منذ عام 1946 حافظت معظم الدول في العالم العربي على شكلها الحالي حتى المحتلة او الخاضعة للهيمنة الغربية كان لها حدود معترف بها، ماعدا اليمن الذي تغير شكله عندما توحد في عام 1990 والسودان الذي قسم في عام 2011 اضافة الى قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا ومن ثم الانفصال في عام 1961 اي بعد 3 سنوات منها، ومنذ ذلك الحين لم تستطع اي دولة فرض سياسة الامر الواقع على دول اخرى حتى اندلاع الحرب السورية التي كُسرت معها جميع المقاييس فلم يعد هناك قيمة لشيء حتى القرارات والاعراف الدولية تم انتهاكها اكثر من مرة بحجج عدة ما انزل الله بها من سلطان.
السوريون خاضوا هذه الحرب دفاعا عن عدة مبادئ اهمها الحفاظ على وحدة الدولة وعلمانيتها. وخلال السنوات الـ7 الماضية طرحت عدة افكار لتقسيم سوريا على رأسها الاطروحات الطائفية مثل “جبهة النصرة” و”داعش” و”جيش الاسلام” ومن ثم الافكار القومية مثلما حدث في عفرين والان في شرق وشمال شرق سوريا. وخلال مدة الحرب كانت التصريحات الغربية والعربية الحليفة وغير الصديقة تؤكد على وحدة الاراضي السورية. حتى أتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ليلقي كرة نار في الحضن الاميركي ويؤكد أن واشنطن تريد تقسيم سوريا، وأتت بذلك بعد ايام من تصريحات نائبه سيرغي ريابكوف، الذي قال فيها إن موسكو غير واثقة من الحفاظ على وحدة حدود سوريا.
هذه التصريحات جاءت في وقت يضرب فيه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، عندما طلب من الدول العربية احتلال سوريا بعد خروج قواته المحتلة. ويطالب ترامب هذه الدول بدفع الجزية بصورة جديدة عندما قال ان بلاده دفعت سبعة تريليون دولار خلال ثمانية عشر عاما في الشرق الاوسط وعلى الدول الثرية دفع ذلك. وشدد على ان الدول الغنية ما كانت لتستمر اسبوعا بدوننا لذلك عليها ان تدفع وتضع جنودها على الارض.
روسيا اثبتت انها لاعب دبلوماسي ماهر عندما اوقعت ترامب والغرب بالحفرة السورية، حيث انها الان تتهم الغرب بالسعي لتقسيم سوريا واحداث بلبلة في المنطقة وعودة “داعش” من جديد، اضافة الى انها ضربت اسفينا بين واشنطن وانقرة عندما سحبت الاخيرةَ من الحضن الاميركي، ووصلت حدة الخلافات بين الجانبين إلى مرحلة اعتراف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، بدخول 500 دفعة اسلحة اميركية الى المسلحين في سوريا عن طريق تركيا، وهذا الامر اسقط ورقة رابحة من يد الولايات المتحدة التي وجدت نفسها في نهاية المطاف وحيدة في الاراضي السورية وغير قادرة على حماية من دربتهم من قوات “قسد” فطالبت العرب بالقدوم لاحتلال سوريا مكانها.
اما فرنسا ، فأثبت رئيسها ايمانويل ماكرون على أنه اصغر من أن يكون رئيسا لدولة بحجمها. وقال إنه من المستحيل تحديد جدول زمني لإنهاء تدخل بلاده في سوريا، وقد نسي أو تناسى أن هناك مؤسسات ديمقراطية في باريس تمنع تدخل القوات الفرنسية خارج حدودها، واذا ما حصلت عملية ما داخل حدودها سنرى انهيارا كبيرا لشعبيته لدى الشارع الفرنسي حاله حال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، اضافة الى ان دمشق غير مستعدة للسكوت عن اي انتهاك او تهديد لقواتها فوق الاراضي السورية، وان حدث اشتباك بين الجانبين ربما نرى فضيحة مدوية لماكرون في باريس. والرئاسة في فرنسا ليست في افضل حال وجميع من أتى فاسدون وكل رئيس يخرج من السلطة يذهب الى السجن بداية من جاك شيراك الى نيكولا ساركوزي وصولا الى فرانسوا هولاند. وماكرون لن يكون افضل حالا منهم لأن الاموال السعودية التي دفعت له من اجل قصف سوريا اثارت حفيظة الاعلام الفرنسي الذي، منذ ذلك الوقت ،يبحث عن خيط قد يوصله الى فضيحة تضرب قصر الاليزيه.
موسكو تحاول اللعب بالسياسة ضد واشنطن، وحتى الان لم نرى اي مواجهة مباشرة بينهما على الاراضي السورية. ولكن، هل نشهد ،في الاشهر القادمة ، اشتباكا بين الدولتين لمنع تقسيم سوريا؟ بحسب المعلومات الورادة فان دمشق وضعت خطة عمليات لتحرير الجنوب السوري بعد الانتهاء من محيط العاصمة، وستكون العملية بالتوازي مع اخرى في المنطقة الواقعة بين ريفي حماة وحمص.عملية الجنوب وتحديدا محافظة درعا قد تتدحرج لتتحول لمواجهة مباشرة بين سوريا والولايات المتحدة وهو ما سيضع روسيا في موقف حرج ان لم تتخذ اجراءات لدعم دمشق في هذه المواجهة. اضافة الى ان معركة الجنوب السوري ستستفز الاحتلال الاسرائيلي بدون ادنى شك. لذلك المطلوب من روسيا ضبط ردة الفعل الاسرائيلية حفاظا على سلامة المنطقة وتفاديا من تدحرج كرة النار التي قد تشعل المنطقة في اي لحظة. اما معركة الجنوب ستقلب موازين الحرب السورية راسا على عقب، لانها ستسحب الاردن هذه المرة من الحضن المعادي الى الحضن المؤيد للدولة السورية، وستعيد فتح الطريق البري بين لبنان وسوريا والاردن، وهو ما سينعش الاقتصاد الاردني الذي يمر بفترة صعبة جدا منذ سنوات، اضافة الى أن الاردن تشعر بالخذلان من الوعود السعودية بايداع مليارات الدولارات في عمان، الا أن هذا الامر لم ولن يحصل.
بعد أن دخلت الحرب السورية عامها الـثامن، هناك سؤال يجب أن يُوجَّه للشعب السوري وهو ماذا جنوا منها؟ فقدوا الاستقرار والامان وهُدم كل ما تم بناءه في اخر 80 عاما، وفقدوا السيادة الوطنية التي انتُهكت وتُنتهك بشكل يومي من قبل الخارج. إذاً إلى متى سيواصل السوريون حربهم واتّباعهم للخارج؟
بقلم ” ابراهيم شير
المصدر: رأي اليوم