مفاجأة سارة للسوريين قبل عيد الفطر!

بينما كان الكَثيرون، ونحن من بينهم، يَتوقُّعون تَقدُّم قُوّات الجيش العربي السوري نَحو الجبهة الجنوبية لفتح الحُدود مع الأردن، واستعادة درعا إلى السِّيادة الرسميٍة، فُوجِئنا فجر الخميس بِقَصفِ طائِرات التحالف الدَّولي الأميركي مَواقِع عسكريّة سوريّة في شَرق البِلاد، للمَرَّةِ الثانية في أقل من ثَلاثة أشهُر.

المتحدث باسم القُوّات الأميركية نفى عِلمُه بحُدوث هذا القصف، لكن المرصد السوري لحُقوق الإنسان المُقرَّب من فصائِل المُعارضة المُسلَّحة، أكَّدَهُ، مِثلما أكًّد وجود جيب تتمركز فيه عناصر جماعة “داعش” الوهابية في المِنطَقةِ نفسها.

المعلومات القادِمة من دِمشق تُؤكِّد أنّ معركة دَرعا باتت وشيكة، بعد نجاح قُوّات الجيش السوري في استعادة حي الحجر الأسود ومخيم اليرموك، بعد السيطرة على الغوطة الشرقية، وتأمين العاصِمة كُلِّيًّا من أيِّ قصفٍ مِدفعيّ وصاروخيّ للفصائِل المُسلَّحة، وبدأت الاستعدادات فِعلاً لشَن عمليّة عسكريّة، كُبرى نِهائيّة، في مِنطقة درعا المُحاذِية للحُدود الأردنيّة جَنوبًا، ومُحافَظة القنيطرة شَمالاً على حُدود الجولان المُحتلَّة.

***
أولويّة الجيش السوري حاليًّا تتلخَّص في استعادة السَّيطرة على مُعظَم الحُدود السوريّة، إن لم يكن كلها، فبعد استعادته للحُدود مع العِراق ولبنان، باتَ الهدف هو الحُدود الأردنيّة السوريّة التي تُسيطِر عليها مجموعة من فصائِل الجيش السوري الحر، ويَحظى بعضها بدَعمٍ إسرائيليٍّ مَلحُوظ.

السيطرة على دَرعا تنطوي على أهميّة استراتيجيّة كُبرى بالنسبة إلى النظام في دِمشق، ليس لأنّها تعني فتح الطريق الدولي المُمتد من دِمشق حتى العاصِمة الأردنيّة عمّان (طوله 90 كيلومترُا)، ممّا يعني مَورِدًا اقتصاديًّا مُهِمًّا، وبوّابةً للصَّادِرات السوريّة، ولأسباب مَعنويّة أيضًا، لأن شَرارة ما يسمى بـ“الثَّورة” السوريّة انطلقت من المَدينة قبل سَبع سنوات.

القِيادة السوريّة حريصةٌ على فتح هذا الطريق الدولي على غِرار ما فعلت بفتحها نظيره الذي يَربِط العاصِمة بحمص بعد السيطرة على الغوطة الشرقيّة، وطريق دِمشق دير الزور بعد استعادة تدمر، وإخراج عناصر “داعش” مِنها.

تأكيد السيد مجبتي فردوسي بور، سفير إيران في الأردن، في حديثٍ أدلى به لصَحيفة “الغد” الأردنيّة أمس بأنّه لا توجد قُوّات إيرانيّة في الجنوب، ونفيه أن تكون قُوّات بلاده شاركت في معارك الغوطة الشرقيٍة واليرموك والحجر الأسود، يأتي مَحسوبًا بِدقَّة في إطار سَحب الذَّرائِع من إسرائيل وأميركا، والتَّشديد على أنّ مُهمَّة استعادة دَرعا هي مَسؤوليّة الجيش السوري وَحدِه.

السُّلطات الأردنيٍة تُراقِب معركة دَرعا الوَشيكة بقَلقٍ شديد، وإن كانت تتمنَّى حلاًّ سِلميًّا يُؤدِّي إلى خُروج قُوّات المُعارضة المُسلَّحة إلى إدلب أو جرابلس في الشمال السوري الغربي يُجنِّب حُدوث الصِّدامات العسكريّة، وما يُمكِن أن تنطوي عليه من اضطرابات أمنيّة، وهِجرَة مِئات الآلاف من سُكَّان المِنطَقة إلى الداخل الأردني، ممّا يزيد من أعبائِها الأمنيّة والاقتصاديّة والخَدماتيّة، في وقتٍ يتضخًّم الدَّين الأُردني العام إلى أكثر من 36 مليار دولار، ويًزيد عدد اللاجئين السُّوريين عن مليون ونِصف المليون لاجِئ داخِل المُخيَّمات وخارِجها.

مصدر لبناني مُقرَّب جدًّا من القِيادة السوريّة، وعاد للتو من دِمشق، أكّد لنا في هذهِ الصحيفة، أنّ حسم معركة درعا، وإعادة المدينة إلى السِّيادة الرسميّة، ربٍما يتحقق قبل عيد الفطر المبارك، وأنّ تفاهُمات جًرى التوصُّل إليها في هذا الصَّدد أثناء قِمّة سوتشي التي انعقدت الأُسبوع الماضي بين الرئيسين السوري بشار الأسد ومُضيفِه الروسي فلاديمير بوتين، وحصل الرئيس الأسد على دَعمٍ روسيٍّ كامِل في هذا المِضمار على غِرار ما حصل في الغوطة الشرقيّة مَشروط بعدم مُشاركة أو تواجد قُوّات إيرانيّة في المِنطقة، وهذا ما يُفَسِّر تَصريحات السفير الإيراني في عمّان وتَوقيتِها.

***
ما زال من غير المعروف كيف سيكون الرَّدَّان الإسرائيلي والأميركي في هذا الصَّدد، ونحن لا نَتحدَّث هُنا عن الرَّد الأردني، الطَّرف الثالث، لأنّنا نُدرِك جيِّدًا بأنّه قد لا يتعارَض مع هذين الرَّدين بِطَريقةٍ أو بأُخرى، لأنّ الأُردن لا يستطيع أن يقول “لا” لأميركا التي رفعت مُساعَداتها الماليّة إليه إلى ما يَقرُب المِليار دولار سَنويًّا، ولكنٍه، أي الأردن يتمنَّى أن يتم فتح الحدود الأُردنية السوريّة بأقل الأضرار لأنّ هذا يعني دُخول خزانته ما يَقرُب من 400 مِليون دولار سًنويًّا كجمارك ورسوم مع البًضائع المارّة في الاتجاهين، وعودة المنتوجات الأردنيّة إلى الأسواق السورية، والمُشاركة المُتوقًّعة للشَّركات الأُردنيٍة في عمليّة إعادَة الإعمار.

حسم معركة دَرعا وعودتها للسِّيادة الرسميّة، سيكون مُقدِّمَةٍ لمَعركةٍ أُخرى ربّما تكون أكثر أهميّةً، في شرق الفرات، لاستعادة السيطرة على احتياطات النفط والغاز الموجودة في شرق مدينة دير الزور التي تَرفُض القُوّات الأمريكيّة أي تَقدُّم باتجاهِها، وتريد أن تكون من نصيب الإمارة القبائليّة السنيّة الشمريّة التي تتطلَّع إلى إقامَتها، وتمتد من الحَسكة شمالاً حتى شرق دير الزور، وقصف المواقِع العسكريّة فجر اليوم الخميس أحد المُؤشِّرات في هذا الصَّدد.

السُّوريّون يتمتَّعون بنَفسٍ طَويلّ، وصَبرّ لا حُدود له، تَعزَّز من خِلال مُعاشَرتهم للايرانيين، ويبدو أنّ هذه الاستراتيجيّة بدأت تُعطِي ثِمارها، باستعادة 80 بالمِئة من الأراضي السوريّة بعد مَعارِك طاحِنة على مدى السَّنوات السَّبع الماضِية، ومِن خِلال المِقياس نفسه من غير المُستَبعد أن يكون رفع العلم السوري في مَيدان درعا الرَّئيسي مُفاجأة الأيّام أو الأسابيع المُقبِلة.. والله أعلَم.

* عبد الباري عطوان .. رأي اليوم

Check Also

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *