بدأت كاثرين زيمرمان، الباحثة في معهد إنتربرايز الأمريكي للأبحاث السياسية العامة، مقالها المنشور في مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، بأن الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر أعلنت بدء عملياتها لتحرير المعاقل النهائية للدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، فيما بدا أنها «اتممت المهمة» في الحرب ضد الإرهاب العالمي، بعد أن تمكنت في النهاية من إنهاء العمليات القتالية الرئيسية في العراق أواخر أبريل (نيسان)، تمكنت واشنطن من تحويل تركيز عملياتها الهجومية هناك إلى قتالها ضد معاقل الجماعة الإرهابية الأخيرة في سوريا، وفي «الخلافة الجغرافية» التي تضم أجزاءً من أفغانستان ونيجيريا واليمن، وكما قال الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا: «سوف نعود إلى الوطن قريبًا نسبيًّا. لقد انتهينا تقريبًا من كل عملنا في ما يتعلق بداعش في سوريا، وداعش في العراق، وقمنا بعمل لم يتمكن أي شخص آخر من القيام به».
قد يبدو الأمر وكأن انتصارًا عالميًّا على الدولة الإسلامية قريب، لكنه ليس كذلك، يبدو أن صناع القرار الأمريكيين لا يتعلمون أبدًا أنه عندما يتعلق الأمر بالإرهاب العالمي فإن المهمة لم تنته بعد، يمكن للدولة الإسلامية أو بعض من توابعها أن يعودوا في يوم من الأيام إلى العراق وسوريا لاستعادة خلافتهم، بينما كانت الولايات المتحدة تقاتل الدولة الإسلامية، استفادت مجموعات أخرى بوضوح من هذا الأمر، وتوضح الكاتبة بعض الأمثلة منها تقوية القاعدة والفصائل ذات الفكر المتشابه مثل: أحرار الشام، وجيش الإسلام، في شمال غرب سوريا، إذ تسعى القاعدة إلى إعادة ترتيب صفوف المتمردين العراقيين السنة من قاعدتها في سوريا، وتحذر المخابرات الأمريكية من استمرار تمرد السنة في العراق؛ مما سيسمح بظهور جماعة متطرفة أخرى في العراق، وقد ظهرت مجموعة تطلق على نفسها «الأعلام البيضاء» (في تناقض ملحوظ مع العلم الأسود للدولة الإسلامية) في محافظتي كركوك وديالى العراقيتين، من المحتمل أن يكون الانتصار المزعوم على داعش أكثر قصرًا من ذلك الذي كان على سلفه، وهو تنظيم القاعدة في العراق.
وتكمل الكاتبة أن الولايات المتحدة فشلت في كسب حربها على الإرهاب؛ لأن تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية لا يمثلان سوى جزء ضئيل من العدو الحقيقي وهي حركة عالمية، موحّدة بفكر أيديولوجي –جهادي سلفي– موجود خارج تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، تفسر مبادئ هذا اللاهوت العسكري، وتطالب باستخدام العنف لتحقيق رؤية ضيقة للإسلام، تتزاوج هذه المعتقدات مع التيار السلفي في الإسلام السني -الذي يسعى إلى إعادة الممارسة الدينية إلى الإسلام في بدايته- مع الاعتقاد بأن الكفاح المسلح العنيف باسم الإسلام هو واجب على جميع المسلمين.
إن الجهادية السلفية أكثر من مجرد تبرير الجماعات للعنف، تجمع الأيديولوجية شبكة عالمية وشاملة تضم مجموعات ومنظمات وأفرادًا -لا تعترف الولايات المتحدة بأنها مرتبطة كلها بالإرهاب- وهي توفر مذهبًا يوحد الجهود عبر المناطق دون الحاجة إلى التنسيق، هذه المبادئ التوجيهية تسمح للحركة بتنظيم نفسها؛ مما يعني أن الفوز ضد الجماعات المتطرفة وحدها هو معركة خاسرة.
وتشرح الباحثة كاثرين، على الرغم من أن الجهاد السلفي قد هبط إلى أطراف المجتمع منذ أواخر الثمانينيات، عندما انتهى الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان، وبحلول عام 2014 حقق نجاحًا عالميًّا كان يمكن لأسامة بن لادن أن يتخيله فقط. وبحلول عام 2010، قامت القوات الأمريكية والعراقية بتقليص القاعدة فعليًّا إلى تهديد أمني يمكن السيطرة عليه، ولكن بسبب عدم معالجة الظروف التي سمحت للمجموعة بالعودة، أعيد تشكيل بقايا تنظيم القاعدة في العراق، وسيطر على الفلوجة في يناير (كانون الثاني) 2014، لم ينشأ تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية ومجموعات أخرى لأن أيديولوجيتهم قد استعادت الجماهير فجأة، لقد توسعت وتوطدت لأن الفوضى التي اندلعت في أعقاب الربيع العربي دفعت السكان السنة المحليين إلى تبادل دعمهم للجماعات السلفية الجهادية مقابل الأمن ضد تهديد أكبر، سواء كان ذلك التهديد يمثل ارتفاعًا عامًا في الجريمة، أو عدم الاستقرار في ليبيا، أو غزو القوات في اليمن، أو استمرار بشاعة نظام بشار الأسد في سوريا، كما عرضت الجماعات السلع والخدمات التي ملأت الحاجات المجتمعية العملية، ثم تبعتها من خلال إدخال السكان المحليين إلى الأيديولوجية الجهادية السلفية؛ مما أجبرهم في كثير من الأحيان على الامتثال للممارسات الصارمة.
وبالفعل، فإن الصراعات التي تجتاح حاليًا الكثير من مسلمي أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، أعطت الحركة الجهادية السلفية الحافز الذي تحتاج إليه للحصول على موطئ قدم في هذه المناطق.
في المقابل، ترى الكاتبة أن على الولايات المتحدة توجيه استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب حول إزالة الظروف التي تمكن من نمو الحركة الجهادية السلفية، هذا ينطوي على عدة تكتيكات، بعضها يكسر المعايير المريحة، بادئ ذي بدء، يجب على واشنطن أن تحول تركيزها إلى الهزيمة العسكرية لمجموعات محددة، والسعي لمواجهة الأيديولوجية للمساعدة في جعل المجتمعات السنية أكثر أمنًا، وكما أثبتت التجارب في أفغانستان والعراق واليمن وغيرها، فإن الهزائم العسكرية للجهاديين السلفيين مؤقتة فقط، لقد حددت إدارتا بوش وأوباما حق الأيديولوجية بوصفه مصدر قوة للجماعات الإرهابية. ذهبت إدارة أوباما خطوة أبعد من جهود إدارة بوش للفوز في «حرب الأفكار»، وجعلت مكافحة التطرف العنيف، والذي شمل التشكيك في المعتقدات السلفية الجهادية، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للسنة في المجتمعات المعرضة للخطر، وهي دعامة استراتيجية أساسية في مكافحة الإرهاب. لكن كلا الزعيمين أخطأ في افتراض أن مهاجمة الأيديولوجية ستضعف دعم المجموعات. كانت الظروف على الأرض -ليست الأيديولوجية- هي التي تقود الدعم.
عنصر آخر مهم هو أن تعترف الولايات المتحدة بالمنافسة المستمرة بين المتطرفين للحصول على دعم المجتمعات السنية، وأن عليها توفير بديل للحركة الجهادية السلفية. إن تزويد المجتمعات السنية بالوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها من التهديدات الخارجية أو تقديم المساعدة لتحقيق الاستقرار في هذه المجتمعات سيقلل من احتمال تحولهم إلى الجماعات الجهادية السلفية للحصول على المساعدة. لدى الجماعات المتطرفة أتباع في جميع المناطق الجهادية التي تمكنهم من الاستجابة بسرعة للتطورات، والاستفادة من الفرص عند حدوثها. وتقول كاثرين إنه ليس من المعقول، ولا من المستحسن في كثير من الحالات، وضع الأمريكيين في جميع هذه المناطق، ولكن ينبغي على واشنطن أن تزرع، وتمكن الشركاء القادرين الذين سيعملون معها على مستوى المجتمع المحلي. قد لا ينطوي هؤلاء الشركاء على الدولة نفسها، خاصةً عندما تكون الدولة هي مصدر مظالم المجتمع، كما هو الحال في سوريا. لتحديد الشركاء المحتملين، يجب أن يلتقي الدبلوماسيون الأمريكيون مع القادة الرئيسيين خارج أسوار السفارة، إذ سيؤدي ذلك إلى فهم أفضل للديناميكيات المحلية، وتعزيز العلاقات مع الجهات الفاعلة البديلة، وسماسرة الطاقة المحليين. بالطبع، يجب على الولايات المتحدة فقط أن تعزز الجهات الفاعلة البديلة التي تدعم أيضًا فكرة وجود دولة مركزية موحدة.
وأخيرًا، ينبغي للولايات المتحدة أن تضغط من أجل معالجة المظالم السياسية والاقتصادية للمجتمعات المحلية، وخاصةً تلك التي تسببت فيها الدولة. على سبيل المثال في العراق وسوريا، ينبغي للولايات المتحدة التحول من مطاردة أعضاء الدولة الإسلامية إلى التركيز على المظالم السنية، والمساعدة في تحسين الحكم. تنبع مشاعر الظلم بين السنة العراقيين من تهميشهم في بغداد، وهي حالة يديمها استخدام إيران للمجموعات البرلمانية الشيعية لتعزيز النفوذ داخل الحكومة العراقية، إنه اتجاه سوف يتأثر بالانتخابات العراقية القادمة (لم تكن أجريت الانتخابات العراقية بعد وقت كتابة التقرير)، إذ يجب بذل الجهود لإعادة بناء المجتمعات السنية المتضررة، وخاصةً في الموصل، والأهم من ذلك، منع وصف جميع السنيين بأنهم متآمرون مع الدولة الإسلامية.
وبالمثل، تجاهلت سياسة الولايات المتحدة بشكل فعال المظالم السنية ضد النظام السوري، بدلًا من ذلك أصبح الأسد شريكًا فعليًّا ضد الدولة الإسلامية، وتحت ستار مكافحة الإرهاب، تمكن من استعادة السيطرة على أجزاء من الريف السوري، مع توسيع شركائه الأكراد لتشمل المناطق السنية تاريخيًّا، ما زالت الولايات المتحدة بحاجة إلى إيجاد شريك سني في سوريا، إذ يتوجب عليها أن تكون مستعدة للدفاع عن الطوائف السنية ضد الهجمات الوحشية لنظام الأسد، ليس فقط ضد استخدام الأسلحة الكيميائية ولكن أيضًا من البراميل المتفجرة والتجويع بوصفه سلاحًا من أسلحة الحرب.
الدعوة إلى معالجة المظالم المحلية وإعادة بناء الحكم ليست جديدة، إذ تكمن الصعوبة في إيجاد طريقة للقيام بذلك على نطاق واسع، وبدون نشر عسكري ضخم، يتطلب التوسع العمل من خلال شركاء إضافيين، سواء من الهيئات الإقليمية أو الولايات، ستكون الائتلافات والعلاقات الثنائية مهمة لإكمال المهام الرئيسية على مستوى العالم، ويجب أن يساعد الجيش الأمريكي في تمكين وتهيئة الظروف المسموح بها على الأرض لكي يعمل كل من الدولة والشركاء المحلين، ومن وجهة نظر الكاتبة يجب ألا يكون الأمن شرطًا مسبقًا لتنفيذ أو تسليم برامج المساعدة الإنسانية والإنمائية.
سوف تتطلب مثل هذه الاستراتيجيات حتمًا قبولًا أكبر للمخاطر، منها خطر على الموظفين، وخطر سوء الشركاء، وأيضًا خطر الفشل، فقدت الولايات المتحدة قدرتها على فهم وتشكيل البيئات بالنظر إلى أن العاملين لديها قد تراجعوا، لقد ملأت الجماعات الجهادية السلفية والجهات الفاعلة الأخرى (بما في ذلك إيران وروسيا) الفراغات التي تركوها وراءهم، والتي هي أكثر استعدادًا لتعريض أفرادها للخطر، إن الابتعاد عن الشركاء غير المثاليين بما في ذلك الجهات الفاعلة البديلة، مكّن أيضًا خصوم الولايات المتحدة من التدخل بدلًا من ذلك، لقد أدى الخوف من الخطأ وتفاقم الوضع إلى شل الولايات المتحدة وعجزها عن اتخاذ إجراءات عند الحاجة لتشكيل الصراعات؛ مما سمح للآخرين بما في ذلك الشركاء غير المناسبين، بالعمل، إنها حقيقة أن ليس كل الشركاء سيكونون مثاليين –فهم ليسوا مثاليين الآن، وسوف تتباعد مصالحهم في مرحلة ما– لكن الولايات المتحدة يمكنها دائمًا أن تختار إنهاء الشراكات السيئة، يجب أن يؤخذ الفشل درسًا بدلًا من الخسائر، إذ يمكن للولايات المتحدة التكيف معه وتحسينه.
الحرب ضد الإرهاب لن تفوز بها القوات العسكرية الأمريكية أو غيرها من القوات العسكرية المشاركة، تحتاج الأعمال العسكرية إلى جهد أكبر لإعادة الأمن إلى المجتمعات السنية، وبالتالي فتح مساحة للتنافس مع الحركة الجهادية السلفية، يحتاج الدبلوماسيون الأمريكيون إلى تطوير العلاقات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، من أجل فهم مواقفهم، والتفاوض على حل النزاعات، يمكن للمساعدات الخارجية أن تلعب دورًا حاسمًا في مواجهة الحركة الجهادية السلفية عندما يتم تطبيقها بذكاء من أجل تعزيز الحكم الشرعي والمحلي، أو استخدامها وسيلة ضغط لتشكيل سلوك النظام، من الواضح أن استراتيجية واشنطن الحالية لاستهداف مجموعات إرهابية محددة لم تسفر عن أي نتائج نهائية مرغوبة، على الرغم من عدم وجود وصفة سهلة لمواجهة الحركة الجهادية السلفية عالميًّا، من المهم تذكر هذه المبادئ التوجيهية، وهي أن من المستحيل هزيمة حركة أيديولوجية عسكريًّا.
وتختم الكاتبة مقالها بأن الطريقة المؤكدة لخسارة الحرب على الإرهاب هي التركيز على هزيمة جانب واحد صغير فقط من الحركة، بدلًا من التركيز على مجموع جميع الأجزاء المتحركة، وتضيف نهايةً: إذا لم تقبل الولايات المتحدة هذا الواقع، فسوف تجد نفسها متورطة في حرب لا تنتهي على الإرهاب، وتنتظر «إتمام مهمة» حقيقية، وقد لا تصل أبدًا.