبدء مساره نحو هذا الهدف، مؤتمر دولي لجميع الأطراف لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي. وفي نهاية المطاف، قُلبت جهود كارتر بسبب رفض إسرائيل المشاركة في أي محفل يشكك في سيادتها على الأراضي الفلسطينية، وبسبب تصميم السادات على تحقيق سلام إسرائيلي مصري منفصل عن الفلسطينيين (مع أن تصريحاته العلنية كانت عكس ذلك) بحسب الكاتب؛ ولضغط الجالية اليهودية الأمريكية، التي تسببت في الإزعاج الكافي داخل البيت الأبيض لكي يتراجع كارتر عن الضغط على إسرائيل للتنازل عن الأرض، أو الحقوق السياسية للفلسطينيين.
في النهاية، استجاب كارتر للضغط ورعى اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين إسرائيل ومصر. ووعدت هذه الاتفاقية التي شكلها الإسرائيليون إلى حد كبير بالمناقشات المستقبلية فقط حول خطة مبهمة من أجل «الحكم الذاتي» الفلسطيني –التي تعني في المعجم الإسرائيلي أن الفلسطينيين يمكنهم السيطرة على الأشخاص، وليس الأرض. والنتيجة، كما يذكر أنزيسكا، حصل السادات على سيناء، وحصل بيجن على الضفة الغربية في كامب ديفيد. ومع تأمين الحدود الجنوبية لإسرائيل، تفرغ بيجن لمحاولة محو منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
واستطرد المقال، على مدى العقود الأربعة التالية، شهدت المنطقة الاحتلال الإسرائيلي الفظيع للبنان (إلى جانب القصف الجوي الذي دمّر بيروت والمذابح في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين)، وانتفاضتين فلسطينيتين، وتكرار فشل الجهود الأمريكية في صنع السلام. خلال هذا الوقت، أصرت الولايات المتحدة، على رغبتها في حل النزاع، ولكنها رفضت تطبيق الضغط اللازم لتحقيق ذلك. وكما أشار أنزيسكا، طوال هذه الفترة بأكملها، أصر الإسرائيليون، قبل دخولهم في التفاوض، على سيادتهم الحصرية على الأراضي المحتلة التي «منحهم الله الحق» في الاستقرار فيها. هذه النقاط لم يكن يمكن مناقشتها.
وفي البيانات، قاموا مرارًا وتكرارًا بتوبيخ محاوريهم الأمريكيين، ورفض تسمية «الأراضي المحتلة»، وأصروا على المصطلحات «يهودا والسامرة». كما رفضوا تعبير «الشعب الفلسطيني»، وأشاروا إليهم، بدلًا من ذلك، باسم «السكان العرب». نتيجة لهذا التعنت الإسرائيلي ورد الفعل الأمريكي الضعيف، تعمّق الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
في عام 1977، كان هناك حوالي 5- 8 آلاف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، وبحلول عام 1992، كان هناك 100 ألف مستوطن، واليوم تجاوز العدد 600 ألف.
رغم النشوة التي رافقت توقيع اتفاقية أوسلو في سبتمبر (أيلول) 1993، يوضح أنزيسكا أوجه التشابه بين ما قدمته أوسلو للفلسطينيين، ومقترح الحكم الذاتي الذي قدمه مناحيم بيجن في كامب ديفيد قبل 15 سنة. كان الحكم الذاتي المفترض الذي ناله الفلسطينيون في أوسلو مقيدًا بإصرار إسرائيل على احتفاظها بالسيطرة على الأرض والموارد والأمن والحدود. وليس في اتفاقية أوسلو سيادة فلسطينية ولا دولة مستقلة حقيقية، تمامًا مثل اقتراح بيجن في كامب ديفيد. واستشهد أنزيسكا بالعديد من الفلسطينيين البارزين الذين اتصلوا بعرفات لمهاجمة توقيعه على ما وصفوه بـ«اتفاق معيب».
بينما رفض مناحيم بيجن بشدة إقامة دولة فلسطينية، تحدث أحيانًا بشجاعة عن توسيع منح الحقوق ليشمل «السكان العرب في يهودا والسامرة»، إذ رأى أنهم «أقلية» تعيش في أرض إسرائيل. ونقل أنزيسكا عن بيجن قوله: «ما الخطأ في تعايش الأغلبية اليهودية مع أقلية عربية في سلام وكرامة إنسانية ومساواة في الحقوق؟».
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: حسنًا، نحن هنا في عام 2018، بعد 40 عامًا من كامب ديفيد. والحلم الفلسطيني بدولة مستقلة ليس فقط غير محقق، بل على الأرجح غير قابل للتحقيق. وبما أن العديد من الفلسطينيين يفضلون الآن حل الدولة الواحدة، فإنهم قد يردون كلمات بيجين إليه ويقولون: «لا يوجد شيء خاطئ في ذلك». المشكلة بالنسبة للإسرائيليين هي أن «الأقلية العربية» أصبحت الآن أغلبية. ويُشكر الإسرائيليون لأنهم حفروا هذه الحفرة. فمن خلال «منع فلسطين»، خلقوا واقعًا جديدًا.