أكدت ماليزيا، أمس الخميس، انسحابها من التحالف العربي في اليمن، وسحب قواتها من السعودية؛ حرصًا على «سياسة الحياد والحفاظ على العلاقات قوية مع الجميع عدا إسرائيل»، وهو انسحاب لم يكن الأول من نوعه، وقد يجر دول أخرى إليه، بعدما فقدت حرب السعودية على اليمن الكثير من بريقها في نظر الكثير من المحللين.
ماليزيا: «لماذا نشارك في مهاجمة اليمن أو أي أمة إسلامية؟!»
بعد أسبوع من مراجعة مشاركة ماليزيا في التحالف العربي باليمن، أعلن وزير الدفاع الماليزي، محمد سابو، قرار مجلس الوزراء الماليزي بسحب القوات من السعودية، والانفصال عن التحالف العربي في اليمن، مع مناقشته مع وزارة الخارجية تحديد الموعد النهائي المناسب لإعادة الجنود.
ويُعد ذلك الان سحاب تراجعًا، عن قرار اتخذه الحكومة الماليزية السابقة التي جعلت من ماليزيا الدولة رقم 12 المشاركة في التحالف العربي في اليمن الذي تترأسه السعودية ويضم نحو 20 دولة وبدأ عمله منذ مارس (آذار) 2015، وأرجع سابو قرار الانسحاب إلى عدة أسباب، تتمثل في أن التواجد الماليزي في التحالف، قد يتسبب في جر البلاد بشكل غير مباشر إلى الصراع في الشرق الأوسط، مؤكدًا حرص بلاده دائمًا على تبني سياسة محايدة وعدم الميل لأي توجه سياسي للقوى الكبرى في العالم.
مُتسائلًا بعبارات أكثر صراحة: «لماذا نشارك في مهاجمة اليمن أو أي أمة إسلامية؟» وأكد رغبة بلاده في علاقات جيدة مع الجميع «باستثناء إسرائيل» نائيًا بنفسه عن الأزمة الخليجية بتأكيده حرص بلاده على علاقات جيدة مع السعودية مثلها مثل قطر.
ولم يكن خيار الحكومة الماليزية السابق برئاسة نجيب عبد الرازق، المشاركة في التحالف العربي باليمن ومبرراتها لذلك القرار مُقنعًا للحكومة الماليزية الجديدة برئاسة مهاتير محمد؛ إذ فنّد سابو مبررات الحكومة السابقة للبقاء في اليمن واصفًا إياها بـ«السخيفة» عندما قال: « إن العذر القائل بأن القوات الماليزية في اليمن لأداء أعمال إنسانية هو أمر سخيف؛إذا كان صحيحًا بالفعل أنه نُشرت قواتنا للمساعدة في جهود الإخلاء، فيجب أن يتم العمل الآن، ولا توجد حاجة للبقاء منتشرين لأكثر من ثلاث سنوات».
ونفى سابو مشاركة القوات الماليزية -التي لم يفصح عن تعداداها- أثناء تواجدها في السعودية، في حرب اليمن أو العمليات ضد «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، و قال إن بلاده لن تورط جيشها في أي حروب خارجية ما لم يكن ذلك عن طريق الأمم المتحدة. وجاءت الخطوة الرسمية الماليزية تلك بعد مطالبات حقوقية في ماليزية بسحب القوات من اليمن، وتأكيد عدم جدوى الانتشار الماليزي في اليمن، وبالأخص مع الانتقادات الحقوقية الدولية التي تصحب عمليات التحالف في اليمن.
الأسباب العميقة للانسحاب الماليزي
قد تتمثل أحد أهم الرسائل الذي يحملها قرار ماليزيا بسحب قواتها من اليمن، في رفض الحكومة الماليزية الجديدة بقيادة مهاتير محمد، ما سبق وأن فعلته حكومة عبد الرزاق السابقة التي كانت مدعومة بالسعودية، وتواجه تهمًا بالفساد في ماليزيا الآن.
وقد يحمل القرار رفضًا ماليزيًا أيضًا للاندراج تحت أهداف السعودية، وغضبًا من تدخل المملكة في الشأن الماليزي، وحرص الرياض على بقاء حكومة عبد الرزاق، الذي يُحاكم بتهم فساد في ماليزيا، وقد سبق لعادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بأن أقر بإيداع المملكة «هِبة» قدرها 681 مليون دولار في حساب عبد الرزاق قبيل انتخابات 2013، في محاولة لتبرئة عبد الرزاق من تهم الفساد، وهي محاولة حملت في طياتها أيضًا اعترافًامن المملكة بدعم عبد الرزاق «غير المرغوب فيه» من الحكومة الجديدة، التي قررت اليوم الخميس قبل ساعات قليلة تجميد حساباته المصرفية، مع اتهامه باختلاس 4.5 مليار دولار.
كذلك فإن التدخل العسكري السعودي في اليمن فقد، بحسب مراقبون، الكثير من سمعته وجدواه وبريقه الأخلاقي؛ «فعاصفة الحزم» السعودي على اليمن لم تكن «حاسمة» بما فيه الكفاية ليستمر التدخل العسكري السعوي لأكثر من ثلاث سنوات دون التخلص مما اعتبرته الخطر الحوثي، كذلك فإن محاولة «إعادة الأمل» مع طول مدة التدخل العسكري السعودي، قد أوقع الكثير من الضحايا المدنيين، أدى لتراجع الدعم المحلي والدولي.
إذ وثقت الأمم المتحدة مقتل ما لا يقل عن 5144 مدنيًّا خلال الفترة بين مارس 2015 و30 أغسطس (آب) 2017، مشيرة إلى أن التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية قد تسبب في مقتل أكثر من نصفهم، وهي انتهاكات أدت للإساءة لسُمعة التدخل العسكري السعودي في اليمن، محليًا ودوليًا.
ومما أضعف من مصداقية «الدافع الاخلاقي» السعودية بإعادة الشرعية في اليمن، محاولة السعودية المناورة بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، قبل أن يقتله الحوثيون، ليظهر صالح وكأنه بديل للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الواقع تحت الإقامة الجبرية في الرياض، ويمنع من العودة إلى اليمن، بحسب ما أفادت وكالة «أسوشيتد برس» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
ليظهر الصراع في اليمن على أنه صراع مصالح ثنائي بين السعودية وأقرب حلفائها من جهة، وبين الحوثيين وحلفائها من جهة أخرى، أكثر منه صراع جامع وموحد للدول العربية وذات الأغلبية المسلمة، وهي عوامل مجتمعة قد تكون سرّعت من الانسحاب الماليزي من اليمن، الذي لاقى ترحيبًا حوثيًا، على لسان القيادي الحوثي محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا، الذي اعتبر الانسحاب «خسارة سياسية وعسكرية للتحالف».
توجد هذه العبارة داخل جواز السفر الماليزي، وهي عبارة تؤكد حجم الرفض الماليزي لإسرائيل، وأولوية القضية الفلسطينية في العلاقات الخارجية لدى ماليزيا، وهي أولوية ماليزية كبرى، ربما لم تجدها ماليزيا بنفس الحجم بالنسبة للسعودية، التي تُركر اهتمامها وعدائها أكثر ضد إيران، وهو اهتمام سعودي إسرائيلي مشترك يصاحبه علاقات سرية، لا يبدو مستساغًا لدى ماليزيا.
سبق قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس أجواء تمهيدية لعلاقات سعودية إسرائيلية، من شأنها إضعاف ردة الفعل السعودية تجاهه، تلك الأجواء التمهيدية التي ظهرت على السطح بشكل أكبر بعد إبرام اتفاقية تيران وصنافير، تلك الاتفاقية التي خلقت «وضعية جديدة في البحر الأحمر، هي أكثر أريحية لإسرائيل. لأن مضيق تيران – الذي تعبر منه السفن الإسرائيلية باتجاه ميناء إيلات – كان خاضعًا للسيادة المصرية بالكامل. أما الآن فقد تحول إلى ممر دولي»، بحسب ما قال المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان.
في حين أفادت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، بأن الاتفاقية التي تضمنت موافقة تل أبيب عليها «تشير على الأرجح إلى استمرار الاتصالات السرية والمصالح المشتركة ما بين السعودية وإسرائيل»، ويبدو أن تلك التصريحات لا تنفصل عن احتفاء إسرائيل ونتنياهو بعلاقات سرية مع دول عربية ليس بينها وبين تل أبيب ميثاق سلام، في احتفال لوزارة الخارجية الإسرائيلية في سبتمبر 2017، وهي علاقات وصفها نتنياهو بـ«غير المسبوقة تاريخيًا».
وقد حاول ترامب نفسه تعزيز ذلك التقارب السعودي الإسرائيلي؛ فبعدما أنهى زيارته إلى الرياض، توجه بطائرته الخاصة إلى تل أبيب، في أول رحلة رسمية جوية معلنة بين البلدين، مُصرحًا: «عدت للتو من السعودية، مشاعر القادة السعوديّين نحو إسرائيل إيجابيّة جدًا».
ومما يُعزز التقارب السعودي الإسرائيلي، هو عداؤهما المشترك لإيران ومواجهة نفوذها الإقليمي في المنطقة، وهو عداء جعل يوفال شتاينش، وزير الطاقة الإسرائيلية يؤكّد في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، قبل أسبوعين من قرار ترامب، يعلن وجود تعاون واتصالات بين إسرائيل والسعودية لمواجهة «خطر إيران المتصاعد»، لافتًا إلى أن السعودية «حريصة أن يبقى ذلك التعاون سريًا».
وهو عداء دفع المملكة أيضًا لتأسيس تحالف عسكري إسلامي، يتكون من 41 دولة عربية وذات أغلبية مسلمة (ليس من بينها إيران): ليس لمواجهة إسرائيل؛ وإنما لـ«محاربة الإرهاب وتنسيق الجهود ضد المتطرفين في العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، وأفغانستان، بحسب الأهداف التي أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولم تشمل أهدافه تنسيقًا لمحاربة قرارات ضد مقدسات إسلامية بحجم مدينة القدس التي أعلنها ترامب عاصمة لإسرائيل.
ويظهر من أهداف التحالف وتوجهات المملكة أنه موجه أكثر ضد المد الشيعي و ما تصفه بالإرهاب، كما تُدفع الدول العربية وذات أغلبية مسلمة أيضًا بهذا الاتّجاه بعيدًا عن إسرائيل. وقد التفتت صحف إسرائيلية لذلك، وحاولت طمأنة الإسرائيليين من ردة الفعل العربية، ومالت في مجمل تعليقاتها إلى عبارة «لا تخافوا العرب منشغلون بإيران الآن»، وخصّت المملكة تحديدًا بذلك، وهي أولويات لا تفضلها ماليزيا، ولا تتشاركها مع المملكة.
ماليزيا ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة
لم تكن ماليزيا أولى الخارجين من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن؛ إذ سبقتها جارة السعودية الخليجية قطر، التي غادرت التحالف، عقب اندلاع الأزمة الخليجية، وبدء مقاطعة السعودية وحلفائها لها، في الخامس من يونيو (حزيران) 2017. وإعلان التحالف العربي إنهاء مشاركة قطر فيه، لاتهمامها بدعم «الإرهاب»
إذ جاء في بيان لقيادة التحالف: «تعلن قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن أنها قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب، ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها «القاعدة» و«داعش» وتعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن مما يتناقض مع أهداف التحالف التي من أهمها محاربة الإرهاب».
لتستجيب قطر لذلك الإجراء وتعلن انسحابها، في بيان نقلته وكالة الأنباء القطرية الرسمية أكدت فيه: «مساهمة القوات القطرية خلال مشاركتها في التحالف، في التصدي للعدوان والتهديد الذي يشكل خطرًا على أمن المملكة العربية السعودية ودول المنطقة عبر مشاركتها بمئات الطلعات الجوية واستشهاد وإصابة العشرات من أبنائها؛ ذلك إيمانًا منها بصون الحقوق المشروعة ودعمًا لحق الشعب اليمني الشقيق في حياة ديمقراطية عادلة وصد أي محاولات خبيثة للعبث بأمن المملكة والخليج والمنطقة بأسرها»، بحسب ما قالته.
في حين أفادت وسائل إعلام مغربية ويمنية باستعداد المغرب للانسحاب من التحالف العربي في اليمن، في أبريل (نيسان) 2018، وبالأخص بعد تصاعد بعض الخلافات على السطح بعد دعم السعودية للملف الأمريكي على حساب ملف المغرب، لتنظيم كأس عالم 2026، وهو أمر لم تعلنه جهات رسمية مغربية، وستُظهر الأيام مدى إمكانية تحققه على أرض الواقع.