إنّ انتظار الفرج ليس مجرّد شعور وإحساس، بل هو أحد الأعمال الكبرى كما يظهر من حديث الرسول الكرم صلى الله عليه وآله. ولكي يكون عملٌ ما من أفضل الأعمال لا بدّ أن يتفوّق على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والصدقة بأنواعها وغيرها من الأعمال الاجتماعيّة، التي ندب إليها الإسلام وفرضها على المسلمين.لهذا يجب أوّلًا أن نفهم المعنى الدقيق لانتظار الفرج حتى ندرك السرّ في كونه أفضل أعمال الأمّة.
لهذا يجب أوّلًا أن نفهم المعنى الدقيق لانتظار الفرج حتى ندرك السرّ في كونه أفضل أعمال الأمّة…
السيّد عبّاس نورالدين
قال رسول الله (ص) :” أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”(1).
إنّ انتظار الفرج ليس مجرّد شعور وإحساس، بل هو أحد الأعمال الكبرى كما يظهر من حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. ولكي يكون عملٌ ما من أفضل الأعمال لا بدّ أن يتفوّق على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والصدقة بأنواعها وغيرها من الأعمال الاجتماعيّة، التي ندب إليها الإسلام وفرضها على المسلمين.
لهذا يجب أوّلًا أن نفهم المعنى الدقيق لانتظار الفرج حتى ندرك السرّ في كونه أفضل أعمال الأمّة.
لا شك بأنّ المؤمن الواقعيّ الذي يربط قلبه بالله تعالى فينبض على لحن مشيئته وإرادته ويهتز على وقع أفعاله وتدبيراته سبحانه، سيكون مؤمنًا بالعاقبة الحسنة والمصير الجميل لكلّ أحداث العالم، لأنّها جميعًا تجري وفق إرادة الله وحكمته. وقد كتب الله أنّ هذه الأرض يرثها عباده الصّالحون. فأينما تعسّرت الأمور بوجهه يرى المؤمن اليسر يلوح في الأفق بعد العسر، ويعلم بأنّ الله تعالى لا يقضي إلّا بالخير وإن كان للباطل جولة.
الإيمان بالمستقبل المشرق للأرض هو أحد أركان الإيمان بالله تعالى. والمؤمن يراه قريبًا وإن رآه النّاس بعيدًا؛ وكيف لا يكون قريبًا والله أقرب إليه من حبل الوريد!
إنّ امتحان الإيمان الأكبر يتمثّل في بقاء الاعتقاد بهذا الغد المشرق في لُجّة الأزمات وشدّة المصائب وهول الفجائع. وما لم يدرك المؤمن جمال الله تعالى في عين جلاله ونقمته، فإيمانه ضعيفٌ متزلزل.. أمّا أولياء الله وبحكم أنّ رحمة الله تعالى تتّسع لهم في شدة نقمته(2) ـ كما قال أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّ الامتحانات الشديدة تكون بالنسبة لهم فرصة إدراك سعة الرّحمة والقرب الإلهيّ.
ولو اختصر المؤمن حياته كلّها بوقفة شهود واحدة وهي: شهود وإدراك الجمال الإلهيّ في عين الجلال لما كان مبالغًا أبدًا.
فهكذا شاء الله عزّ وجل أن يكون الإنسان بالذّات، هو الكائن الذي يقبل ربّه ويرضى عنه في لحظة النّقمة والشدّة عليه. وقد سطّر الأنبياء والأوصياء، ومن تبعهم بإحسان، أعظم الملاحم والمواقف في هذا المجال، وتركوا لنا آثارًا خالدةً في عمق الإيمان وثباته.
والآن إذا جئنا إلى الأمّة الإسلاميّة التي عانت منذ بداية تشكّلها من كلّ أشكال المحن والمصائب، فسوف نرى أنّ ما كان يحفظ الإيمان والانتماء هو هذا الاعتقاد بقرب الفرج، وبأنّ الله تعالى لا يمكن أن يترك عباده المخلصين. أمّا الذين تخلّوا عن هذا الاعتقاد في أيّام المحنة ولحظات الشدّة فقد أضاعوا إيمانهم وانتقلوا من هذا العالم خاسرين.
أجل، ينبغي الاعتراف أوّلًا بأنّ الفجائع الكثيرة التي مرّت على المسلمين، منذ ابتعادهم عن وصيّة النبيّ الأكرم بالثقلين، كانت من القسوة بحيث لا يمكن أن يثبت فيها إنسان على دينه، إلّا إذا كان راسخ الإيمان. ولكن، ما الذي كان يحفظ هذا الإيمان في تلك الامتحانات؟ وكيف كان المؤمنون الحقيقيّون يمضون على طريق ذات الشوكة دون التخلّي عن التزامهم العميق بفرائض الدّين الأساسيّة مثل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجتناب تولّي سلاطين الجور؟
لقد شاهدنا هذا السّقوط المدوّي لأغلبيّة المسلمين حين رأيناهم يتخلّون عن أعظم فرائض الإسلام التي أوجبها الله عليهم وجعلها وسيلة رضاه، لمجرّد أن خوّفهم حكّامُ الجور أو أطمعوهم بمتاعٍ زائل، ووجدنا هذه الأغلبيّة إلى يومنا هذا ما زالت تعيش ذلّ البؤس وعار التخلّف، إلى الدرجة التي يبدو أنّها قد فقدت الشّعور ببؤسها وشقائها وهي تظن أنّها الفرقة الناجية!
في الواقع، هناك حقيقة وحيدة هي التي كانت تشدّ عصب الإيمان في قلوب الرّاسخين الثابتي الأقدام على زحاليف الحياة ومزالقها. وهذه الحقيقة هي وجود إنسان ربّاني يمثّل إرادة الله التامّة في العالم وفي الوقت نفسه فهو ينتظر فرج الله تعالى.
فقد اعتقدت جماعة من المسلمين بوجود المثل الأعلى الذي اجتمعت فيه كل قيم الدّين ومقامات العبوديّة وصفات الكمال؛ وكانت تراه حاضرًا وناظرًا ومنتظرًا أمر ربّه ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا.. فإذا كان الإنسان الأعلى والنّموذج الأكمل منتظِرًا، فكيف لا نكون نحن كذلك، وهو الذي يحمل كل إمكانات قيادة المشروع الإلهيّ وتخليص البشريّة من آلامها وأسقامها وفجائعها.
هكذا تغلّبت هذه العقيدة، على مدى التّاريخ، على كلّ الأفكار السّوداء التي تعتري الإنسان المُصاب والمنكوب وتشتّت قلبه عن الله، وتحمله على التّنازل عن الإلتزام بفريضة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وعن التبرّي من حكّام الجور والفساد.
ثبات القدم لا يكون بالصّلاة دون الأمر بالمعروف، ولا بالصّيام دون النّهي عن المنكر، ولا بالتولّي دون التبري.. ثبات القدم يكون في السير على طريق ذات الشوكة عن وعيٍ وبصيرة ومعرفة بالعدوّ الواقعيّ للإسلام. وهذا هو التجلّي الحقيقي لانتظار الفرج.
أمّا أن نجلس في بيوتنا وننتظر الفرج، فهذا ليس عملًا حتى يكون أفضل من كلمة حقّ بوجه سلطان جائر!
لقد أصبح انتظار الفرج أفضل أعمال الأمّة لأنّه يجمع الفرائض كلّها في سلّة الوعي والبصيرة والتحرّك التقدّمي على طريق التّمهيد لحكومة عالميّة يقودها أعظم المنتظرين.
الهوامش:
(1)بحار الأنوار، ج52، ص 128.
(2). “هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ اتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِه”، نهج البلاغة، ص
123