وجهت صحيفة «الجارديان» البريطانية انتقادات لسلطات الاحتلال الإسرائيلية على خلفية اعتداءاتها على مسيرات العودة في قطاع غزة، والتي أسفرت عن استشهاد العشرات منذ انطلاقها قبل نحو شهر.
وفي افتتاحيتها الأحد، التي ترجمتها «عربي21»، قالت الصحيفة: إن «استخدام القوة القاتلة في مواجهة مظاهرات الفلسطينيين السلمية يؤدي إلى تآكل الاحترام الذي تحظى به إسرائيل دوليًا ويضر بديمقراطيتها محليًا».
وتضيف الصحيفة أنه «لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في السيطرة على كل المناطق الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ولا أن تحافظ على هويتها اليهودية وتبقى ديمقراطية في نفس الوقت».
وتاليًا النص الكامل للافتتاحية:
تساءل مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط هذا الأسبوع قائلًا: «كيف يمكن لقتل طفل في غزة اليوم أن يساعد في تحقيق السلام؟ بالتأكيد لا يساعد. بل من شأنه أن يزيد من لهيب الغضب ويولد مزيدًا من القتل». كان نيكولاي ملادينوف محقًا في التعبير عن سخطه، وكانت تغريدته قد جاءت على إثر إصابة فتى فلسطيني برصاصة في الرأس أطلقها عليه قناص إسرائيلي كما يبدو بينما كان يتظاهر بشكل سلمي قريبًا من السياج الحدودي.
في البداية رفضت الحكومة الإسرائيلية الدعوات التي طالبت بإجراء تحقيق، ثم ما لبثت أن استجابت بعد أن طالب المجتمع الدولي الجيش الإسرائيلي بالتوقف عن قتل الأطفال. إن استخدام الجنود للذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين السلميين لأمر معيب، ولكنه يأتي منسجمًا مع السلوك الوحشي الذي يمارسه الجيش ضد الفلسطينيين وبات أمرًا طبيعيًا من وجهة نظر السياسيين الإسرائيليين.
إن إزهاق أرواح العشرات من الناس وجرح ما لا يقل عن 1700 شخص خلال الأسابيع الأربعة الماضية لمؤشر على الطريقة التي يفكر بها الإسرائيليون إزاء الثمن الذي يرون من الإنصاف دفعه مقابل إبقاء غزة تحت السيطرة.
ويذكر أن صحافيًا قد قتل بالرصاص، وأن النيران أطلقت على سيارات الإسعاف. ولا يقتصر الهدف من هذا الدك المريع لأهل غزة المحاصرين، كما يدعي الجيش الإسرائيلي، على حماية السياج الحدودي، وإنما يراد منه كذلك حمل الناس على الخضوع والاستسلام، رغم أن المؤشرات تدل على أنه لن يحقق ذلك.
أريد لهذه الاحتجاجات أن تشكل حملة شعبية سلمية لتذكير العالم بأن الفلسطينيين الذين شردت عائلاتهم أثناء إقامة إسرائيل يعتبرون حقهم في العودة مقدسًا ولا يجوز بحال التنازل عنه. وقد ولدت الفكرة من «بوست» انتشر كالنار في الهشيم دونه عبر صفحته على موقع «فيسبوك» الصحافي أحمد أبو أرتيمة البالغ من العمر 33 عامًا تساءل فيه: ما الذي يمكن أن يحدث يا ترى لو أن آلاف الناس في غزة، والذين يتشكل غالبيتهم من اللاجئين ومن ذراريهم، قاموا بمحاولة لاجتياز الحدود بشكل سلمي للوصول إلى بيوت آبائهم وأجدادهم؟ ربما كانت تلك أفكارًا مثالية، ولكنها بالتأكيد ليست وضيعة على الإطلاق.
فمن ذا الذي لا يعتبر مقترح السيد أبو أرتيمة بأن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنبًا إلى جنب كمواطنين متساوين أفضل من العنف ومشاعر الكراهية التي تسود العلاقات بين الشعبين اليوم؟ فمن خلال تفضيله الحلم بدلًا عن القبول بكابوس اليوم، يشترك السيد أبو أرتيمة مع الرئيس الإسرائيلي في الإيمان بمستقبل أفضل.
لربما لم يكن يخطر بالبال أن تقدم حركة «حماس»، الحركة الإسلامية المسلحة التي تسيطر على قطاع غزة، على تبني – أو كما يدعي الإسرائيليون اختطاف – فكرة السيد أبو أرتيمة.
ما زال من المبكر الحكم على مآل هذه المسيرات الاحتجاجية وإلى أي مدى يمكن لها أن تظل سلمية بسبب رعاية حركة حماس لها. من المفروض أن تستمر المسيرات الأسبوعية إلى أن تصل إلى ذروتها في 15 مايو (أيار)، وهو اليوم الذي يتذكر فيه الفلسطينيون النكبة، ذلك اليوم الذي قامت فيه دولة إسرائيل.
بعد عقد من الحصار الاقتصادي الذي تفرضه إسرائيل، وكذلك مصر، وثلاث حروب صغيرة، باتت غزة على شفير نكبة جديدة؛ إذ تحولت إلى سجن ضخم يعيش فيه ما يقرب من مليوني إنسان. وتقول الأمم المتحدة: «إن غزة ستصبح بحلول عام 2020 غير صالحة للسكن، بمعنى آخر أنه بات القطاع طنجرة ضغط على وشك الانفجار».
من المؤسف أن ترى حكومة إسرائيل المتطرفة مكاسب فيما يراه الآخرون مخاسر. فقد نجح رئيس وزرائها بنجامين نتنياهو، الغارق في الفضائح، في إقناع دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل على الرغم من خضوع المدينة للولاية الدولية وإقناعه كذلك بتخفيض التمويل الأمريكي لمنظمة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. والآن يوجه السيد نتنياهو سهامه تجاه حق العودة الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه أن يشحذ همة الفلسطينيين ويعزز إصرارهم على مواصلة النضال مهما طال الزمن.
كان من المروض أن يتم حل هذه القضايا من خلال الحوار، إلا أن السيد نتنياهو استغل الفرصة التي وفرتها له نزوة السيد ترامب السخيفة حول إبرام «صفقة القرن» سعيًا منه لتحسين وضعه الداخلي. ما من شك إذن في أن المكاسب سريعًا ما ستتلاشى.
ما من شك في أن قهر الفلسطينيين سيؤدي إلى تآكل الاحترام الذي تحظى به إسرائيل دوليًا وسيضر بديمقراطيتها محليًا. لقد تلوثت السياسة فيها بالتعصب ضد العرب. وكلما زادت إسرائيل ثراء كلما أصبح العوز الفلسطيني مصدر قلق شديد. ومن ناحية أخرى سوف تتفاقم ورطتها وتزداد حدة كلما اقترب عدد الفلسطينيين في الأرض المقدسة من عدد اليهود.
لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في السيطرة على كل المناطق الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ولا أن تحافظ على هويتها اليهودية وتبقى ديمقراطية في نفس الوقت. بل من مصلحة إسرائيل أن توافق على أن الفلسطينيين بحاجة إلى دولة بقدر ما أن الإسرائيليين بحاجة إلى دولة. وإلا فإن الخيار الوحيد المتبقي هو تشكل كيان وحيد يصبح اليهود فيه أقلية، وهذا يعني الاستمرار في نظام أشبه ما يكون بـ«الأبارتهايد» أو التمييز العنصري أو في حالة من الاحتلال السرمدي. لقد أدركت نجمة هوليوود ناتالي بورتمان المسار الخطر الذي تنتهجه إسرائيل، وليت زعماءها يدركون ذلك أيضًا.
إسراء فهيد