فشلت مفاوضات إخراج مسلحي «داعش» وعوائلهم، من دون قتال، من مواقعهم في مخيم اليرموك ومحيطه، لتعود العملية العسكرية إلى الواجهة، حتى إنهاء التنظيم أو استسلامه ورحيله.
عادت أصوات القصف الجوي والصاروخي إلى العاصمة دمشق، أمس، من بوابتها الجنوبية الشرقية، مع دخول مخيم اليرموك وحيّي القدم والحجر الأسود دائرة العمليات العسكرية بعد تعثّر المفاوضات التي كانت تهدف إلى إخراج مسلحي «داعش» وعائلاتهم، من دون قتال.
وترافق ذلك مع أجواء مختلفة في كل من الضمير والقلمون الشرقي، حيث تبدو التسويات صاحبة الكلمة الأخيرة. ففي اليرموك ومحيطه، كانت دمشق تعوّل على نجاح الاتفاق، وبالتالي تجنّب خوض معركة لن تكون سهلة في منطقة مكتظة سكانياً، ومحصّنة من الناحية العسكرية.
ولكن العملية انطلقت عصر أمس، عبر سلسلة استهدافات جوية ومدفعية وصاروخية. هذا التصعيد الأوّلي سيكون مفتاحاً لتحرك بريّ لاحق، في حال امتنع المسلحون عن الاستسلام والرحيل، وهو يستهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوفهم وتدمير جميع المقار والبنى التحتية التي تتيح لهم الصمود. وجاء القرار بالركون إلى العمل العسكري، بعد مسار من محاولات التسوية. ففي البداية، قبل أيام، خرج ممثلون عن «داعش» من المخيم لمقابلة وسطاء من الجيش السوري قرب خطوط التماس.
كان الحديث يدور، وفق مصادر مطلعة إلى «الأخبار»، حول «خروج المسلحين إلى منطقة جنوبي مدينة السخنة (ريف حمص الشرقي) في البادية السورية، حيث يوجد مسلحون يتبعون داعش أيضاً».
لم يمانع الجانب الحكومي، وتُرك الأمر لمسلحي التنظيم في اليرموك للتفاهم مع أولئك الموجودين في البادية.
غير أن الطرفين لم يتفقا، إذ قبلت قيادة التنظيم في البادية استقبال المسلحين من دون عوائلهم. ووفق المصادر نفسها، فإن السبب وراء ذلك يعود الى أن التنظيم في البادية «يعاني من ضعف في التمويل والتموين، وهو لا يسيطر أصلاً على مدن أو بلدات لإيواء مدنيين، فضلاً عن أن وجود العائلات هناك سوف يعيق عمل المسلحين الذين يعتمدون على التحرك الدائم وعدم الثبات».
حينها، جرى الاتفاق مع الجيش على أن يخرج المسلحون إلى البادية، على أن ينقل المدنيون إلى مكان آخر. وبالفعل، بقي الاتفاق قائماً حتى «اللحظة الأخيرة»، ويقول مصدر سوري إن «الباصات التي كان من المفترض أن تنقلهم (المسلحين وعوائلهم) الى وجهتهم، كانت قد وصلت بالفعل وتوقفت على أطراف المخيم، إلا أنهم بدأوا بالمماطلة وطلبوا التأجيل ليوم واحد، ثم ليوم آخر، وهكذا… حينها، اتخذ القرار بأن تبدأ العملية لإنهاء محاولات الابتزاز».
موسكو: واشنطن تحاول فرض «منطقة ذات إدارة مستقلة» في محيط درعا
وبينما كان جنوب دمشق يشتعل بالمعارك، بدا المشهد مغايراً في ريف دمشق الشمالي الشرقي، مع عودة السيادة الحكومية على بلدة الضمير، والإعلان عن قبول المسلحين في جيب القلمون الشرقي (شرق الطريق الدولي دمشق ــ حمص)، البدء بإجراءات التسوية مع الجيش السوري. وتم أمس إخراج الدفعة الأخيرة من المسلحين والمدنيين الراغبين في الخروج من الضمير، تمهيداً لنقلهم إلى جرابلس في الشمال.
وبالتوازي، تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق تسوية في منطقة القلمون الشرقي (تضم كلاً من الرحيبة، جيرود، الناصرية) بوساطة روسية، يقضي بنقل الراغبين، من مسلحين ومدنيين، في التوجه إلى الشمال السوري.
ويفترض أن تبدأ اليوم عملية تسليم الأسلحة الثقيلة، كخطوة أولية في الاتفاق، وذلك بعد أن سيطر الجيش أمس على المحيط الشرقي لبلدة الرحيبة، وعزلها عن باقي الجيب الممتد نحو البادية، والذي شكّل لسنوات طويلة طريق إمداد مهماً للفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية، عبر منطقة الضمير.
وتأتي تلك التطورات في وقت لا يزال فيه دخول وفد «منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية» إلى دوما متعثراً، بسبب مخاوف أمنية، وسط اتصالات من الأمم المتحدة مع جميع الأطراف الفاعلة، وخاصة موسكو ودمشق، لتسهيل هذا الإجراء وضمان سلامة المحققين.
وفي موازاة هذا المسار، كانت وزارة الدفاع الأميركية تشير، على لسان مدير هيئة الأركان العسكرية المشتركة كينيث ماكنزي، إلى احتمال وجود مخازن من أسلحة كيميائية لدى الجيش السوري، موزعة في مواقع مختلفة من الجغرافيا السورية.
وحذّر الأخيرُ الجانب الحكومي من أن «عليه التيقّظ والقلق… لأننا نراقبهم ولدينا القدرة على ضربهم مجدداً إذا دعت الحاجة إلى ذلك».
وبينما أشارت المتحدثة باسم الوزارة إلى أن الإعلان الروسي عن إسقاط قوات الدفاع الجوي السورية لصواريخ أميركية غير صحيح، نقلت وكالة «تاس» عن مصدر عسكري سوري قوله إن بلاده سلمت موسكو صاروخين أميركيين «لم ينفجرا»، حيث تم نقلهما جوّاً إلى روسيا.
وترافق الحديث الأميركي عن «المخازن الكيميائية» المفترضة مع ما نقلته وسائل إعلام روسية عن مصادر عسكرية، ومفاده أن هناك احتمالاً لتنفيذ استفزازات جديدة بأسلحة كيميائية في الجنوب السوري.
وأشارت تلك المصادر إلى أن الأميركيين يحاولون فرض «منطقة ذات إدارة مستقلة» في درعا ومحيطها، على غرار ما جرى شرق الفرات. وهو كلام رددته المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زخاروفا، بقولها إن «القوافل التي يزعم أنها تحمل مساعدات إنسانية تصل بانتظام عبر الحدود الأردنية، ولكننا نعرف نوع تلك المعونة الإنسانية».
وفي موازاة الاتهامات الروسية للجانب الأميركي بالسعي إلى إنشاء منطقة «مستقلة» في الجنوب، كشفت مصادر أميركية «مسؤولة»، في تصريحات لشبكة «سي أن أن»، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس تقديم ما وصفته بـ«مكافأة إجبارية» للسعودية من أجل إرسال قوات عربية إلى سوريا، تحل محل الأميركية الموجودة.
وبحسب مصدر تحدّثت إليه«سي أن أن»، فإن واحدة من الأفكار التي يدرسها حالياً «مجلس الأمن القومي»، تتمحور حول تقديم عرضٍ للسعودية بأن تصبح دولة بدرجة «حليف رئيسي خارج الناتو».
الأخبار