أثارَ الجيبُ الذي ينتشرُ فيه تنظيمُ “داعش” كثيراً من التساؤلاتِ خلالَ المرحلةِ الماضية، لأنَّ الجيشَ السّوريّ تحرّكَ نحوَ المنطقةِ الشّرقيّة، وسيطرَ على الجزءِ الأكبرِ منها، دونَ أيِّ تقدّمٍ باتّجاهِ المناطقِ التي ينتشرُ فيها التنظيمُ في المنطقةِ الممتدّةِ بين “جنوب شرق مدينة السّخنة” وصولاً إلى أطرافِ المحطّةِ الثانية “T2” بريفِ ديرِ الزورِ الجنوبيّ.
وهي مناطقُ بحسبِ مصادرَ ميدانيّةٍ تُعتبرُ من المناطقِ السّهلةِ نسبيّاً نتيجةً لكونِها من المناطقِ المفتوحةِ التي لا يمكنُ للتنظيم المقاومة فيها لوقتٍ طويل إذا ما كانت العمليّاتُ العسكريّةُ التي قد تُشنُّ باتّجاهِها تُشبهُ من حيث آليّةِ التّنفيذِ العمليّاتِ التي أفضت لإسقاطِ الطّوقِ عن مدينةِ ديرِ الزورِ والسّيطرةِ على كاملِ الضفّةِ الغربيّةِ لنهرِ الفرات من القرى الواقعةِ إلى الغربِ من مدينةِ “معدان” بريفِ الرقّةِ الشّرقيّ وصولاً إلى مدينةِ “البوكمال” على الحدودِ مع العراقِ بريفِ ديرِ الزّورِ الشّرقيّ.
أهمّيّةُ وجودِ هذا الجيبِ برزت مع بدءِ العمليّةِ العسكريّةِ السّوريّة في مناطق جنوب العاصمةِ؛ لإنهاءِ وجودِ تنظيمِ “داعش” في كلٍّ من “الحجر الأسود – مخيّم اليرموك – أجزاء من حيّ التضامن – أجزاء من حيّ القدم – الجزء الجنوبيّ الشّرقيّ من بلدة يلدا”، وبنتيجةِ المفاوضاتِ التي أُجريت، فقد تمَّ الاتّفاقُ على خروجِ نحو 1300 عنصرٍ من التّنظيمِ إلى هذا الجيب، فيما سيخرجُ عناصرُ تنظيمِ “جبهة النصرة” فقط إلى محافظةِ إدلب، ويُقدّرُ عددهم بنحوِ 200 عنصرٍ فقط.
مصادرُ ميدانيّة 064C قالت لـ”وكالة أنباء آسيا”: إنّه لولا وجود هذا الجيبِ، لكانت عمليّةُ إخراجِ عناصر تنظيم “داعش” من جنوبِ العاصمةِ مسألةً مُستحيلةً؛ لعدمِ وجودِ منطقةٍ يُمكنُ نقلُهم إليها بفعلِ العداوةِ التي يتقاسمُها “داعش” مع بقيّةِ الفصائلِ والتّنظيماتِ المُنتشِرةِ في الأراضي السّوريّة”، مُوضّحةً أنَّ نقلَ عناصر التّنظيم إلى منطقةِ “حوض اليرموك” الخاضعةِ لسيطرتِهِ بريفِ درعا الجنوبيّ الغربيّ مسألةٌ مستحيلةٌ أيضاً، نتيجةً لخضوعِ الطّرقِ المؤدّيةِ إلى هذه المنطقةِ تحتَ سيطرةِ تنظيمِ “جبهة النصرة”، والأخيرُ لنْ يقبلَ بزيادةِ عددِ عناصر “داعش” في “حوضِ اليرموك”، كما أنَّ الإدارةَ الأمريكيّةَ لنْ تقبلَ بانتقالِ أيِّ عنصرٍ من تنظيمِ “الجولاني” إلى مناطقِ ريفِ دير الزور الواقعةِ إلى الشّرقِ من نهرِ الفرات، خاصّةً وأنَّ شهر آب من العامِ الماضي كان قد شَهِدَ عرقلةَ واشنطن لتطبيقِ الاتّفاقِ الذي عقدتهُ الدولةُ السّوريّةُ وحزب الله مع عناصر “داعش” في منطقةِ القلمون الغربيّ لإخراجِهِ نحوَ مدينةِ “البوكمال” قبلَ استعادةِ الجيشِ السّوريّ السّيطرة عليها.
جنوبُ العاصمةِ السّوريّة، تستمرُّ العمليّةُ العسكريّةُ ضدَّ وجودِ “داعش” في مخيّمِ اليرموك والمناطقِ المحيطةِ به، وتقولُ مصادرُ ميدانيّة: “إنَّ إطلاقَ النّارِ لنْ يتوقّفَ إلى أنْ تبدأَ عمليّة خروجِ مسلّحي التّنظيمِ من المنطقة، خاصّةً وأنَّ الوفدَ الذي مثّلَ التّنظيمَ في المفاوضات، كان قد أعلمَ الجانبَ السّوريّ -يومَ الخميس- رفضهُ الخروج إلى البادية، الأمرُ الذي دفعَ الدولةَ السّوريّةَ لبدءِ عمليّاتٍ عسكريّةٍ مُكثّفةٍ للضغطِ على التّنظيم”، وتقولُ مصادرُ خاصّةٌ بـ”وكالةِ أنباء آسيا”: “إنَّ الحكومةَ السّوريّةَ تفكّرُ بإخراجِ عناصرِ التّنظيمِ بأقلِّ جهدٍ عسكريٍّ ممكن، للتعجيلِ بإعلانِ كاملَ “دمشق وريفها” منطقةً خاليةً من الوجودِ المسلّح”.
انتقالُ العمليّةِ العسكريّةِ من ديرِ الزورِ إلى إدلبَ، ومن ثمَّ إلى الغوطةِ الشّرقيّةِ فمنطقة “جنوب دمشق”، دونَ التوجّهِ إلى فتحِ حساباتِ الباديةِ السوريّةِ على الرّغمِ من أنَّ “داعشَ” شنَّ مجموعةً من الهجماتِ الانغماسيّة على نقاطِ الجيشِ بالقربِ من الحدودِ مع العراق، وفي ريفِ ديرِ الزورِ الجنوبيّ، يُؤكّدُ أنَّ الحكومةَ السّوريّةَ وحلفاءَها يمتلكونَ أجندةَ عمليّاتٍ تُنفَّذُ وفقَ تسلسلٍ زمنيٍّ يدرسُ كاملَ الظّروفِ لكلِّ معركةٍ يتمُّ البدءُ بها، بالاستفادةِ من المِزاجِ السّياسيّ العامِّ للدّولِ المتدخِلةِ في الملفِّ السّوريّ، وهذا يضعُ في احتمالاتِ ما بعدِ “طوق العاصمة”، المنطقةَ الجنوبيّةَ في رأسِ قائمةِ الاحتمالات، خاصّةً منطقة “مثلّث الموت” الواقعة بين أريافِ “دمشق – القنيطرة – درعا”، والقريبة من منطقةِ شريطِ الفصلِ بين الأراضي السّوريّة والجولان المحتلّ.
محمود عبد اللطيف / آسيا