غابت التهديدات الأميركية بضرب سوريا، وفشل الإسرائيليون بقطف ثمار التحريض ضدها، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحصد نتائج انتخابية هامة تكرّسه زعيماً روسياً تاريخياً، وتعطيه دفعاً لسياساته الخارجية في حربه ضد الارهاب، وخصوصا في سوريا
تلك العوامل الخارجية بانت في الأيام الماضية، على وقع معركة عسكريّة يخوضها الجيش السوري ضد المسلحين في الغوطة الشرقية في ريف العاصمة دمشق.
واشنطن رفعت سقف تهديداتها عند بداية المعركة الريفية، الى حدود تتخطى محاولة فرض قرار أممي لوقف تمدد الجيش السوري تحت عنوان حماية المدنيين. سرب الأميركيون أنباء عن تحضيرات البحرية الأميركية لتوجيه صواريخ كروز نحو ثكنات وتجمعات الجيش السوري وقصر الرئاسة في دمشق ومقار الحكومات وخصوصا الدفاع والداخلية. كان الهدف الأميركي منع الرئيس السوري بشار الأسد من المضي بقرار معركة الغوطة، وإجبار الروس على الانصياع للرغبة الأميركية. لكن رد موسكو كان مفاجئا للأميركيين بالاعلان عن تزويد دمشق بسلاح يستهدف المراكز الأميركية في المنطقة، وحديث الروس صراحة عن أن استهداف دمشق اميركياً سيضطر روسيا للرد. أما الرد الافعل فكان تجول الاسد في مناطق المواجهة في الغوطة، حيث يتواجد الجيش السوري.
هي لعبة موازين القوى بين الروس والأميركيين حول سوريا. رفعت واشنطن البطاقة الحمراء في وجه تمدد الجيش السوري نحو الريف، فلم تكترث سوريا المسنودة روسياً بتلك البطاقة.
اعتراض الأميركيين على حسم ملف الغوطة، ينطلق من فرضية قائمة على أرض الواقع: نهاية معارك الغوطة، يعني عودة الشام الى أمانها واستقرارها، يعني التماسك السوري والشعور بنهاية الحرب بتفوق الدولة وهزيمة مناهضيها. بالفعل، تصح تلك الفرضية. مجرد الحديث عن حسم مناطق جوبر وعين ترما والجوار، بدأ ارتياح الدمشقيين على قاعدة: لا قذائف عشوائية تطال دمشق بعد الآن. انه زوال كابوس القذائف الذي لاحق المدنيين طوال سنوات مضت وحصد أرواح الأبرياء في منازلهم وشوارعهم ومدارسهم وجامعاتهم وأعمالهم.
يترقب الأميركيون والاسرائيليون مسار تقدم الجيش السوري في الغوطة. كرّت سبحة المصالحات والتسويات، فزادت من ارباك العواصم المناهضة لسوريا. كانوا يتوقعون معارك دامية رفعوا شعاراتها منذ اعلان الجيش السوري التقدم في الريف الدمشقي. ضجّت وسائل الاعلام الغربية بمشاهد المدنيين السوريين الجرحى والمفجوعين، ليتبيّن على أرض الواقع أن مسيرات شعبية ينظمها السوريون-أبناء تلك المناطق، تطالب بدخول الجيش السوري والعودة الى احضان الدولة. اهمية المصالحات التي أجرتها دمشق أنها قللت من الخسائر العسكرية والبشرية، واعادة مخطوفين من خلال التبادل، ودفع المسلحين بإتجاه ادلب، وفرض أمان تلك المناطق والعاصمة السورية، ونسف الرهان على منطق التقسيم، وانهاء الحديث نهائياً عن اسقاط النظام.
ستُتَرجم الفائدة والنتائج السورية، بعودة النازحين الى مناطقهم في الريف، والتخفيف من الاعباء على العاصمة، والاستفادة من دورة اقتصادية طبيعية بين الغوطة ودمشق زراعياً وصناعياً.
لكن التحديات لا زالت قائمة في جنوب العاصمة حيث سيطرة داعش. هناك المواجهة الاصعب والأعنف. سيتفرغ الجيش السوري لتلك المناطق، وخصوصا مخيم اليرموك وجواره. انها معركة الفصل قبل زيادة التحشيد للتوجه جنوبا نحو درعا. رغم الحديث عن حسم بالمصالحات ستسبق وصول الحشود العسكرية الى الجنوب. هل ستتفرج “اسرائيل”؟ لا قدرة لتل ابيب على فعل شيء. انتهى زمن الرهان المتبادل بينها وبين مجموعات مسلحة في جنوب سوريا، وهي ستكون عاجزة عن تغيير او خلط مشهد المعادلات، في ظل قرار روسي حاسم، صار اقوى مع انتخاب بوتين مجدداً.
عباس ضاهر