“قناة البحرين”، مشروع أردني فلسطيني إسرائيلي، يجري بموجبه بناء قناة مياه تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، تصفه الأطراف المعنية بالخطوة المهمة، لكنه يثير مخاوف البعض، خاصة لكونه يشكل خرقا لكل آليات مقاطعة التطبيع مع إسرائيل على المستوى العربي.
المسار التاريخي
بعد توقيع اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، بدأ مسؤولون أردنيون يعلنون تفكيرهم بإنشاء قناة تربط البحر الميت بالبحر الأحمر، وفي عام 2002 كشفت الحكومتان الأردنية والإسرائيلية في مؤتمر قمة الأرض للبيئة والتنمية الذي عقد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا عن مشروع ” قناة البحرين”.
وقوبل المشروع وقتها بغضب ورفض من الدول العربية والدول المشاطئة للبحر الميت، بحجة أنه ينطوي على أبعاد تهدد المصالح الفلسطينية والعربية السياسية والاقتصادية والبيئية.
وفي عام 2005، وقع الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفاقا لشق “قناة البحرين”، وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، أعلن ممثلو الأطراف الثلاثة إطلاق “دراسة جدوى” لبناء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت. وتشير دراسة أجراها البنك الدولي مع الأطراف الثلاثة إلى أن كلفة المشروع الكلية تقدر بحوالي 11 مليار دولار.
وبدأت المرحلة الأولى من المشروع في فبراير/شباط 2015، وذلك استكمالا لمذكرة تفاهم وقعت في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2013، بين الأطراف الثلاثة برعاية أميركية.
وفي 13 يوليو/تموز 2017 أعلنت السلطة الفلسطينية اتفاقها مع إسرائيل برعاية أميركية على الحصة الفلسطينية من المرحلة الأولى من مشروع “قناة البحرين”، وذكر بيان صادر عن سلطة المياه الفلسطينية أن الكمية المذكورة ستتوزع بين 22 مليون متر مكعب للضفة الغربية، و10 مليون متر مكعب لقطاع غزة.
المراحل
يتضمن المشروع مدّ أربعة أنابيب بين البحرين يصل طولها إلى 180 كيلومترا، وتنقل مئة مليون متر مكعب من المياه سنويا من البحر الأحمر إلى البحر الميت لإنقاذ الأخير من الجفاف بحلول عام 2050، كما يقضي بإقامة محطة تحلية عملاقة للمياه في مدينة العقبة بالأردن لتوزيع المياه المحلاة على الأطراف الثلاثة.
يشمل المشروع في مرحلته الأولى إنشاء قناة تنقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، حيث ينقل نحو ملياري متر مكعب من المياه وبكلفة قد تصل إلى ملياري دولار في هذه المرحلة.
أما المرحلة الثانية فتشمل الاستفادة من فرق منسوب المياه في إنشاء محطة تحلية مياه لتوفير أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه العذبة سنويا، فضلا عن توليد 500 مليون ميغاوات من الكهرباء.
ويؤكد الأردن أهمية المشروع بالنسبة له، ويقول إن الغاية منه هو الحفاظ على مياه البحر الميت الذي يتعرض لعوامل تهدد مستقبل بقائه، ولأنه يوفر له نحو 650 ميغاوات له ولفلسطين وإسرائيل، إضافة إلى أنه سيساعد في إقامة مشاريع اقتصادية وسياحية في المناطق الصحراوية القاحلة التي ستمر بها القناة.
وبرر الفلسطينيون موقفهم بأن الاتفاق يجبر إسرائيل على الاعتراف بهم كدولة مشاطئة للبحر الميت، أما إسرائيل فهي أشد الأطراف تمسكا بمشروع “قناة البحرين”، لأسباب عدة منها ما يتعلق بالتطبيع مع الدول العربية وبكونه خطوة أولى نحو شق قناة تربط البحر الميت بـ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمكنها من وصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.
الإيجابيات والمخاوف
بحسب مراقبين، فإن مشروع “قناة البحرين” يتضمن بعض الإيجابيات، منها أنه سينقذ البحر الميت من انخفاض معدلاته المتزايد الذي يهدد بزواله، وسيعمل على توفير 850 مليون متر مكعب سنويا من المياه المحلاة للأردن وفلسطين وإسرائيل.
ومن إيجابيات المشروع أيضا أنه سيعمل على توليد حوالي 600 ميغاوات من الطاقة الكهربائية سنويا، وتحويل المناطق المجاورة للمشروع إلى أراض خصبة قابلة للسكن، وإقامة مشاريع سياحية فردية ومشتركة في المنطقة.
ومن جهة أخرى، هناك مخاوف سياسية واقتصادية وبيئية من مشروع قناة البحرين، إذ يخشى المعارضون من أن يتحول هذا المشروع في المستقبل إلى قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر عبر البحر الميت، ما سيؤدي إلى التأثير سلبا في الاقتصاد المصري من خلال استهداف موارد القناة التي تعتمد عليها البلاد في دخلها القومي.
كما يخشون من أن يشكل المشروع خرقا لكل آليات مقاطعة التطبيع مع إسرائيل على المستوى العربي، خاصة أن وجهة النظر الأميركية الإسرائيلية تنطلق من أنه يستند إلى مشاريع إقليمية كبرى تتشارك فيها إسرائيل والدول العربية، وتقود إلى اندماج إسرائيل بالاقتصاد العربي.
وزيادة على ما سبق، يقول معارضون إن مشروع “قناة البحرين” يرتبط بالأهداف القومية الإسرائيلية المتعلقة بتطوير وتعمير صحراء النقب، ما يقتضي استعادة المزيد من المهاجرين اليهود.
كما أن المشروع يوفر لإسرائيل مصدرا شبه مجاني لتبريد مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب، وسيمكنها من إقامة مفاعلات جديدة على امتداد القناة، بالإضافة إلى أن المشروع يدعم الموقف الإسرائيلي من مفاوضات المياه مع الجانب الفلسطيني الذي ينطلق من أنه لا يمكن منح الفلسطينيين من موارد المياه الحالية، وأن عليهم الاعتماد على تحلية المياه أو شراءها من إسرائيل.
ويثير المشروع أيضا غضب أنصار البيئة الذين حذروا من آثار سلبية، ودعت منظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط غير الحكومية مع ثلاث مؤسسات بيئية أخرى في أغسطس/آب 2013 الحكومات الثلاث إلى رفض المشروع بسبب أخطاره على البيئة.
وترى هذه المؤسسات أن “صب كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر سيحدث تغييرات جذرية في التركيبة الكيميائية الفريدة للبحر الميت”، كما أن “المياه الجوفية في وادي عربة جنوب شرق فلسطين المحتلة قد تتلوث في حال حدوث تسرب في الأنابيب الناقلة للمياه المالحة”.
المصدر: الجزبرة نت