إن الإمام الصادق عليه السلام جاء إلى الحيرة سنة١٣٧ هـ ، و سكن حول مشهد أمير المؤمنين عليه السلام سنتين أو أكثر…
أحمد علي مجيد الحلي
المقام ونشوؤه في القرن الثاني الهجري
تقدّم في مقالة ” ماذا تعرف عن مقام الإمام المهدي (عج) في وادي السلام ؟” ذِكر أن الإمام الصادق عليه السلام جاء إلى الحيرة سنة١٣٧ هـ ، وأنّه سكن حول مشهد أمير المؤمنين عليه السلام سنتين أو أكثر ، وأنّه اختلف إلى قبر جدّهِ مرات عديدة ، وصلّى قريباً من مشهد جدهِ ركعتين ، وقال عن سببهما بأن الموضع هو موضع منبر القائم عليه السلام.
ومرة كان معه أبان بن تغلب ، فكرر الإمام فعله الذي كان يفعله في عظيم المواضع ، وأشار لأبان بن تغلب بموضع منبر القائم عليه السلام ، ومات أبان سنة ١٤١هـ ، واستشهد الإمام الصادق عليه السلام سنة ١٤٨هـ ، فنشأ المقام بين سنتي ( ١٣٧ ـ ١٤١هـ ).فهذا أوّل تأريخ عثرنا عليه خلال البحث عن تأريخ مقام الإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام.
لكن ـ وللأسف الشديد ـ خفي علينا تأريخ المقام بعد هذا التأريخ بثمانية قرون ، فلا نعرف تأريخاً للمقام في القرون التي تلت القرن الثاني الهجري. لكنّنا ـ ومن خلال وجود المقام إلى الآن ـ نعرف تعاهد الشيعة له بمواصلة زيارتهم لهذا المقام القديم.
تاريخ المقام في القرن الحادي عشر الهجري
١ـ التأريخ الأول للمقام في هذا القرن : ( سنة ١۰٢٦هـ )
في سنة ١۰٢٦ هـ توفّي السيد مبارك الملّقب بالأزرق عيينة بن مطلب المشعشعي ودُفن في النجف في وادي السلام بقرب مقام الإمام المهدي عليه السلام.
أقول : إن هذا التأريخ القديم يدلّ على وجود للمقام في سنة ١۰٢٦هـ وعبارة ( دفن في النجف في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي عليه السلام ) تدلّ على وجود عمارة للمقام في تلك السنة وما قبلها.
٢ـ التأريخ الثاني للمقام في هذا القرن : ( عصر العلامة المجلسي قدس سره مجدّد القرن الحادي عشر )
أورد العلاّمة المجلسي قدس سره( ١۰٣٧ ـ ١١١١هـ ) باباً في كتاب بحار الأنوار سمّاه ( باب نادر في ذكر من رآه عليه السلام في الغيبة الكبرى قريباً من زماننا ) بعد أن ذكر حكاية ( الجزيرة الخضراء ) ثمّ قال : ولنلحق بتلك الحكاية بعض الحكايات التي سمعتها عمّن قرب من زماننا ، ثمَّ سرد حكايتين ( يعني فيمن رآه ) قال ما ملخصه :
أن رجلاً جاء من إيران مع جماعة قاصداً الحج فمروا بالعراق ومرض الرجل فتركوه في مدينة النجف وقد توسل الى الله ببركة الإمام وزار المقام المذكور فشفي من مرضه.
أقول : روى العلامة المجلسي هذه الحكاية الواقعة في القرن الحادي عشر الهجري عن جماعة من أهل الغريِّ ، وأشار إلى أنها وقعت قريبة من زمانه ، وسمعها ممن قرب من زمانه ، ووصف الرواة للحكاية بأن مقام القائم عليه السلام خارج النجف ، وخروج الرجل صاحب الحجرة بالرجل المريض إلى هذا المقام يدلّ على شهرة المقام في ذلك العصر ، فالجماعة الثقات الصلحاء الذين رووا الحكاية كلّهم يعرفون أنّ مقام القائم خارج النجف ( أي خارج سورها في وادي السلام ). وقول الرجل الكاشاني واصفاً دخول القائم عليه السلام ( فإذا أنا بشاب صبيح الوجه ، أسمر اللّون دخل الصحن وسلّم عليَّ وذهب إلى بيت المقام وصلّى عند المحراب ) فإنّ هذا الوصف لعمارة المقام ( صحن ، وبيت للمقام ، وحوض ) في ذلك العصر ـ أي بداية القرن الحادي عشر الهجري ـ يشبه إلى حد كبير وصف عمارة المقام في عصرنا الحاضر هذا ، ولو وصفناها الآن لما زدنا على ذلك الوصف.
ثم قال العلامة المجلسي قدس سره : هذهِ القصّة من المشهورات عند أهل المشهد ، وأخبرني بها ثقاتهم وصلحاؤهم. وهذا ممّا يدل على صدق الحكاية ، فكفاها صدقاً ناقلها وتواترها ورواتها الثقات الصلحاء بوصف العلامة المجلسي قدس سره لهم ، ووصفهم لموقع المقام وعمارته من صحن وبيت ومحراب لدليل على صدق الحكاية أيضاً.
فبعد عرض الحكاية علمنا أنّ المقام كان مشهوراً ومعروفاً في بداية القرن الحادي عشر الهجري على مستوى جماعة أهل المشهد وزائري مشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
٣ـ تأريخ المقام في القرن الثاني عشر الهجري ( ١١۰۰ ـ ١٢۰۰هـ )
كتب السيد نصر الله الحائري ضمن ديوانه الشعري بيتين ذكر أنّه كتبهما على مقام الحجة عليه السلام في النجف الأشرف ، هما :
أيا صاحب العصر إنّ العِدا *** أرَونا الكواكب بالظلم ظُهرا
فأطلِع لنا فجرَ سيفٍ به *** تجلّي ظلام العنا المكفهرّا
٤ـ تاريخ المقام في القرن الثالث عشر الهجري ( ١٢۰۰ ـ ١٣۰۰هـ )
التأريخ الأول : شيد السيد العلامة محمد مهدي بحر العلوم ( ١١١٥ ـ١٢١٢هـ ) في المحل نفسه عمارة فخمة في أوائل هذا القرن وأقام عليها قبّة من الجص والحجارة ، ولم تزل تلك العمارة قائمة إلى سنة ( ١٣۰٨هـ ).
وقد نصّ على بناء السيد بحر العلوم قدس سره لهذا المقام كثير ، ولكــنّ اشتبه الأمر على البعض فذكر أنّ السيد بحر العلوم قدس سره هو أوّل من أنشأ هذا المقام ، لكن هذا القول يُنافي ما أسلفناه من تواريخ عديدة للمقام تدلّ على وجوده قبل السيد بفترة ، ربّما تصل إلى قرون. فمن التواريخ السابقة الذكر :
١ـ منشأ المقام في عصر الإمام الصادق عليه السلام ( ١٣٦ـ١٤٨هـ ).
٢ـ وجود المقام في سنة ١۰٢٦ هـ كما قدّمناه.
٣ـ وجود المقام في عصر العلاّمة المجلسي قدس سره.
٤ـ وجود المقام في عصر السيد نصر الله الحائري شيخ مشائخ السيد بحر العلوم.
٥ـ التأريخ الثاني : سنة ( ١٢۰۰ هـ )
يوجد في المكان نفسه ( أي المقام ) حجر منقوش عليه زيارة الإمام الحجة عليه السلام سنة١٢۰۰هـ وفيه ما نصّه :
حرّرهُ الآثم الجاني قاسم بن المرحوم أحمد الفحام الحسيني في ٩ شهر شعبان سنة ١٢۰۰ هـ.
أقول : إنّ هذهِ الزيارة لا أثرلها الآن في المقام ، ولقد رآها الشيخ جعفر محبوبة ( ت١٣٧٧ هـ ). كما أن من الأرجح أن تكون السنة المذكورة أي ( ١٢۰۰هـ ) هي سنة عمارة السيد بحر العلوم قدس سره ، فيكون عمر السيد بحر العلوم قدس سره حينئذ ٤٥ عاماً ، علماً أن عمرهُ الشريف ٥٧ عاماً.
٦ـ التأريخ الثالث : بين سنة ( ١٢١٤هـ ) وسنة ( ١٢٢٥هـ )
ويقال أنهُ في القديم كان خدمته ينزلون حوله وكان لهم دور بأزائه ، ولمّا كثرت الغارات على النجف من الوهابيين هجروا دورهم وأقاموا في البلدة. و نحن نؤيد القول أنّ الناس اتّخذوا المكان سكناً لهم و هو ما ذكرهُ العلامة محمد حرز الدين ( ت ١٣٦٥ هـ ) في كتابه معارف الرجال ، قال : في أحوال الشيخ يونس الأمير :
الشيخ يونس بن حمود الأمير النجفي ، كان فاضلاً فقيهاً من المهاجرين إلى النجف ودعاة الإسلام نزل مدة بعياله في وادي السلام وأقام في المقام المعروف بمقام الإمام المهدي عليه السلام يوم كانت القبور حواليه قليلة جداً ثم انتقل بعياله…
٧- تاريخ المقام في القرن الرابع عشر الهجري ( ١٣۰۰ ـ ١٤۰۰هـ )
١ـ التأريخ الأول : من هذا القرن : سنة ( ١٣۰۰هـ ).
في سنة ١٣۰۰ هـ توفي السيد علي بن السيد محمد الحسيني والشهير بالحكيم الذي ولد سنة ١٢۰۰ هـ وعمّر مائة عام ، ودفن في النجف في وادي السلام جوار مقام الإمام المهدي عليه السلام.
٢ـ التأريخ الثاني : سنة ( ١٣۰٨هـ ).
قبل هذهِ السنة كانت عمارة السيد بحر العلوم قدس سره للمقام قائمة ، إذ استمرت حوالي قرن وعدة سنوات قليلة ، ثم أن الراجة محمود آباد ـ وهو أحد ملوك مقاطعة من مقاطعات الهند ـ شيد المقام بعمارة مازالت قائمة إلى الآن ، وكان هذا سنة ١٣۰٨هـ ، أثناء زيارة راجة محمود آباد خان إلى الحرم العلوي.
٣ـ التأريخ الثالث : سنة ( ١٣١٢هـ ).
في سنة ١٣١٢هـ وفي الثاني من شهر رمضان ، توفّي الميرزا محمد تقي بن المولى محمد المامقاني التبريزي المعروف بحجّة الإسلام صاحب كتاب صحيفة الأبرار ودفن بوادي السلام بين سور النجف ومقام المهدي عليه السلام ، وكتب على لوح قبره رباعية من إنشائه.
٤ـ التأريخ الرابع : سنة ( ١٣١٧هـ ) :
في سنة ١٣١٧ توفي السيد المرندي في تبريز ، ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام قرب مقام المهدي عليه السلام.
٥ـ التأريخ الخامس : ( حكاية المرأة التي كُشف بصرها في مقام الإمام المهدي عليه السلام ) قال العلامة النوري قدس سره ( ت١٣٢۰هـ ) في كتابه كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار :
( إلاّ أنه قد ظهر في هذهِ الأيام كرامة باهرة من المهدي عليه السلام في متعلّقات الدولة العلية العثمانية المقيمين في المشهد الشريف الغروي ، وصارت في الظهور والشيوع كالشمس في رابعة النهار ، ونحن نتبرّك بذكرها بالسند الصحيح العالي ، حدّث جناب الفاضل الرشيد السيد محمد سعيد أفندي الخطيب فيما كتبه بخطّه ما ملخصه :”أن زوجه رجل موظف في العهد التركي أصيبت بالعمى فرأت في منامها من يأمرها بزيارة مقام الامام المهدي فذهبت لزيارته وتوسلت الى الله تعالى به فشفيت من مرضها وعاد لها نظرها.”وقال النوري قدس سره بعد هذه الحكاية : هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام ، ولهُ صحن وقبة فيها محراب ، يُنسب إلى المهدي عليه السلام.
وقد ذكر بعض علماء القرن الحادي عشر في جامعه الكبير قصّة رجل كاشاني مريض قد أيس من مرضه ، فذهب إليه فرآه من غير أن يعرفه فشفاه ، ويعلم منها أنهُ كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه. وقال قدس سره في كتابه النجم الثاقب : “وليس خفياً أن من جملة الأماكن المختصة المعروفة بمقامه قدس سره ، مثل وادي السلام ومسجد السهلة ، والحلة ، وخارج قم وغيرها.”
٦ـ التأريخ السادس : سنة ( ١٣٣٣هـ )
في ١٨ ذي الحجة من سنة ١٣٣٣ هـ أعلن السيد محمد كاظم اليزدي ( ت١٣٣٧هـ ) صاحب كتاب العروة الوثقى رأيه بوضوح وجرأة ضد الإستعمار وجيوش الإنكليز ، ففي يوم الغدير من تلك السنة صعد السيد على منبر وُضع لهُ في مقام المهدي عليه السلام بوادي السلام ، وكانت العشائر قد احتشدت في النجف بسبب زيارة يوم الغدير ، وكان بجانب السيد اليزدي قدس سره السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني.
٧ـ التأريخ السابع : سنة ( ١٣٥٩هـ )
ذكر الشيخ محمد السماوي قدس سره( ت ١٣٧۰هـ ) في أرجوزته” عنوان الشرف في وشي النجف” التي كتبها في سنة ( ١٣٥٩هـ ) هذا المقام ، قال قدس سره : “وعند بابَي كربلا والكوفة *** مقام رب الغيبة المعروفة”
٨ـ التأريخ الثامن : حكاية لقاء المرجع الكبير السيد أبي الحسن الإصفهاني ( ت١٣٦٥هـ ) بالإمام المهدي عليه السلام في هذا المقام . وقد نقل هذه الحكاية المتتبع الحاج السيد ميرجهاني في كتاب ( كنز العارفين ) فقال ما ملخصه :
“أن أحد علماء اليمن من الزيدية واسمه بحر العلوم كان لا يعتقد بوجود الإمام المهدي عليه السلام فراسل السيد ( أبو الحسن الاصفهاني قدس سره ) الذي طلب منه المجيء الى النجف واخذه ليلاً الى المقام المقدس وقد اغمي عليه لانه رأى ولي العصر والزمان ثم أصبح من شيعته الاثني عشرية.”
٩ـ التأريخ التاسع : ذكر المقام في كتاب ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر محبوبة قدس سره ت١٣٧٧هـ :
١۰- تأريخ المقام في القرن الخامس عشر الهجري ( ١٤۰۰هـ ) وذكر موقعه ووصفه
موقع المقام : يقع في الجانب الغربي من بلدة النجف وفي وادي السلام وتتوسّط عمارته القبور ، ويبعد عن حرم أمير المؤمنين عليه السلام بحوالي ستمائة متر ، وقبّته ظاهرة للعيان للقاصد إليه من أول الوادي.
وصف المقام
١ـ الباب الخارجية : للمقام باب واحدة حديديّة ، تقع إلى جهة القبلة.
٢ـ مدخل المقام : يقع بعد الباب ، وهو مرتفع بحيث لو أردت الدخول إلى صحن المقام لابدّ أن تنزل حوالي ثلاث دكات ، وطوله حوالي٧ أمتار.
٣ـ صحن المقام : للمقام صحن كبير ، تشاهد على جهته الشمالية ألواحاً لقبور كُتب عليها أسماء الموتى ، وقال لي السادن بأن هذه الألواح دخلت في الصحن حينما وسّع قديماً ، والألواح مبنية على جدار صحن المقام الشمالي ، وفي الجهة الغربية للصحن تشاهد ساحة مرتفعة بعض الشيء ، تتخلّلها أعمدة ، وهي مسقّفة لتظل الزائرين وقد فُرشت بالحصران والبسط. وتوجد في الصحن شجرة سدر. وعلى يمين مدخل المقام توجد حجرة مرتفعة فيها بئر عميق يأخذ منه الزائرون الماء للتبرّك ، وبجوار هذهِ الحجرة يوجد باب لسطح المقام.
ويقع مقام الإمام المهدي عليه السلام : في الجهة الشرقية لصحن المقام ، وقبل دخولك له تقرأ زيارة كُتبت على جدرانه الخارجية ودعاء ( اللّهم كن لوليك… ) ثم تنزل دكّتين ، ثم تدخل بيت المقام فتراه قد زُيّن إلى منتصفه بالطابوق القاشاني الأزرق ، وفيه محراب على يسار الداخل للمقام مزيّن بالطابوق القاشاني الأزرق ، أيضاً كُتب في أعلاه باللون الأصفر تأريخ هذا التزيين ١٣٥٢ هـ وعبارة <يا صاحب الزمان عليه السلام>.
ويعلو هذا المقام قبّة شامخة لونها الأزرق فاتح أثّر بها طول المدة وأشعة الشمس وقد تهرّأ بعض جوانب القبّة وتساقط بعض الطابوق القاشاني الذي بُنيت به ، وكتب على طول القبّة سورة الانفطار ، ثم بعد السورة كُتبت سنة تشييد المقام وإسم المشيّد والساعي له ، وكتبت هذهِ الكتابة بخط الثُلث .
الكتابة :
الباذل لهذا الخير أميرهُ … الملك السعيد لخير الائمة قد تم بنيان مقام صاحب الزمان على يد الراجّي راجة …. الخان حسن محمود آباد الهندي لا زال موفقاً من جدّه… الأجر والمعونة السيد علي كمونة ١٣۰٨هـ.
أما مقام الإمام الصادق عليه السلام : فللمقام بابان ، باب تدخل إليه من مقام الإمام المهدي عليه السلام وباب على جهة خلف القبلة تطلّ على صحن المقام ، وهذا المقام ملاصق لمقام الإمام المهدي عليه السلام ومساحتهُ أكبر منه ، ومحرابه على جهة القبلة مزيّن بالطابوق القاشاني ، وعليه لوحة كتب عليها <مقام الإمام جعفر الصادق عليه السلام.