القمة العربية التي اختتمت فاعلياتها أمس، كان من المُقرر عقدها أواخر الشهر الماضي، لكنّ الظروف الاستثنائية التي أحاطت بها من التخبط والسرية التي خُيمت عليها أظهرتها وكأنها قمة «غير عادية»؛ السعودية أجلّت موعد اللقاء الذي كان من المُقرر عقده أواخر الشهر الماضي، وعللت السبب بالانتخابات الرئاسية المصرية، وفيما خرجت التقارير تُشير إلى أنّ أطرافًا دولية تدخلت تمهيدًا لحسم الملفات العالقة قبل اللقاء الذي قد يحضره أمير قطر، إلا أنّ التنبؤات انقطعت فجأة عندما كشفت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية أنّ المملكة لن تكون قادرة على تأمين العاصمة خوفًا من الصواريخ الحوثية التي باتت تُضيئ سماء المملكة باستمرار، لذا قررت نقلها لمدينة «الظهران» على الساحل الشرقي للمملكة ليأتي ذلك تفاديًا لتهديدات صواريخ الحوثيين، التي استهدفت أكثر من مرة العاصمة الرياض وعددًا من المواقع الحيوية السعودية.
وبعدما اجتمع القادة العرب، وسط غياب أمير قطر، وسلطان عُمان، ورئيس الإمارات، والرئيس الجزائري، ألقى الحاضرون خُطبًا مختلفة وشعاراتٍ واحدة، وكان واضحًا بالنسبة للبعض أنّ القمة تجاهلت عمدًا أهم ست ملفات في العالم العربي؛ لأنها ربما ستفرق من بقي من الحلفاء.
1- حصار قطر.. الأزمة الخليجية دخلت النفق المُظلم
قبل أسبوع من عقد القمة العربية، ظهر الأمير القطري تميم بن حمد في البيت الأبيض أثناء زيارته للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وفتح التصريح الذي أطلقه تميم بشأن مشاركة ترامب في حلّ الأزمة الخليجية الباب واسعًا للتكهن بأنّ حصار قطر في طريقه إلى زوال بعد تدخل الرئيس الأمريكي مباشرة.
وما حدث أنّ وزراء خارجية دول الحصار (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) عقدوا اجتماعًا تشاوريًا على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب بعد اللقاء مباشرة،تمسكوا فيه بالمطالب الـ13 التي كانت قطر قد رفضتها، وما زاد الأزمة حدّة، هو أنّ أمير الكويت الذي يُمثل الوسيط لحل الأزمة عبّر هو أيضًا عن رفضه لمطالب دول الحصار التي وصفها بأنها تمسً السيادة، والأزمة التي أوشكت على دخول عامها الأول، فرّقت الصف العربي منذ البداية |إلى مؤيد ومعارض.
لذا بدا مؤكدًا أن الأزمة لن تكون على جدول الأعمال، وهو ما حدث عندما امتنعت إدارة الجامعة العربية عن إدراجها على جدول الأعمال، بدعوى أن أيَ من أطراف الأزمة لم يطلب منذ نشوبها إدراجها على جدول الأعمال، ولم يتفاجأ القادة العرب حين استشعروا غياب أمير قطر الذي أوفد المندوب الدائم في الجامعة العربية ليكون ممُثله، وما زاد الأوضاع صعوبة، هو المشروع الذي أعلنت عنه الصحف السعودية – «قناة سلوى» – عن طريق حفر قناة على حدودها مع قطر، الأمر الذي سيؤدي إلى تحول قطر من شبه جزيرة إلى جزيرة، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية في جزء من الكيلومتر الفاصل بين قطر والقناة المقرر حفرها، وحذرت واشنطن مُسبقًا من آثار المشروع الذي سُيدخل حصار قطر إلى مرحلة النفق المُظلم.
2- «قصف_سوريا».. الحدث الأبرز ليس على جدول الأعمال
عُقدت القمة العربية تحت القصف الأمريكي البريطاني والفرنسي، ورغم ذلك إلا أنّ القمة تجاهلتها، وبحسب ما صرحه مساعد الأمين العام للجامعة العربية، بأن الضربات التي تعرضت لها سوريا لن تكون مطروحة على جدول أعمال القمة، مبررا ذلك بأن الجدول وضع الخميس الماضي قبل أن تتعرض سوريا للقصف السبت.
لكنّ سياق حديثه يبدو بعيدًا عن الحقيقة، إذا ما قورنت ردود أفعال الدول العربية بشأن الضربات العسكرية على أهداف للنظام السورى ردًا على هجوم كيميائي اتهمت دمشق بتنفيذه في دوما قرب دمشق؛ فبينما أيدت السعودية والإمارات والبحرين وقطر الضربات، أعلنت دول أخرى رفضها مثل العراق ولبنان والجزائر، كما عبرت مصر والكويت عن موقف بدا متحفظًا إزاء الضربات، والدولة الوحيدة التي دعت بجرأة لوضع الحدث على جدول الأعمال كان العراق، إذ دعت العراق الزعماء العرب لاتخاذ موقف واضح إزاء التطورات الأخيرة في سوريا، خلال القمة العربية، كما اعتبرت أنّ الضربات الجوية الأمريكية والفرنسية والبريطانية على سوريا تطور خطير يمنح الإرهاب فرصة جديدة للتمدد.
وحتى الآن لازالت عضوية سوريا مجمدة داخل جامعة الدول العربية بسبب انتهاكات نظام بشار الأسد، وبحسب البيان الختامي للقمة، فإنّ القادة العرب، الذين تفرقهم الآراء والمواقف السياسية تجاه نظام بشار بين مؤيد ومعارض، اتفقوا على إدانة استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري الشقيق، لكن البيان لم يتطرق إلى الضربة الثلاثية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية هناك، كما أنهم أيضًا تجاهلوا العمليات التركية في شمال سوريا.
3- اليمن.. لا أحد يقتترب من الخطوط الحمراء
كان الوضع في اليمن على جدول أعمال القمة التاسعة والعشرين، لكنّ طريقة تناولها، والتوصيات التي خرجت بها القمة، كانت بعيدة تمامًا عن الواقع الموجود على الأرض، وقريبة إلى أهداف السعودية، الدولة المُضيفة للقمة؛ فالعربُ اتفقوا على دعم الشرعية في اليمن لإنهاء الأزمة اليمنية على أساس المبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن، كما تطرقت القمة إلى جهود التحالف العربي، لكنّها لم تتخذ آليات حول الأوضاع والأزمات التي تشهدها اليمن، بداية من شرعية الحكومة نفسها، ونهاية بالوضع الإنساني.
تجاهلت القمة أي انتقادات لدور التحالف العربي عسكريًا في حرب اليمن، فالعمليات العسكرية متوقفة منذ أكثر من عام، والعاصمة صنعاء لازالت في قبضة الحوثيين، وهو ما يزيدُ من أوجاع الحرب ويزيد من سوء الأوضاع الإنسانية والبيئية، وسبق للبرلمان الأوروبي أن طالب بحظر تصدير الأسلحة للسعودية، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن هناك نحو 17 مليون شخص يواجهون صعوبات في الحصول على الغذاء، وهي أكبر كارثة إنسانية في العالم.
القمة أيضًا لم تتطرق إلى أزمة انفصال الجنوب اليمني بدعمٍ إماراتي، في ظل ضعف سلطة الحكومة الشرعية، وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أعلن أن هدفه هو الاستقلال، أيضًا لم يتحدث أحد عن العاصمة المؤقتة عدن التي تحوّلت لساحات مناوشات وقتال بين القوات الحكومية، وقوات النخبة المدعومة إماراتيًّا من جهة، وبين القوات الحكومية، والمجلس الانتقالي الجنوبي من جهةٍ أخرى، وقبل شهرين غادر رئيس الحكومة ابن دغر عدن، وسط أنباءٍ ترددت عن منع قوات التحالف عودته مرة أخرى، وقبل أيام عاد ابن دغر وحكومته إلى العاصمة المؤقتة، وقد يرحل منها إلى غير عودة في حال وقع الانفصال الذي تدعمه الإمارات وترفضه السعودية.
4- المصالحة الفلسطينية وتأزم الوضع في غزة
كانت القمة بعنوان «القدس»، واتفق القادة العرب على بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، مع التأكيد بأن القدس عاصمة فلسطين، لكنهم من جهة أخرى لم يتخذوا إجراءات حاسمة بشأن مطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي هدفت إلى اعتبار الولايات المتحدة طرفًا غير محايد؛ بسبب إعلانها القدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما جعلها طرفًا في الصراع، وليست وسيطًا بحسبه، لكنّ القادة العرب تجاهلوا مطلبه.
القمة أيضًا تجاهلت عن عمدٍ في نظر البعض قضية المصالحة الفلسطينة بين «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، والسُلطة الفلسطينية، ويبدو أنّ تقارب بعض الدول مع إسرائيل منعها من اتخاذ موقف أكثر وضوحًا لدعم المصالحة أو إضافة بعض التوصيات عليها، خاصة في ظل اعتبار السعودية حركة حماس جماعة إرهابية، وهو ما ترفضه الأخيرة، وما تخشاه بعض الدول العربية المعادية للإسلام السياسي، هو أن تنضم (حماس) إلى منظمة التحرير الفلسطينية، دون أن تتخلى عن سلاحها، فُتصبح المقاومة مُعترف بها، وهو ما يرفضه عباس أيضًا.
وإذا كان مُبررًا تجاهل االمصالحة الفلسطينة في القمة، فإن الغريب أنّها أيضًا تجاهلت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، والتي تتمثل في نقص الكهرباء والغذاء والعمل، والتي تتزامن مع التنافس الفلسطيني – الفلسطيني على القطاع من خلال قيام الرئيس محمود عباس بقطع 30% من مرتبات موظفي غزة، وإعلانه أنه لن يدفع فاتورة كهرباء القطاع، بالرغم من أنّ الطرفيْن وقّعا اتفاق المصالحة الأخير في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، برعاية المخابرات المصرية، إلا أنّ عباس لم يلتزم ببنود المصالحة بصرف الرواتب حتى الآن؛ وإمعانًا في الخناق، قررت إسرائيل تقليص تزويد الكهرباء لمحطة توليد الطاقة في القطاع بنسبة 35%، ثم قامت الولايات المتحدة بتجميد نصف الأموال المخصصة لوكالة «أونروا» التي تقدم مساعدات للاجئين الفلسطينيين، والعربُ لم يتخذوا قرارًا جماعيًا للضغط على عباس، أو لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة.
5- التدخل الإيراني التركي في العراق
في أسطرٍ مقتضبة عبّر البيان الختامي للقمة عن دعمه للعراق واستقراره وسلامة أراضيه، وفي لفتة مثيرة أثنى على جهود الجيش العراقي في تحرير محافظات ومناطق عراقية والقضاء على العصابات الإرهابية، رغم أنّ الحشد الشعبي المدعوم إيرانيًا هو من يُنسب له الفضل الأكبر في دحر «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق (داعش)»، فقط كان هذا هو العراق الذي شغل القادة العرب.
ورغم حضور الرئيس العراقي فؤاد معصوم، إلا أنّ القمة تجاهلت العملية العسكرية التي تشنها تركيا عبر طائراتها على إقليم كردستان العراقي، وقبل شهرٍ دمرت الطائرات الحربية التركية ما لا يقل عن 18 هدفًا لحزب في شمال العراق تزامنًا مع عملياتها العسكرية منفصلة في منطقة عفرين بشمال سوريا لإبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية عن حدودها الجنوبية، وقبل أسبوع من عقد القمة، توغل الجيش التركي مسافة 20 كم في إقليم كردستان، وشرعت قواته بعد نزوح أكثر من 100 عائلة في بناء قواعد عسكرية تمهيدًا لإعلان الحرب، ولدى الحكومة العراقية تأكيدات بأنّ تركيا تسعى لتوسيع عملياتها العسكرية في سوريا، إلى عمق أراضي العراق في الشمال.
القمة أيضًا تجاهلت الدور الإيراني في الانتخابات العراقية، في ظل تأكيد القادة العرب على خطورة سياسات طهران في المنطقة، فالعراق الذي يشهد انتخابات تشريعية في مايو (أيار) المقبل، باتت أحزابه وتحالفاته أداة سهلة في إيدي الإيرانيين الذين يتحكمون في المشهد السياسي، بحسب العديد من المحللين.
وبحسب وكالة «أسوشيتد برس»، فإن النفوذ الإيراني يستهدف تعزيز موقع القوى الشيعية، وعلى رأسهم «الحشد الشعبي»، إضافة لمد أذرعها داخل المناطق السنية التي مازالت تواجه مشاكل النزوح والتهجير، من أجل الحصول على شعبية تُمهد لها لاحقًا السيطرة والتبعية لطهران مباشرة، مثلما يتبع الحشد الشعبي إيران.
6- اتخاذ موقف حول الوضع في ليبيا
يُعتبر الوضع في ليبيا، هو أحد أكثر الجوانب التي لاقت شكليًا اهتمامًا واتفاقًا بين القادة العرب، فهم أكدوا على دعم لمؤسسات الشرعية الليبية، والتسمك بنتائج الحوار الرباعي الذي استضافته جامعة الدول العربية بمشاركة الاتحاد الاوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لدعم التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة من خلال مصالحة وطنية، تستند على اتفاق «الصخيرات» الذي يُنهي الأزمة الليبيبة التي دخلت عامها السابع.
لكنّ القمة تجاهلت بوضوح اعتبار مستجدات الأزمة الليبية في ظل غياب المشير حفتر – سواء بمرضه أو بموته – الذي يُسيطر بجيشه على شرق ليبيا، وهو مدعوم من مصر والإمارات، وهما دولتان معارضتان لجماعة الإخوان المسلمين التي حصل أحد أعضائها مؤخرًا على رئاسة المجلس الليبي «خالد المشري»، وهو ما يفتح الباب واسعًا لكافة السيناريوهات بألوانها للأيام القادمة، والتي تأمل فيها ليبيا عقد انتخابات تشريعية ورئاسية.
والقمة تجاهلت رسم خريطة سياسية واضحة تجاه الموقف الليبي بوضعه الجديد؛ مما يفتح الباب مرة أخرى لخلاف عربي حول الرؤى والتوجهات، خاصة في ظل غياب الرئيس الجزائري عن القمة، وهو الذي يتخذ موقفًا معارضًا لحفتر.
النهایة
www.ar.shafaqna.com/ انتها