صحيح أن الأنظار تتركز حاليا في سوريا على معركة تحرير الغوطة الشرقية، والتي أصبحت قاب قوسين من أن تتحقق، بالرغم من المحاولات الدولية لإعاقتها، ولكن لا يمكن غض النظر عن المعركة الأخرى في الشمال السوري، وبالتحديد في عفرين، والتي لا تقل أهمية من الناحية الاستراتيجية عن معركة تحرير الغوطة الشرقية، وحيث تحمل في معطياتها الكثير من التداخلات الاقليمية والدولية، سيكون لنتائجها تأثيرٌ غيرُ بسيطٍ على مجريات الأزمة السورية برمتها.
من يتابع سير عملية غصن الزيتون في عفرين مؤخرا، يجد ان الاهداف التي وضعتها تركيا منها هي على الطريق لان تتحقق، وحيث كانت منذ البداية تعمل على تحقيق اهداف ميدانية متعددة، للوصول الى هدفها الاستراتيجي الاساس والذي هو انسحاب “الإرهابيين ” كما تدّعي من عفرين، والممثلين بوحدات حماية الشعب الكردي ووحدات حزب العمال الكردستاني، يبدو أن الميدان الآن يوحي بذلك .
لقد خسرت وحدات حماية الشعب الكردي حتى الآن، شريطا حدوديا كاملا يفصل كامل ناحية عفرين السورية عن الأراضي التركية، بالإضافة لخسارتهم مدن بلبل وراجو وشيخ الحديد وشران، وتقريبا أغلب أحياء جنديرس، والتي تعتبر المدينة الأكبر بعد عفرين، ويبدو أيضا من سير الأعمال الميدانية، أن محور شمال شرق عفرين المدينة من اتجاه سد ميدانكي وبلدتها، يشهد تسارعا لافتا لتقدم الوحدات التركية مع مجموعات من المسلحين السوريين المتحالفين معها.
عمليا، وفي حال حافظت الوحدات المهاجمة على هذا النمط من التقدم، بالسرعة وبالاتجاه، سوف يتم محاصرة مدينة عفرين بوقت ليس ببعيد، وذلك ما بين مريمين شمال شرق وتل هامو جنوب غرب، حيث سيكون هذا المحور، والذي تعمل الوحدات التركية ومسلحيها على ربطه مع بعضه، خط الحصار النهائي على المدينة، والخط الذي سوف يفصلها بالكامل عن بقعة تواجد وسيطرة الجيش العربي السوري في نبل والزهراء.
بعد أن وصل الأمر من الناحية الميدانية الى هذا الحد، هناك الكثير من التساؤلات تفرض نفسها وتستدعي المتابعة وهي:
ـ ما الذي تغير من الناحية العسكرية والذي سبب هذا الانهيار الميداني لوحدات الحماية الكردية، خاصة بعد أن اشتركت مجموعات ليست بسيطة من قوات سوريا الديمقراطية في المدافعة عن ناحية وبلدات عفرين ؟
– هل يوجد رابط بين زيارة وزير الخارجية الاميركية ريك تيلرسون الى انقرة واجتماعه مع الرئيس أردوغان وبين هذا الانهيار في صفوف الوحدات الكردية؟
– هل تجاوب الاميركيون مع مطلب الاتراك الدائم بحجب اسلحة نوعية اميركية عن الوحدات التركية، من تلك التي كانت قد لعبت دورا في بداية المعركة في تماسك مدافعة وحدات الحماية الكردية، وكانت قد ساهمت في إيقاع إصابات مؤلمة في صفوف الأتراك، ومنها صواريخ تاو الاميركية المتطورة المضادة للدروع، وبعض الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، كان قد ظهر بعضها مع وحدات كردية في جبال راجو وتلة برصايا شمال غرب مدينة أعزاز؟
– هل يُقدم الاتراك على مهاجمة مدينة عفرين المكتظة بالمدنيين، بسكانها الأساسيين مع الذين نزحوا وينزحون تباعا من مناطق العمليات الحدودية التي سيطرت عليها الوحدات التركية، أم تلعب التدخلات الإقليمية والدولية دورًا في حماية المدنيين مع فرض الشروط التركية بانسحاب مسلحي الحماية الكردية وحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية؟
– هل يكون الحل بالعودة لفكرة الدولة السورية والمدعومة روسياً وايرانياً، والقاضية بدخول الجيش العربي السوري وانتشاره في كامل منطقة عفرين بعد استلامه كامل أسلحة وحدات الحماية التركية، مع بسط سلطته الإدارية والعسكرية والرسمية كاملة؟
قد تكون هذه التساؤلات أعلاه حاملة في طياتها الأجوبة الواضحة والطبيعية والتي تتمحور حول:
– الأميركيون دائما يتخلون عن حلفائهم عند تعارض مصالحهم مع متابعة دعمهم لهؤلاء الحلفاء.
– للروس دائما نظرة استراتيجية بعيدة الرؤية، وكما راهنوا على اقتناع الأكراد في النهاية باقتراحهم الذي رفضوه بداية، سيتحقق ذلك كما يبدو.
– لقد برهنت الدولة السورية، في موضوع عفرين أو في أغلب المواضيع الشائكة الاخرى على الساحة السورية، إنها ملتزمة حتى النهاية بتحرير أراضيها وبمواجهة الحرب الكونية التي فرضت عليها، وبرهنت أيضا أنها جاهزة دائما لاحتضان مواطنيها مهما كانت الظروف والمعطيات.
شارل أبي نادر – عميد متقاعد – العهد