تعاني الجاليات الإسلامية، وكذا المهاجرون في الكثير من دول العالم، من عواقب انطباع عام كوَّنه المجتمع الغربي عن الإسلام والمسلمين، هذا الانطباع السلبي الذي تكوَّن عبر عقود من تناول وسائل الإعلام الغربية للأخبار المتعلقة ببعض الجماعات المسلحة؛ مثل «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» و«تنظيم طالبان»، إذ يؤدي تناول أخبار هذه الجماعات، والتي تتعلق في مجملها بحوادث عنف وإهدار حقوق الإنسان، بشيوع ارتباط شرطي بين الإسلام والعنف؛ وكأن العالم يخلو من هذه الجماعات المسلحة، إلا في البلاد الإسلامية.
وبتناول بسيط لتاريخ الجماعات الدينية المسلحة في العالم، نجد – مع بعض البحث – أن هذه الجماعات ليست حكرًا على دين معين، ولم تخل جماعة بشرية من وجود متشددين تجاه أفكارهم يستخدمون العنف لفرضها، أما المزيد من البحث فيُظهر أن ظروف نشأة هذه الجماعات لا تتوقف فقط على العامل الديني أو العقدي، بل تمتد وتتشعب إلى عوامل سياسية واجتماعية وإثنية متداخلة.
وفي تقرير لمركز قانون الحاجة الجنوبي عن «الإرهاب» – بحسب وصف المركز – ففي الولايات المتحدة الأمريكية جاءت نتيجة دراسة أجريت في الفترة من العام 2009 وحتى 2015 بأن الإرهابيين المحليين غير المسلمين في أمريكا قتلوا من الضحايا الأبرياء عددًا أكبر ممن قُتل على يد الجهاديين المسلمين، والحقيقة أن هذه الإحصائية تمتد لأكثر من هذه الفترة، وهو ما سنعرضه في هذا التقرير، مع تعريف لبعض الجماعات المسلحة التي تفاعلت مع الدين بأنماط انتهت نتائجها إلى العنف والقتل.
1- «جماعة جيش الله».. الحرب على الإجهاض
بدأت هذه الجماعة المسيحية نشاطها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1980 تحت إشراف قائد ظاهر للحركة، وهو الكاهن والقائد الديني دونالد سبيتز، وتصف الوثائق الحكومية الأمريكية سبيتز بأنه مدير الموقع الإلكتروني لجماعة الجيش، وكذلك المستشار الروحي للوزير السابق بول هيل، الذي أُدين بقتل طبيب وحارسه الخاص، إذ بدا أن هدف هذه الجماعة في البداية كان قتل كل الأطباء والممرضين العاملين على تقديم خدمة الإجهاض، وكذا حرق كافة العيادات العامة والخاصة التي تقدم هذه الخدمة.
كان أول ظهور حقيقي لـ«جماعة جيش الله» في عام 1982، عندما خطف نشطاء من الجماعة ومكافحون للإجهاض الطبيب هيكتور زيفالوس وزوجته، وأجبروه على تصوير مقطع مصور وإرساله إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعد ذلك شجعت الجماعة قتل الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية لعمليات الإجهاض، وكان من ضمن نشطاء هذه الجماعة بول جينينجز هيل، والذي اُعدم حقنًا بالسم في سجن مدينة فلوريدا عام 2003؛ عقابًا لارتكابه جريمة قتل طبيب الإجهاض جون بريتون وحارسه جيمس باريت في عام 1994، وجون سي سالفي، الذي قتل اثنين من موظفي الاستقبال عندما اقتحم عيادة تنظيم أسرة في بروكلين، وإريك رودولف، والذي يقضي حياته الآن في السجن لمشاركته في عدة أعمال عنف، منها: حادث تفجير الحديقة الأوليمبية في أتلانتا عام 1996.
اعترف رودولف بمشاركته فيه، مبررًا تصرفه برغبته في لفت انتباه وسائل الإعلام لمعارضة حق المرأة في الإجهاض، وكذلك مايكل فريدريك جريفن الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد بعد قتله ديفيد جون طبيب أمراض النساء والتوليد في ولاية فلوريدا عام 1993.
اعتمدت الجماعة على عدد غير محدود من الأعضاء لتنفيذ مهمتهم في قتل مقدمي خدمة الإجهاض؛ بأن وضعت الجماعة المؤسسة دليلًا موجهًا للناشطين يشرح كيفية تنفيذ العمليات، ومحاصرة مقدمي خدمة الإجهاض ومهاجمتهم وقتلهم، العدد الحقيقي للمنتمين لهذه الجماعة في الولايات المتحدة الأمريكية ليس واضحًا، لكن التقديرات ترجح أعدادًا كبيرة من الأعضاء والمتعاطفين.
انتهجت الجماعة عدة طرق لإجبار الأطباء على إغلاق عياداتهم، بداية من غمر أجهزة العيادة بحمض البوتريك، ثم إشعال الحرائق فيها وتهديد الأطباء بإلقاء القنابل التي شرح دليل التحركات والعمليات الخاص بهم كيفية صناعتها واستخدامها، وبالفعل تم تنفيذ هجومين باستخدام القنابل في وقت واحد عام 1984، وانتهاءً باستخدام الجماعة لورقة الترهيب الأقوى: قتل الممرضين والأطباء بهذه العيادات.
2.2. «جيش الرب للمقاومة».. جناح آخر للعنف في أفريقيا
أسس جوزيف كوني هذه الجماعة في أوغندا عام 1987 بين مجتمعات الأشولي العرقية، والتي عانت من انتهاكات عنيفة مارستها عليهم الحكومات الأوغندية المتعاقبة في السبعينات والثمانينات، حتى حكومة الرئيس يوري موسيفيني، والذي كان هدف جوزيف كوني الرئيس هو إسقاط حكمه.
جوزيف كوني مؤسس جماعة جيش الرب للمقاومة – مصدر الصورة: تايم
بدأ جوزيف كوني بمجموعة من المسيحيين الأصوليين، ودعا لإرساء قواعد حكومة أصولية مسيحية في بلده، وبالرغم من أنه نال تأييدًا كبيرًا في بداية نشاطه المسلح؛ إلا أنه خسر كل الدعم من المدنيين بعدما قامت المجموعة بخطف وقتل وتهديد المدنيين في شمال أوغندا، والتفنن في تعذيبهم؛ إذ كانت المجموعة تقطع شفاه وأنوف وآذان وأيدي وأقدام المخطوفين.
ارتكب جيش الرب للمقاومة، آلاف الانتهاكات بين القتل والاختطاف والترهيب وتهديد الآمنين بجيش قوامه الآلاف، بعدما بدأ بـ300 مقاتل فقط؛ وفي واحدة من أقسى مذابح جيش الرب للمقاومة دخل 30 مقاتلًا منطقة ماكومبو في مقاطعة أوت أويلي من شمال الكونغو، وقتلوا ما لا يقل عن 345 مدنيًا، وخطفوا 250 آخرين في أربعة أيام من القتال المستمر. ووصلت الخسائر في شمال أوغندا أشدها بين عامي 1987 و2006؛ إذ اختطف ما لا يقل عن 20 ألف طفل، ونزح نحو 2 مليون شخص نحو المخيمات الموجودة على الحدود، ومات عشرات الآلاف من المدنيين، وشُردت قرى كاملة.
مقابلة تلفزيونية مع قائد المجموعة جوزيف كوني
امتد جوزيف في نشر نشاطه المسلح من مقره في أوغندا إلى أجزاء من الكونغو الديموقراطية بين عامي 2005 و2006، وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى منذ عام 2008، نتيجة الحملات العسكرية العديدة التي تتبعتهم عبر الحدود ودفعتهم للاتجاه لهذه الدول، وبالرغم من أن «جماعة جيش الرب» لم يعد لها أثر حي في شمال أوغندا، إلا أن نشاطها المسلح لا يزال مستمرًا في ارتكاب انتهاكات ضد مواطني المنطقة الحدودية بين جنوب السودان والكونغو وأفريقيا الوسطى.
وبالرغم من أن جماعة «بوكو حرام» هي الممثل الأساسي لكثير من أعمال العنف القائمة على الدين في أفريقيا، إلا أن تكتيكات جماعة جيش الرب للمقاومة، تتشابه مع تكتيكات «داعش» و«بوكو حرام»، وكذلك توازي الحكومة التي يسعى جوزيف كوني إلى إقامتها في جنوب صحراء أفريقيا، الولاية الإسلامية التي يسعى «داعش» والجماعات المسلحة الأخرى إليها، ونالت انتهاكات «جيش الله» من الأطفال بشكل خاص، لدرجة أنهم استخدموهم في تجديد صفوف الجيش؛ لكون التعامل معهم أكثر سهولة من التعامل الكبار، الذين نادرًا ما يثق فيهم الجيش ليصبحوا مقاتليه.
3.3. جماعة «كاخ».. القتل لاستعادة الأراضي الإسرائيلية القديمة
أسس هذه الجماعة الحاخام مئير كاهان، المتشدد الأمريكي، والمناهض للعرب، وعضو البرلمان الإسرائيلي، قبيل انتخابات عام 1973، بهدف خفي أساسي، وهو السعي نحو حكومة إسرائيلية يهودية دينية، وليست علمانية، بالإضافة إلى هدف علني هو طرد الفلسطينيين من الأراضي الإسرائيلية «المقدسة»، بحسبه.
وقامت الجماعة على أفكار مئير، وهي إيديولوجيا أصولية دينية منبثقة من أصول الديانة اليهودية، مع كثير من الكراهية للفلسطينيين والعرب والمسلمين، واستلهمت هذه الجماعة الكثير من أفكار حركات يمينية متطرفة وعنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يكن من المعروف العدد الحقيقي لأفراد الجماعة، وظل مجهولًا؛ حتى صدر بيان عن وزارة الخارجية الأمريكية بمعلومات عن عددهم، وصرحت الوزارة في بيانها بأن عدد الأعضاء الأساسيين أقل من 100 عضو، يتلقون دعمًا ماليًا من المؤيدين لأفكارهم من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأوروبا، وقد استخدمت هذه الجماعة العنف من أجل توسعة الحكم اليهودي في الضفة الغربية، وترويع الفلسطينيين، وطردهم، وصنفت وزارة الخارجية الأمريكية جماعة «كاخ» على أنها منظمة إرهابية في عام 1994 بعدما تشددت في أهدافها المتمثلة في طرد العرب مما اعتبرته الأراضي الإسرائيلية القديمة.
وبدأت كاخ نشاطها ضد عدوها بحملات إثارة كراهية وتحريض على طرده العرب من البلاد، وكانت أبرز هذه الحملات في النصف الأول من الثمانينات في الأراضي المحتلة عام 1948، وقد أقدموا على ارتكاب أعمال عنف بحق السكان الفلسطينيين، بالإضافة لقيامهم بأنشطة سرية ضد فلسطينيي المدن المحتلة، مثل الاعتداء على الأفراد وإلحاق الضرر بممتلكاتهم، وتخريب المساحات الخضراء، بل وصل بهم الأمر أحيانًا لقتل الفلسطينيين.
في نيويورك عام 1990 اغتيل الحاخام مئير، وفي عام 1994 حظرت الحكومة الإسرائيلية جماعة كاخ، وصوت مجلس الوزراء الإسرائيلي بالإجماع على القرار معتبرًا الجماعة منظمة إرهابية، واعتقل معظم المنضمين للجماعة في عام 2000 بتهمة تنفيذ الهجمات وفقًا للتقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2006، ورغم هذا لم يتوقف عنف كاخ؛ فقد ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض على المتحدث السابق باسم كاخ في أبريل (نيسان) 2002 عند محاولته ترك مقطورة محملة بالمتفجرات بجوار مدرسة ومستشفى بالقدس الشرقية، ومنذ عام 2000 وحتى الآن ما زال الاشتباه في قيام أعضاء الجماعة بهجمات مسلحة – وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية – قائمًا.
وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1994 قامت جماعة كاخ بإطلاق الرصاص في الحرم الإبراهيمي بالخليل وقتل 29 مصليًا، وفي عام 1980 قامت مجموعة من أنصار كاخ – أسموا أنفسهم «ماشتيريت» – بشن عدة هجمات لقتل العديد من الفلسطينيين، فيما سبق وأن أحبطت الشرطة الإسرائيلية مخططًا للجماعة لتفجير المسجد الأقصى.
4.4. جماعة «المملكة الإسرائيلية».. الموت لمن لا يدعم إسرائيل
نشطت هذه الجماعة اليهودية في خمسينات القرن الماضي، وتزعمها يعقوب هروتي، المقيم في أمريكا، وجمع معه زملاءه من جماعة ليهي الدينية المسلحة وجندهم مع مراهقين يهود، في الوقت نفسه الذي تزعم فيه المجموعات المجندة النشطة في القدس، وقد عرف الإسرائيليون الجماعة باسم آخر، وهو جماعة «تزفيرين تحت الأرض»، نسبة إلى قاعدة «تزريفين» العسكرية.
وأقدمت الجماعة أيضا على القيام بعمليات مسلحة تستهدف بعض البعثات الدبلوماسية لدول شرق أوروبا منها الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا احتجاجًا على عدم مناصرة هذه الدول لإسرائيل وسياساتها في الأراضي المحتلة. فيما حاولت الجماعة قتل المستشار الألماني كونراد أديناور مرتين عن طريق إرسال قنابل تمت زراعتها في مظروف خطاب رسمي، احتجاجًا على اتفاقية التعويضات التي وقعت عليها إسرائيل وألمانيا الغربية، وكذلك كانت الجماعة تطلق الرصاص على القوات الأردنية المصطفة على طول الحدود في القدس.
اتجهت الجماعة للعنف، معلنة أن ذلك ردًا على تعرض اليهود للاضطهاد في البلدان الشيوعية بدرجات متزايدة، ورغم أن أكبر عدد بلغه النشطاء بالجماعة كان 20 عضوًا، إلا أن أنشطتهم بلغت قوتها لاحقًا إلى أكثر من هذا العدد، ففي عام 1953 كانت الجماعة سببًا في قطع العلاقات الدبلوماسية السوفيتية الإسرائيلية؛ إذ قام أعضاء الجماعة – وعلى رأسهم يوسف مينكس – بزرع 70 رطلًا من المتفجرات داخل السفارة السوفيتية في تل أبيب؛ ما خلف انفجارًا نتج عنه إصابة زوجة السفير وثلاثة موظفين، منهم مديرة منزل السفير، بالإضافة إلى تدمير جزئي لمبنى السفارة.
وفي عام 1957 تقدم اثنان من أعضاء الجماعة لاغتيال زعيم بارز بين اليهود في المجر، وهو الدكتور إسرائيل كاستنر بذريعة تورطه في الوقوف أمام إنقاذ آلاف اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وتعرض عازف الكمان جاشا هيفيتز للهجوم من أحد أعضاء الجماعة عام 1953؛ لأنه كان يعزف مقطوعة موسيقية للمؤلف الموسيقي الألماني ريتشارد شتراوس المعروف بانخراطه مع النظام النازي الألماني بقيادة أدولف هتلر؛ بهدف استمالة النظام لدعم الفنون والموسيقى في ألمانيا.
وزرع أعضاء الجماعة أيضًا متفجرات بمبنى وزارة التربية والتعليم في القدس عام 1953؛ بسبب دور الوزارة في خطة الحكومة لعلمنة المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا، وكانت هذه الحادثة سببًا في القبض على أعضاء الجماعة بعد القبض على منفذي العملية.
مصطفى مصيلحي