بالطبع يجب معالجة الوضع المأساوي في غزة. وهذا هو سبب تظاهر الفلسطينيين في المقام الأول، لجعل العالم يتذكر محنتهم. ردت إسرائيل بقوة وحشية فقتلت –باعترافها– 26 متظاهرًا أعزلًا.
قال يوسف منير، الكاتب السياسي والمدير التنفيذي للحملة الأمريكية للحقوق الفلسطينية، في مقال على موقع «فورورد»، لقد شاهدنا وذُهلنا خلال الأسابيع الثلاث الماضية في غزة، بينما كان المتظاهرون الفلسطينيون العُزّل يُقتلون على أيدي قناصة إسرائيليين. ففي انتهاك للقانون الدولي، تلقى الجنود أوامر صريحة بإطلاق النار على أي شخص يقترب من السياج الذي يفصل بين إسرائيل وغزة، ولقد قوبلت أفعال إسرائيل باستنكار سريع وواسع النطاق.
وقد حذرت المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل من أنها تراقب كيفية استخدامها القوة المميتة ضد المتظاهرين العزّل، ومن إمكانية وقوع كل من يرتكب جرائم حرب تحت طائلة السلطة القضائية للمحكمة.
ومن هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز إلى منظمات حقوقية دولية، دعا الكثيرون إلى محاسبة إسرائيل على أفعالها. الكثيرون لا الكل؛ فعلى سبيل المثال: فشلت «جاي ستريت»، جماعة الضغط الصهيونية الليبرالية «المؤيدة لإسرائيل وللسلام» في العثور على أي خطأ من جانب إسرائيل، وبدلًا من ذلك، خلُصت المجموعة إلى أن إطلاق النار في غزة «يوضح مرة أخرى الحاجة الماسة للتخفيف من الأزمة الإنسانية الجارية في غزة».
بالطبع يجب معالجة الوضع المأساوي في غزة. وهذا هو سبب تظاهر الفلسطينيين في المقام الأول، لجعل العالم يتذكر محنتهم. ردت إسرائيل بقوة وحشية فقتلت –باعترافها– 26 متظاهرًا أعزلًا.
قال الصحافي دانيال إسترين في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر يوم 13 أبريل (نيسان) 2018 إن: «مسؤولًا كبيرًا في الجيش الإسرائيلي قد صرح خلال إيجاز صحفي بأن معظم الفلسطينيين الذين قُتلوا في الأسابيع الأخيرة على حدود غزة كانوا متظاهرين عُزّل يحاولون اختراق السياج الحدودي أو إلحاق الضرر به، وصرح المسؤول بأن عدد القتلى بحسب الجيش الإسرائيلي: «26 شخصًا أعزلا كانوا يهددون الحدود، وستة كانوا يحملون أسلحة نارية أو متفجرات، وشخصًا آخر».
ما جماعة جاي ستريت، «الحزينة والمنزعجة بسبب العنف المتجدد»، فقد ردت بدعوتها إسرائيل «لكي تسعى بنشاط نحو حل الدولتين للصراع القائم».
ويلفت الكاتب إلى أن جاي ستريت قد أخفقت إخفاقًا صادمًا في إدانة إسرائيل، مما يعبر عن الطريقة التي يفشل بها الصهاينة الليبراليون مرارًا وتكرارًا في التنديد بأخطاء إسرائيل والمطالبة بمحاسبتها على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، واستعاضتهم عن ذلك بتقديم تعازيهم ودعواتهم لحل الدولتين.
ويتضح يومًا بعد يوم، أن هذه التعزيات والدعوات لحل الدولتين تبقى مجرد كلمات، ولا يُترجَم أي منها لحماية الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.
إن المد والجذر الوحشي واليومي للأخبار الآتية من إسرائيل وفلسطين هي جزء من سياق أكبر تشكل على مدار عقود. إذ تُسارع إسرائيل ومؤيدوها دائمًا إلى لوم ضعف القيادة الفلسطينية أو صواريخ حماس القادمة من غزة على محنة الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن إسرائيل هي الطرف الأقوى بكثير، وتستمر في استخدام قوتها للحفاظ على نظام جائر يُحرم فيه ملايين الفلسطينيين من حقوقهم.
كيف تستفيد إسرائيل من التفاوض على حل الدولتين؟
ويرى الكاتب أن إحدى أهم الطرق التي تواصل بها إسرائيل ترسيخ احتلالها للفلسطينيين هي خلق حقائق على الأرض، عن طريق بناء المزيد والمزيد من المستوطنات –غير القانونية بموجب القانون الدولي– على الأراضي الفلسطينية، ومن ثم التصديق على ضمها. وقد اعتمدت إسرائيل على تكتيك آخر أكثر مخالفة للتوقعات البديهية، فلطالما استفادت إسرائيل من فكرة أن هناك اتفاقًا متفاوضًا عليه يلوح في الأفق.
فبعد الانتفاضة الأولى في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وجدت إسرائيل نفسها في موقف صعب بعد أن أصبح من الواضح أنه في عالم ما بعد الحرب الباردة، لن يُتَساهل مع حرمانها الفلسطينيين الذين تحكمهم من حقوقهم الأساسية. حتى ولو كانت إسرائيل غير قادرة على الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين، إلا أن نظرة العوام إلى الحل على أنه يمكن تحقيقه كانت أمرًا جوهريًا؛ لأنها سمحت للإسرائيليين بتهدئة المخاوف الدولية من خلال خلق الانطباع بأن الوضع كان مؤقتًا.
وطوال هذا الوقت، ظلت إسرائيل تمارس أفعالًا على الأرض كذبت هذا الانطباع، فأخذت تستولي على المزيد من الأراضي الفلسطينية وتبني مزيدًا من المستوطنات. ما جعل هذا ممكنًا، وما جعل ما تقوم به إسرائيل مقبولًا على الصعيد الدولي هو الاعتقاد بأن السلام –وحل الدولتين– كان قاب قوسين أو أدنى، وأنه كان مجرد مسألة وقت. واتضح الآن أن المفاوضات لحل الدولتين خدعة أدت إلى الوضع الذي نعيش فيه اليوم.
فالحكومة الإسرائيلية، أصبحت معادية لحل الدولتين بشكل علني رغم عشرات السنين من المفاوضات، ولم تعد الإدارة الأمريكية الحالية تصر عليها، ولو حتى خطابيًا. في الواقع، عندما قامت أكبر مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، وهي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك)، بمعاودة دعوتها للتوصل إلى حل الدولتين، طالب مشرعو الليكود بالانسحاب.
وقال شيفاخ شترن، رئيس حزب الليكود (الحاكم) في الكنيست الإسرائيلي: «لا أعرف ما الذي تفعله منظمة الإيباك قبل شهرين فقط، صوتت اللجنة الداخلية للحزب الحاكم في البلاد لتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والقدس الكبرى». وأضاف شترن إلى أن «أغلبية حاسمة، تصل لـ100% لديها نفس رأيي، وسيقف وزراء الحكومة، والليكود في طريق إقامة دولة فلسطينية في قلب البلاد».
هذا ليس زعيم مستوطنين هامشي.. إنه رئيس الحزب الحاكم في الكنيست الإسرائيلي.
هل الصهاينة الليبراليون يريدون مساعدة الفلسطينيين حقًا؟
ويشير الكاتب إلى أن تصريحات شتيرن أفضت إلى أن الوضع الراهن للاحتلال الدائم هو السياسة الإسرائيلية المفضلة اليوم، فالتكاليف السياسية والاقتصادية منخفضة والمكافآت عالية. ومن الأسلم أن نقول إن فرضية حل الدولتين قد دُفنت رسميًا، بمساعدة من الرئيس ترمب.
هذا بالطبع يضع الصهاينة الليبراليين في مأزق. فهؤلاء الناس، الذين يدّعي الكثير منهم أنهم يهتمون بحقوق الفلسطينيين، وينتقدون إسرائيل بشدة، يريدون أن يصدقوا أن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية. وطالما أن حل الدولتين كان نتيجة نهائية قابلة للتطبيق عن طريق المفاوضات، يمكن أن يعتقدوا أن إسرائيل ستتوقف عن اضطهاد ملايين الفلسطينيين في المستقبل القريب. وطالما بقي حرمان الفلسطينيين في الضفة الغربية من الحقوق الأساسية مؤقتًا، فإن الصهاينة الليبراليين يمكن أن يحلموا باليوم الذي ستصبح فيه إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية حقًا، وتضع حدًا لاحتلال الملايين.
ومع ذلك، في اللحظة التي أصبحت فيها سيطرة إسرائيل على ملايين الفلسطينيين الذين يحرمون من حقهم في تقرير المصير حقيقة لا نهاية لها، تكشف حقيقة هذا التوازن. وهنا تكمن مشكلة الصهاينة الليبراليين: لا يمكنك أن تدعي دعم القيم الليبرالية مثل الديمقراطية والمساواة مع دعم الدولة التي لا تتبنى هذه القيم.
ويعلق الكاتب: لا أقول أن هناك مشكلة في الرغبة في وجود دولة يهودية بحد ذاتها. إذا كانت إسرائيل قد نشأت بالفعل في أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فإنها لن تكون أكثر أو أقل إشكالية من أي قومية عرقية أخرى. مشكلة إسرائيل أن إنشاءها كدولة يهودية قد استلزم – ولا يزال يستلزم – إنكار حقوق شعب آخر.
بالطبع، يرغب العديد من الصهاينة الليبراليين حقًا في التوصل إلى حل يشمل إسرائيل بجانب دولة فلسطينية. ومع ذلك، فإن الايمان بحل الدولتين في عام 2018، يعادل الإيمان بعلم الخيمياء، وهذا أمر جيد، طالما لا يعتمد أحد عليك في الحصول على المساعدة الطبية.
ويقول الكاتب إذا كان الصهاينة الليبراليون يريدون حقًا المساعدة في خلق وضع يتمتع فيه الفلسطينيون بحقوق متساوية مع الإسرائيليين، فهم بحاجة إلى التخلي عن هذه الأوهام. ما نريد أن نسمعه هو أنهم سيقومون بكل ما يقدرون عليه لتغيير سياسات الحكومة الإسرائيلية التي تقمع الفلسطينيين. فادّعاء الصهاينة الليبراليين تأييد حل الدولتين دون الدعوة إلى أي تغيير سياسي فعلي لمحاسبة إسرائيل على أفعالها ربما يمنحهم شعورًا أفضل، إلا أنهم بهذا لا يساعدون في تغيير الوضع على الأرض – بقدر ما قد يريدون حقًا.
وبالنظر إلى أن الدولة الفلسطينية لم تعد حتى واقعًا محتملًا، يجب إذًا أن يتغير نهج الصهاينة الليبراليين تجاه إسرائيل للاعتراف بذلك، لأن دعم إسرائيل اليوم هو دعم لواقع دولة واحدة حيث الفلسطينيون والإسرائيليون غير متساوين.
إن ادعاءك اليوم أنك «تدعم حل الدولتين» دون تأييد أي تدابير قسرية لتغيير سياسات إسرائيل التعسفية تجاه الفلسطينيين لا يعدو عن كونه غسلًا لليد، ووسيلة لكي تدعي أنك مهتم بضحايا القمع دون أن تقوم فعلًا بأي شيء لتغيير أي شيء، فهي تؤدي الوظيفة نفسها التي يؤديها رد «تعازينا وصلواتنا» في نقاش حيازة السلاح في الولايات المتحدة – مجرد قوالب جاهزة وعبارات يكررها الناس ردًا على حقائق مروعة هم متواطؤون فيها لكن لا يريدون مواجهتها.
ويختتم الكاتب مقاله قائلًا: ما يجب أن يفهمه الصهاينة الليبراليون هو أن الدعوة إلى حل الدولتين دون الدعوة للضغط من أجل محاسبة إسرائيل على إنكار الحقوق الفلسطينية هي مجرد دعوة للاحتلال في زي مختلف. وحين يزعم الصهاينة الليبراليون أنهم يؤيدون حل الدولتين، فإنهم لا يفعلون ذلك لاتخاذ موقف، بل لتجميل صورتهم. إلى أن تصبح المحاسبة والضغط الجدي جزءًا من المعجم الصهيوني الليبرالي، فهم ليسوا أكثر من مجرد عملاء للاحتلال. لقد حان الوقت لكي يتخذ الصهاينة الليبراليون خيارًا. فحل الدولتين لم يعد خيارًا. إنه مجرد تمويه، وحان الوقت لندعوه كما هو.