لم يخف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا. لكن خطة إدارته الأخيرة لكيفية القيام بذلك من غير المحتمل أن تتحقق، وستكون خطرة إذا فعلت ذلك، بحسب تقرير نشره موقع «vox» الأمريكي.
كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد كشفت عن سعي أمريكي إلى تشكيل «جيش عربي» يشمل دول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ودولًا عربية أخرى مثل مصر، لتحل محل الوحدات العسكرية الأمريكية في شمال شرق سوريا لحفظ الأمن بالمنطقة والحيلولة دون عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
وفقًا للتقرير، قد يبدو ذلك جيدًا نظريًا، ولكن هناك العديد من المشكلات عند التطبيق.
أولًا، هناك فرصة ضئيلة بأن توافق غالبية الدول العربية المعنية على مثل هذه الخطة. تجري السعودية محادثات مع الولايات المتحدة لإرسال قوات إلى سوريا، بحسب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الدول العربية الأخرى ستحذو حذوها.
ثانيًا، يقول خبراء إن القوات العربية ستكافح لشن حملة ضد داعش. وقال فيصل عيتاني، وهو خبير أمني في الشرق الأوسط في مركز أبحاث المجلس الأطلسي: «لا توجد دولة عربية لديها القدرة العسكرية أو المؤسساتية اللازمة لهذا النوع من المهمات. الجيوش العربية سيئة في مكافحة التمرد، وأسوأ في الحرب».
ثالثًا: من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت القوات الأمريكية ستبقى في سوريا لتدريب ودعم القوات العربية. غير أن ذلك يبدو مستبعدًا، كما أشار ترامب إلى أنه يريد إعادة جميع القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي إلى بلادهم، والسماح لدول الشرق الأوسط بالعناية باستقرار سوريا.
وأخيرًا، فإن أهداف البلدان العربية عندما يتعلق الأمر بالتدخل في سوريا ليست بالضرورة هي نفسها أهداف الولايات المتحدة. تركز إدارة ترامب بشكل حصري على هزيمة داعش والحفاظ على المناطق التي كانت تسيطر عليها من قبل للتأكد من أن التنظيم لن يعود من جديد.
لكن جيمس جيفري، وهو مسؤول أمني كبير سابق في الشرق الأوسط في إدارة جورج دبليو بوش، يشرح أن محاربة داعش ليست بؤرة التركيز الأساسية للبلدان التي تشكل من الناحية النظرية هذه القوة العربية الجديدة. ونقل التقرير عن جيفري قوله: «يريد السعوديون والإماراتيون سياسة تركز على مواجهة إيران والعمل ضد الرئيس السوري بشار الأسد».
كما أن الخطة المقترحة من شأنها أن تضع القوات العسكرية لعدوين لدودين- إيران والسعودية – مباشرة ضد بعضهما البعض في سوريا، مما قد يثير تصعيدًا خطيرًا وغير ضروري في الحرب الأهلية السورية الدمويّة. وأضاف جيفري: «باختصار، فإن خطة إدارة ترامب لقوة عربية غير مدروسة جيدًا».
لماذا من غير المحتمل أن يتشكل جيش عربي؟
إن السياسة المحيطة بإنشاء «جيش عربي» معقدة للغاية لدرجة أنه من المدهش أن إدارة ترامب حتى تعتبرها خيارًا.
بالنسبة للسعودية والإمارات، فإن الدولتين في خضم عملية عسكرية تدعمها الولايات المتحدة في اليمن ضد المتمردين الحوثيين. وتقول رندا سليم، وهي خبيرة في الشأن السوري في معهد الشرق الأوسط، إن الرياض وأبو ظبي كلتيهما منخرطتان بشكل كبير في اليمن لدرجة أنه من غير المحتمل أن يحولا قوات ومعدات وأموال إلى تلك المعركة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، طلب ترامب من السعوديين مبلغ 4 مليارات دولار لإعادة بناء سوريا، لكن الرياض لم تقبل هذا الاقتراح بعد. ومع ذلك، قد ترسل السعودية قوات إلى سوريا قريبًا كجزء من حملة هزيمة داعش. وقال عادل الجبير وزير الخارجية السعودي للصحفيين في مؤتمر صحفي في الرياض مؤخرًا، إن بلاده تجري مناقشات مع الولايات المتحدة ومنذ بداية الأزمة السورية (في 2011) بشأن إرسال قوات الى سوريا.
كما تقول سليم إن الولايات المتحدة ربما تحتاج إلى موافقة تركيا على إرسال قوة عربية إلى سوريا، لكن هذه الموافقة لا يبدو أنها ستحدث على الأرجح.
تقاتل القوات التركية حاليًا في شمال سوريا لإنشاء منطقة آمنة تمتد إلى 19 ميلًا تقريبًا بين الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد والحدود التركية. وتكافح أنقرة منذ عقود تمردًا ضد الانفصاليين الأكراد داخل بلدها، وبالتالي تعتبر القوات الكردية السورية القوية القريبة من حدودها تهديدًا إرهابيًا يلوح في الأفق
لكن القوات الكردية السورية تعمل عن كثب مع القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لتهزم ما تبقى من داعش. وأوضح جيفري، الذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن إدخال «قوة عربية» إلى هذا الخليط من القوى- القوى التي من المحتمل أن تتعاون مع أو حتى تقاتل إلى جانب الأكراد السوريين – من شأنه أن يثير غضب لدى أنقرة.
ومما يجعل الأمر صعبًا أيضًا أن أنقرة لديها علاقات غير جيدة مع أبو ظبي، لأن تركيا دعمت ثورات الربيع العربي عام 2011 في دول مثل تونس ومصر. من ناحية أخرى، كافحت السعودية والإمارات لقمع تلك الثورات في الخارج ومنع حدوث مثل هذه الثورات في بلادهم. لكن تركيا دعت على الدوام إلى الإطاحة بالأسد، ودفعت الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد لإزاحته ، وهو ما يمكن أن أن يجعلها أكثر قابلية لفكرة وجود «قوة عربية» تكون مهمتها الإطاحة بالأسد.
وفيما يتعلق بمصر، واحدة من أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، فقد ذكر التقرير أن القاهرة تدعم نظام الأسد. ومن المحتمل أن تكون القاهرة غير سعيدة إذا دعمت الولايات المتحدة «قوة عربية» في سوريا، خاصة إذا بدأت تلك القوات بمهاجمة مواقع نظام الأسد.
وقد ورد أن جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومي، اتصل بمدير المخابرات المصرية بالنيابة لمناقشة إمكانية أن تساهم القاهرة بالقوة العربية. لكن محمد رشاد، وهو مسؤول كبير سابق في الاستخبارات المصرية، قال إن مصر لن تنضم إلى هذه القوة. وقال: «القوات المسلحة المصرية ليست مرتزقة. تتبنى مصر استراتيجية تستند إلى دعم وحدة الأراضي السورية وجيشها الوطني».
نقل التقرير عن ستيفن كوك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، قوله: «يبدو أن المستشار الجديد للأمن القومي الأمريكي لا يعرف أن الحكومة المصرية تدعم الأسد».
الحرب الباردة بين السعودية وإيران
حتى لو ذهبت قوة عربية إلى سوريا، فمن المحتمل أن تضر أكثر مما تنفع.
وتابع التقرير: «لذا تخيلوا ماذا سيحدث لو ظهرت جميع القوات السعودية والإماراتية على الساحة السورية». تقول سليم: «سيكونون في مواجهة مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، والنظام السوري. وهذا يعني أن «الحرب الباردة» بين أكبر خصمين في الشرق الأوسط يمكن أن تصبح حربًا فعلية».
يذكر أن فكرة إرسال قوات عربية إلى سوريا لا تقتصر على إدارة الرئيس ترامب، بحسب ما ذكره التقرير. على سبيل المثال، عمل الرئيس باراك أوباما على حشد الدول العربية لبذل المزيد من الجهد لهزيمة داعش، وتلقى دعمًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لهذا الطلب. أعلنت السعودية عن تحالف من 34 دولة لمواجهة داعش في ديسمبر 2015، لكن الولايات المتحدة ما زالت تتحمل العبء الأكبر في مواجهة داعش.