حظر الصوم والإجبار على استضافة شيوعي! هكذا يعيش مسلمو الصين في رمضان

يذكر التاريخ أن الزعيم الصيني الشيوعي «ماو تسي تونغ» تسبب بمقتل سبعين مليون صيني على الأقل في وقت سلام، وليس حرب، وبالرغم من ذلك تفرض الحكومة الصينية الآن بالقوة تلك الشيوعية على الأقلية المسلمة في أراضيها خوفًا من «إرهاب» قادم من إسلامهم كما تقول.

إذ لم تكن صور سفير الصين لدى السعودية «لي هواشين» متناولًا كعادته السنوية طعام الإفطار خلال حفل رمضاني في مقر إقامته بالرياض في نظر الكثيرين، سوى مجرد صور مخالفة لحقيقة التعامل مع المسلمين على الأرض الصينية، ففيما لم يعد قرار حظر الصيام إلا خبرًا يتجدد مع حلول شهر رمضان، تفرض الصين على المسلمين في  إقليم شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة «استضافة شيوعي» في منازلهم، فيما كان نصيب ما يقارب المليون منهم الاحتجاز في معسكرات لدراسة الدعاية الشيوعية بغية تعديل معتقداتهم الإسلامية، حيث يتخلل هذا «التعليم» بحسب الشهادات الكثير من التعذيب الجسدي والنفسي.

في بيتنا «شيوعي».. ضيف بالإكراه في بيت كل مسلم

«وقَّعنا جميعًا خطاب مسؤولية يضمن أنَّنا لن نصوم، معظم محتويات الخطاب تشبه العام الماضي. ومع ذلك، طُلِب منا هذا العام مراقبة عائلاتنا وجيراننا وحتى العائلات المسؤولة منا، وإقناعهم بعدم الصوم»، هذا ما قاله أحد ضباط الشرطة الصينية، بعدما فرضت الحكومة الصينية على موظفيها الإقامة في بيوت الأقلية المسلمة (الإيغور) مدة 15 يومًا، تلك الخطة التي كثفت مع رمضان الماضي في 25 مايو (أيار) 2017.

هذا العام وتحديدًا في يناير (كانون الثاني) الماضي، توسعت الحكومة الصينية باتباع هذا الأسلوب للتضييق على المسلمين الصينيين، فقد أمر أكثر من مليون موظف شيوعي بالعيش في بيوت (الإيغور) لعدة أسابيع، ضمن  برنامج «استضافة في البيت» الذي يتم بشكل دوري لدى الأسر في منطقة إقليم شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة.

ويقع هذا البرنامج ضمن حملة «سترايك هارد»، أي «الضربة القوية» التي تهدف لزيادة أعداد الموظفين الحكوميين في المنطقة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 11 مليون إيغوري وأقليات تركية أخرى، وقد أطلق على هذه الفترة اسم «أسابيع الوحدة»، بحيث يطلب من عائلات الإيغور، لضمان ولائها للحزب الشيوعي الصيني، إبراز صور للرئيس الصيني «شي جينغ بين» في غرف المعيشة، وكذلك المشاركة في احتفاليات رفع العلم الوطني وقسم الولاء، ويمنع المسلمين من ممارسة الطقوس الدينية في منازلهم، كما يُطلب من تلك الأسر تزويد (الضيوف) بمعلومات حول حياتهم وآرائهم السياسية، فيما يقوم هؤلاء بإبلاغ السلطات عن أي شخص يشك في انتمائه إلى «قوى الشر الثلاث»، وهي الإرهاب، والانفصالية، والتطرف، بحسب تعريف الصين لتلك المفاهيم.

ويؤكد تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش»، الذي نشر في الرابع عشر من مايو 2018، على أن «أولى الخطوات تبدأ بالتحدث إلى العائلة وجمع المعلومات العامة عنهم، عن هويتهم وأصولهم وفيما لو كانوا من المهاجرين من مناطق أخرى وآرائهم السياسية وديانتهم والكثير من التفاصيل الدقيقة، مثل مراقبة النظافة، إلى الإدمان على الكحول، وممارسات طقوسهم الدينية».

ويضيف التقرير أنه «إذا لاحظوا تصرفات غير عادية، فعليهم تعليمهم وتوجيههم إلى المعتقدات التي يعتقد الكادر بأنها صحيحة، مثل عمليات التلقين السياسي تحت رعاية الحزب الشيوعي الصيني، وتحذيرهم من مخاطر القومية التركية والكازاخستانية والهوية الإسلامية، وأي هوية أو أفكار تجد الحكومة بأنها تهددها، وتوجيههم يومًا بيوم ولحظة بلحظة».

ويعيش في إقليم شينجيانغ 11 مليونًا من أقلية الإيغور، واعتادت الحكومة الصينية على قمع الذين يمارسون الطقوس الدينية في الإقليم، لتتحول المنطقة إلى دولة بوليسية فعلية، حيث توضع أجهزة تعقُّب (GPS) إلزامية في السيارات، تقول كبيرة الباحثات في منظمة هيومن رايتس ووتش في الصين «مايا وانغ»: إن «جميع الأسر المسلمة الآن في جميع أنحاء شينجيانغ تأكل وتعيش وتنام تحت نظر الدولة الساهرة في منازلها».

وأضافت أن «الحملة الأخيرة تضاف إلى مجموعة كاملة من الضوابط السائدة الغريبة على الحياة اليومية في شينجيانغ»، وأضافت وانغ: «إن ممارسات الصين باتباع غزو منازل السكان والإقامة القسرية عند العائلات المسلمة، ليس انتهاكًا لحقوق الانسان الأساسية فحسب، بل تنمّي وتعزز شعور الاستياء بين المواطنين في المنطقة أيضًا».

وتعود بدايات هذا البرنامج إلى العام 2014، حين أعلنت بكين حملة كبيرة لمحاربة ما تسميه الحكومة بـ«الإرهاب والتطرف الديني والنزعة الانفصالية»، فأرسلت نحو 200 ألف كادر للقيام بزيارات دورية إلى الأسر في إقليم شينجيانغ، ثم أكتوبر (تشرين الأول) 2016، شرعت في إطلاق حملة «أن تصبح من الأسرة» التي يزور من خلالها 110 آلاف مسؤول العائلات المسلمة كل شهرين بهدف «تعزيز الوئام العرقي» بينهم وبين الصينيين، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، حشدت سلطات شينجيانغ أكثر من مليون كادر لقضاء أسبوع في منازل العائلات، وخاصة في مناطق الريف ذات الغالبية المسلمة.

معسكرات «إعادة التثقيف».. التعذيب حتى محو المعتقدات الإسلامية

سجن الكازاخستاني «عمير بكالي» البالغ من العمر 42 عامًا مع عشرات من بني جنسيته في معسكرات «إعادة التثقيف» في الصين. لم يكونوا وحدهم، فما يقارب من مليون شخص من المسلمون الصينيون من إقليم شينجيانغ خضعوا لذات الاعتقال، الذي يهدف إلى تغيير الأفكار السياسية للمحتجزين، ومحو معتقداتهم الإسلامية وإعادة تشكيل هويتهم، وقد حقق الهدف من هذا الاعتقال فاعتنق الكثير منهم أيديولوجية الحزب الشيوعي بعد خروجهم.

احتجز «بكالي» دون محاكمة، وأُرغم الرجل على الإشادة بالحزب الشيوعي، وقضى عدة سنوات في زنزانة تبلغ مساحتها عشرة أمتار، يشارك 17 فردًا آخر في سرير واحد ومرحاض واحد، هنا أيضًا كل شيء مراقب بكاميرات، لا تترك زاوية واحدة إلا تتابعها، إنها تراقب إذا ما قام أحد المعتقلين بغسل وجهه، فإن ذلك يعتبر وضوءً يستوجب الحبس الانفرادي، أما بكالي، ذاك الرجل القوي والهادئ، فكلما رفض اتباع أوامر القائمين على المعسكر كان يُعاقب بالوقوف بجانب حائط لمدة خمس ساعات في كل مرة، ويُرسل كل أسبوع للحبس الانفرادي، ويُحرم من الطعام لمدة 24 ساعة، لكنه يقول: إن «الضغط النفسي هائل، عندما تضطر إلى انتقاد نفسك. ما زلت أفكر في الأمر كل ليلة، حتى تشرق الشمس، لا أستطيع النوم».

في هذا المعسكر الذي وصف بأنه أكبر معسكر احتجاز في العالم، يحتجز أكثر من 900 ألف مسلم صيني في إقليم في «شينجيانغ»، من أولئك الذين كانوا يصلون بانتظام، أو لهم لحية أو وجد على هاتفهم المحمول صورًا لآيات قرآنية، أو يطلقون على أولادهم أسماء إسلامية، فهذا المعسكر الذي وصلت تكلفة بناؤه 100 مليون دولار، ولم يزل بناؤه مستمرًا يُجبر فيه المسلمون على دراسة الدعاية الشيوعية لمحو معتقداتهم الإسلامية، ومن يرفض يجبر بالقوة على شرب الكحول وأكل لحم الخنزير، ويظهر تقرير صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن البرنامج: «بمثابة غسيل مخ للمُحتجزين؛ إذ يعمل على إعادة برمجة تفكيرهم السياسي، ومحو معتقداتهم الإسلامية وإعادة تشكيل هويتهم ذاتها».

أما الدولة الصينية فتعتبره طريقة لمحاربة الأفكار المتطرفة دينيًا، والجماعات الانفصالية، ويضيف التقرير: «توسعت المخيمات بسرعة كبيرة خلال العام الماضي، مع عدم وجود أي إجراءات قضائية أو سندات قانونية، ويكافأ المعتقلون الذين ينتقدون بشدة الأشخاص والأشياء التي يحبونها، فيما يُعاقب من يرفضون ذلك بالحبس الانفرادي والضرب والحرمان من الطعام».

مع بداية رمضان.. قرار «حظرالصيام» يتجدد

في الأيام الأولى لشهر رمضان الحالي، أجبرت الحكومة الصينية المساجد على رفع العلم الصيني بغية «تقوية روح الانتماء للوطن، ومشاعر المواطنة والروح الوطنية»، وأكدت المنظمة الإسلامية للصين على أنه «يجب وضع الأعلام لتكون ظاهرة بصفة جلية في أماكن العبادة»، كذلك فرض على القائمين بالمساجد الاطلاع على الدستور الصيني الذي يعتمد على أفكار الرئيس الصيني «شي جينبينغ»، ودراسة المؤلفات الثقافية الكلاسيكية الصينية، وقالت الحكومة الصينية إنه يجب إعطاء أهمية أكبر لـ«مدرسي الاسلام العقلاء»، حيث ستقدم المساجد معلومات عن القيم الاشتراكية للحزب الشيوعي الصيني، وسيتم شرحها للمصلين عن طريق القرآن، كي تتعمق أكثر في قلوب مسلمي الصين في بكين وغيرها.

وإذ ما كان حظ المسلمين في بكين والمدن الأخرى هو ما سبق من تعليمات، فإن نصيب المسلمين الصينيين في إقليم شينجيانغ الذي يعرف أيضًا بتركستان الشرقية هو تجديد قرار حظر الصيام المعتاد مع حلول شهر رمضان، وبالأخص على موظفي الخدمة المدنية والمعلمين والطلاب، حيث يأتي ذلك ضمن انتهاج الصين لسياسات وضوابط أمنية تقيد المواطنين المسلمين من ممارسة حقوقهم الأساسية وشعائر عقيدتهم، فقد أقامت الحكومة شبكة أمنية كبيرة في جميع أنحاء شينجيانغ وأنشأت نقاط التفتيش المسلحة، وكثفت من مراقبة الهاتف المحمول، وفرضت منذ وقت طويل قيود على ممارسة المسلمين شعائرهم خلال شهر رمضان، مثل المنع من الصيام والصلاة.

يقول رئيس اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية «دانييل مارك»: «إن القيود التي تفرضها الحكومة الصينية على المسلمين الإيغور هي محاولة لطمس هوية أقلية دينية وعرقية محاصرة، وذلك من خلال تثبيت كوادر الحزب الشيوعي في مناطق الإيغور ، واحتجاز عدد لا يحصى من الأبرياء في معسكرات إعادة تعليم خارج نطاق القضاء».

تحظر بكين الصيام طيلة شهر رمضان منذ عدة أعوام، ولتنفيذ ذلك تتخذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف لمنع المسلمين من ممارسة  شعيرة الصيام، كإجبار المطاعم على فتح أبوابها، وحراسة المباني العامة على مدار الساعة؛ مما يجعل الصيام أمرًا صعبًا، كما توجه للممتنعين عن تناول الطعام تهمة ممارسة «الصوم غير الشرعي»، وفي المدراس تحذر الطلبة من الصيام أو ارتياد المساجد، فقد طلب العام الماضي من الطلاب التجمع يوم الجمعة الذي يعد يوم الصلاة للمسلمين للدراسة الجماعية، ومشاهدة أفلام الحزب، كما ألزمت الحكومة المدارس ودور رياض الأطفال بتوقيع اتفاقيات تضمن عدم صيام أي من العاملين بها.

وتذكر صحيفة «إندبندنت» البريطانية أنه «تعيش في المقاطعة غالبية إثنية من الإيغور، وهي الجماعة التي عانت لسنوات من قمع السلطات الصينية، التي حاولت القضاء على التعبير الديني وجميع أشكال الولاء لمؤسسات أخرى غير الحزب الشيوعي الحاكم»، وتضيف الصحيفة: أن «الحزب يخشى من انتشار التطرف الديني، خاصة أن المقاطعة تجاور دولًا ذات غالبية مسلمة، أصبح فيها العنف أمرًا عاديًا، فهناك تقارير تقول إن (داعش) يحاول الوصول إلى مسلمي الإيغور وتجنيدهم».

وتضم الصين عشرة أقليات مسلمة من أصل 56 أقلية إثنية، هي أقلية هوي (صينيون) والإيغور، والقرغيز، والكازاخ، والطاجيك، والتتار، والأوزبك، والسالار، والـباوان، والدونغشيانغ، وهي أقليات توجد في شمال الصين وشمال غربها، وتمنع الصين منذ 2017 ارتداء النقاب في هذه المنطقة، ومع بداية هذا العام فرضت قوانين جيدة، كمنع الهبات الخارجية، ووضع قيود على فتح مدارس دينية، فيما يحكم الحزب الصيني منذ 1949، ويتصدى لكل القوى المناهضة لنظامه.

النهایة

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.