السيد محمد الشوكي
تطلق لفظة (آخر الزمان) ويراد بها الزمان المقارب لنهاية عمر الكرة الأرضية والنظام الكوني، أو يراد بها الحساب الزمني الذي يرتبط بالتاريخ البشري، آخر زمان البشر، أو آخر فترة يعيش فيها الإنسان.
إننا نعلم ومن خلال النصوص الشريفة، من القرآن الكريم والسنة النبوية، أنّ نهاية البشرية تقترن بنهاية الكون، قبيل القيامة. وهذه النصوص تتحدث عن قرب الساعة.. وأنّ هذه الساعة هي ساعة يوم القيامة، فمن القرآن الكريم، قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ) وقوله تعالى: (وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذينَ كَفَرُوا…) وفي السنّة الشريفة نجد الروايات كثيرة ومنها: أنّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبّابة والوسطى، وقرّب بينهما، كناية عن القرب الشديد) وقال صلى الله عليه وآله وسلم في نص آخر (إنّي لأجد الساعة بين كتفيّ) يعني أنّها تأتي خلفي مباشرة، كذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المضمون مثلما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنا والساعة كفرسي رهان وإن كانت لتسبقني).
والحديث هنا في عدة محاور:
١. إنّ الساعة قريبة.
٢. دولة العدل الإلهي غير مرتبطة بحياة الإمام عليه السلام.
٣. الملامح العامة لآخر الزمان.
١. إنّ الساعة قريبة:
يقول تعالى: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعيداً*وَ نَراهُ قَريباً).
وربّما يقال هنا إنّ القرب ليس بحساب الزمن وإنّما القرب بالنسبة لله، لأنّ كل بعيد هو عند الله قريب.. فالله تعالى تتساوى عنده الأمكنة والأزمنة بل هو عزوجل فوق الزمان والمكان، وهو الذي خلق الزمان والمكان.. وقد يكون المراد من اقتراب الساعة ليس بحساب الزمن البشري وانّما بحسابات إلهيّة.
أي يتصور البعض أنّ القضية قريبة كما في الحسابات الإلهية باعتبار (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعيداً*وَ نَراهُ قَريباً) فكل شيء يراه البشر بعيداً فهو عند الله قريب. وإنْ كانت هذه الآية قد فسّرت بعصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام وليس بيوم القيامة، والظاهر من النصوص الشريفة هو القرب بالحساب الزمني البشري، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بعثت أنا والساعة كهاتين).
وقد يقول قائل: لقد مضى على وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرابة أربعة عشر قرناً ولم تأت الساعة، فأيّ قرب هذه فيكون المقصود _والله أعلم_ ليس قرب الأيام والشهور وانّما القرب بحساب عمر الأرض وعمر الكون وعمر الدنيا.
فالمقصود من نهاية الدنيا وآخر الزمان، وقرب الساعة، هو أنّ الدنيا التي نقدّر لها.. مضى أكثر عمرها.. ولم يتبقّ إلاّ القليل.. ومن هنا جاء القرب، والدليل على ذلك أنّ قول الرسول هذا جاء في خطبته صلى الله عليه وآله وسلم قبيل المغرب والناس يتهيؤون للصلاة، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم (إنّما مضى من الدنيا فيما بقي منها مثلما مضى من يومكم هذا مما بقي منه..).
بمعنى أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يريد أنْ يقول: إنّه مضى أكثر اليوم وبقي قليله.. كذلك هو عمر الدنيا.
فالمراد من فترة آخر الزمان هي الفترة الأخيرة من حياة الأرض والكون.
٢. دولة العدل الإلهي غير مرتبطة بحياة الإمام عليه السلام:
من خلال متابعة الروايات الواردة في ذلك يبدو أنّ دولة العدل والدولة الإلهية العادلة والكاملة غير مرتبطة بعمر الإمام عليه السلام.
وهنا يرد السؤال وهو: من يحكم بعد الإمام عليه السلام.. هل أناس مهديون من ذريته؟ فيرد الجواب وكما في الروايات أنّه أوّل من يحكم بعد الإمام الحجة عليه السلام هو الإمام الحسين عليه السلام، حيث للموضوع علاقة ببدء عصر الرجعة.. وإنّ هذه الدولة تستمر بعد وفاة الإمام عليه السلام.
إنّ مصطلح آخر الزمان ليس آخر الزمان بحساب اللحظات والدقائق والأيام والسنوات وانّما هو عصر وحقبة ربانيّة، ومرحلة من مراحل البشرية ومراحل الأرض.
إنّ آخر الزمان بحسب النصوص بدأ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسير بخطّ تصاعديّ.. لأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو آخر الأنبياء، والإسلام آخر الأديان.
وإنّ الروايات عندما تذكر آخر الزمان فإنما تقصد عصر الإمام المهدي عليه السلام لانّ عصره يقع آخر الزمان.
وإنّ دولته عليه السلام تقع في الحقبة الأخيرة من عمر البشرية، وهي حقبة ممتدّة.
٣. الملامح العامّة لآخر الزمان:
الحديث النبوي الشريف يقول متحدّثاً عن الإمام المهدي عليه السلام: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
إنّ إمتلاء الأرض _قطعاً_ لا يقع في لحظة تاريخية واحدة.. بل يظهر هنا الملئ تدريجياً.. فإنّ الأرض في مشوارها الطويل، بدأ بها الظلم يتراكم ويتراكم وهكذا حتى تمتلئ، ثم يأتي من يملؤها إثر ذلك قسطاً وعدلاً، وهو الإمام المهدي عليه السلام.
وإنّ المهدي من أشراط الساعة، حيث الشرط هو العلامة.
إن الروايات التي وردت حول الحديث عن ملامح آخر الزمان والتي من أهمها وأكبرها ظهور الإمام المهدي عليه السلام.. وهذا لا يختلف عليه إثنان.. وإنّ الروايات هذه يمكن تصنيفها الى اصناف، فمنها ما يتحدث عن الملامح الاجتماعية.. والاخلاقية.. الاقتصادية.. والملامح الكونية لتلك المرحلة.
ومنها تلك التي تتحدث عن الملامح الكونية لآخر الزمان حيث أمور تحدث قبل الظهور المفدّى، وأمور تحدث بعده..
فهناك روايات تحدّثت عن تغييرات مناخيّة كبيرة تقع على مستوى الأرض، مثل كثرة الزلازل.. أو تصاعدها بوتيرة كبيرة جداً، أو كثرة الفياضانات المفاجئة أو كثرة الأمطار أو قلّتها.. أو الاضطرابات المناخية.. التي يمكن إرجاعها إلى التخريب الكبير الذي عمله الإنسان في الأرض من حيث يدري او لا يدري، فغيّر ذلك في موازين البيئة..، فحدث فيها ما حدث من أمور كالإحتباس الحراري وما اليه.
كذلك الضنك الاقتصادي الشديد الذي يعيشه الناس في آخر الزمان.. بحيث يتمنّى المؤمن الموت صباحاً ومساءً لما يرى من تكالب الناس.. ونتيجة المذاهب الاقتصادية الأرضية التي لم تجلب للناس إلاّ مزيداً من الفقر والمعاناة.
فإذا جاء الأمل الجديد.. الأمل الإلهي.. الإمام المهدي عليه السلام.. فسوف يكون الخير كله.. وسوف تكون الفترة المتبقية من عمر البشرية، والكرة الارضية سوف تكون فيها نعمة لم تنعم بمثلها قط.
هذا وتوجد في صفحة المركز العديد من المحاضرات المهدوية يمكنك عزيزي القاريء متابعتها والاستفادة منها في بناء أفكارك المهدوية.