من الألقاب التي اشتهر فيها الإمام موسى بن جعفر(ع) “باب الحوائج”, فقد كان عليه السلام في حياته الدنيوية باباً بل دوَّاراً لقضاء حوائج الناس.
المباشرة في قضاء الحوائج
ففي سيرته المباركة أنّه كان يتفقّد الفقراء في الليل, فيحمل إليهم الدقيق والتمر دون علمهم بذلك.
وكان عليه السلام يُصرّ الدنانير, ويخرج بها ليلاً ليوزّعها على بيوت المحتاجين.
وكان عليه السلام يبيِّن للناس أنّ الإنفاق في سبيل الله نفعه محسوم, وضرره موهوم, فكان(ع) –فيما روي عنه- يرسم المعادلة التالية:
” إياك أن تمنع في طاعة الله ، فتنفق مثليه في معصية الله .”
السعي لقضاء الحوائج
وكما كان الإمام(ع) يباشر في قضاء حوائج الناس, فإنَّه كان يسعى لدى الآخرين لأجل ذلك.
ومن لطيف ما ورد في حياة الإمام(ع) قصّة ذلك الرجل من أهل الريِّ الذي كان مطالَباً بمالٍ لأحد الولاة الذي كان من شيعة أهل البيت(ع), وكان ذلك الرجل في ضيق من تسديد ذلك الدين, فكان الحلّ عنده ما عبَّر منه قائلاً:
“هربت إلى الله تعالى, وحججت, ولقيت مولاي الصابر – يعني موسى بن جعفر عليهما السلام – فشكوت حالي إليه, فأصحبني مكتوباً نسخته : ” بسم الله الرحمن الرحيم, إعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفاً ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام ” . قال : فعدت من الحج إلى بلدي ، ومضيت إلى الرجل ليلاً واستأذنت عليه ، وقلت : رسول الصابر عليه السلام ، فخرج إليَّ حافياً ماشياً ، ففتح لي باب ، وقبّلني ، وضمني إليه ، وجعل يقبّل عيني ، ويكرّر ذلك ، كما سألني عن رؤيته عليه السلام ، وكلما أخبرته بسلامته, وصلاح أحواله استبشر وشكر الله تعالى . ثم أدخلني داره وصدرني في مجلسه ، وجلس بين يدي ، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام ، فقبّله قائماً ، وقرأه ، ثم استدعى بماله وثيابه فقاسمني ديناراً ديناراً ، و درهماً درهماً ، وثوباً وثوباً ، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته ، وفي كل شئ من ذلك يقول : يا أخي هل سررتك ؟ فأقول : إي والله ، وزدت على السرور ، ثم استدعى العمل, فأسقط ما كان باسمي ، وأعطاني براءة مما يوجبه عليّ منه, وودعته, وانصرفت عنه. فقلت: لا أقدر على مكافاة هذا الرجل إلا بأن أحجّ في قابل وأدعو له، وألقى الصابر عليه السلام, وأعرفه فعله ، ففعلت ، ولقيت مولاي الصابر – عليه السلام – وجعلت أحدّثه ، ووجهه يتهلّل فرحاً، فقلت : يا مولاي هل سرَّك ذلك ؟ فقال: أي والله لقد سرَّني، وسرَّ أمير المؤمنين ، والله لقد سرَّ جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولقد سرَّ الله تعالى.
قراءة في رسالة الإمام(ع)
وفي العودة إلى نص رسالة الإمام(ع), فإنّها تتحدّث عن أعمال ثلاثة تستوجب التظلّل بظلّ إلهي خاص تحت عرش الله تعالى هي:
1- إسداء المعروف( من أسدى إلى أخيه معروفاً)
والمعروف كثير, وصور إسدائه وإعطائه غير محصورة, فمن إسداء المعروف:
– قضاء دين المديون.
– تكفُّل أولاد الفقراء بتعليمهم.
– تأمين وظيفة عمل لمحتاج.
– التدخلّ لحلّ مشكلة بين أخوين أو زوجين.
– وأفضله هداية الإنسان.
وفي هذا روي في سيرة الإمام موسى بن جعفر(ع) أنّه مرّ على دار بشر بن حارث في بغداد فسمع الملاهي وأصوات الغناء تخرج من تلك الدار فخرجت جارية وبيدها قمامة, فرمَتْ بها في الدرب, فقال عليه السلام لها : يا جارية, صاحبُ هذه الدار حرّ أم عبد ؟ فقالت : بل حرّو فقال:صدقت لو كان عبداً خاف من مولاه. فلمَّا دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك؟ فقالت : حدّثني رجل بكذا وكذا, فخرج حافياً حتى لقي مولانا الكاظم عليه السلام, فتاب على يده, واعتذر وبكى لديه استحياء من عمله. وعزم أن يبقى حافياً طوال حياته حتى عرف به بشر الحافي وقد نقلت كلمات الإمام موسى الكاظم(ع) هذه بشر من السكِّير الفاسق إلى قائمة الزهَّاد, فكان يقول:” إنَّ في هذه الدار نملة تجمع الحبّ في الصيف لتأكله في الشتاء ، فلما كان يوم أخذت حبة في فمها ، فجاء عصفور فأخذها والحبة ، فلا ما جمعت أكلت ، ولا ما أملت نالت”.
ب-تنفيس الكربة (أي نفّس عنه كربة)
الكربة من الكرب, وهو الغمّ الذي يأخذ بنفس المغموم بكظمه, وهو مخرج النفس فلا يقدر على التنفّس.
من يزيل هذا الغمّ أو يخفّفه عن أخيه يصدق عليه أنّه قد نفّس كربته. وقد ورد في عظيم أثر تنفيس الكربة عن الإمام علي(ع):” من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب”
ولهذا العديد من الصور منها:
1- قضاء حاجة خانقة, ولو كان بتمرة واحدة, فعن الإمام الصادق(ع): قال : أوحى الله إلى داود ( عليه السلام ) إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأدخله الجنة ، قال : يا رب وما تلك الحسنة ؟ قال : يفرج عن المؤمن كربه ولو بتمرة ، فقال داود ( عليه السلام ) : يا رب حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك .
2- تعزيّة المغموم بفقد عزيزه.
فقد ورد أنّه كان فيما ناجى به كليم الله موسى ( عليه السلام ) ربّه قال : “يا رب ما لمن عزّى الثكلى ؟ قال : اظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي”.
كما ورد عن الرسول الأكرم(ص) :” من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها”
والتعزية تكون من خلال الزيارة, والمصافحة, وإبداء المساندة المعنوية, والتعبير عمّا يسلِّي المغموم.
وممّا ورد في ذلك:
– أنّ الإمام علي(ع) عزّى رجلاً بفقد ولده, فقال له:إن تحزن فقد استحقَّت ذلك منه الرحم، وان تصبر ففي الله حلفك من ابنك, وإن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور, وإنْ جزعت جرى عليك القدر وأنت مأثوم .
– أنّ الإمام الصادق(ع) عزّى رجلاً بوفاة ولده, فقال له: “الله خير لابنك منك, وثواب الله خير لك منه”
ج-إدخال السرور
وقد تحدّثت الروايات الواردة عن النبيّ(ص) وأهل بيته(ع) عن ثواب عظيم على إدخال السرور على قلب المؤمن,فعن النبي(ص):” من أدخل على مؤمن فرحاً فقد أدخل عليّ فرحاً, ومن أدخل عليّ فرحاً فقد اتخذ عند الله عهداً ، ومن اتخذ عند الله عهداً ، جاء من الآمنين يوم القيامة .”
وعن الإمام الكاظم(ع) أنّه قال لعليّ بن يقطين: “من سرّ مؤمناًَ فبالله بدأ, وبالنبي(ص) ثنَّى, وبنا ثلَّث”
وإدخال السرور على قلب المؤمن له صور عديدة من قبيل:
– زيارته – إهداؤه ما يحبّ -مساعدته فيما يحتاج
– ممازحته -بعث رسالة له في مناسبة يحبّها.
فإذا قام بذلك كان ثوابه على ما ورد عن الإمام الصادق(ع) :إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه ، كلما رأى المؤمن هولاً من أحوال يوم القيامة قال له المثال : لا تفزع ولا تحزن…، فيقول له المؤمن من أنت ؟ فيقول : أنا السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن”.
باب الحوائج في برزخه
إنّ لقب باب الحوائج لم يقتصر على الحياة الدنيوية للإمام موسى الكاظم(ع), بل كان كذلك في حياته البرزخية, فمرقده موئل لطالبي الحاجات من مختلف المذاهب.
فها هو شيخ الحنابلة الحسن بن ابراهيم الخلال قال: “ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلا سهّل الله تعالى لي ما أُحبّ”.
وها هو الإمام الشافعي يقول: “قبر موسى الكاظم الترياق المجرّب”.
وروي أنّ امرأة كانت تهرول, قيل لها: إلى أين ؟ قالت: إلى موسى بن جعفر؛ فإنّه حُبس ابني, فقال لها أحدهم: إنّه(أي الإمام الكاظم(ع)) قد مات في الحبس, فقالت: بحقّ المقتول في الحبس أن تريني القدرة, فإذا بابنها قد أُطلق سراحه.
رحم الله السيد مهدي بحر العلوم حينما أنشد قائلاً:
يا سَمِيَّ الكليم جئتك أسعى والهوى مركبي وحُبُّك زادي
مسَّني الضرُّ وانتحى بي فقري نحو مغناك قاصداً من بلادي
ليس تقضى لنا الحوائج إلا عند باب الحوائج المعتاد
عند بحر الندى ابن جعفر موسى عند باب الرجاء جدِّ الجواد