الزهراء…وما أنزل عليها من السماء

قالت فاطمة عليها السلام : ” وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها على الجيران، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا…”
1 – عن زينب بنت علي عليهما السلام ، قالت : صلى رسول الله (ص) صلاة الفجر ، ثم أقبل بوجهه الكريم على علي عليه السلام ، فقال : « هل عندكم طعام ؟ » فقال : « لم آكل منذ ثلاثة أيام طعاما ، وما تركت في منزلي طعاما ».

قال : « إمض بنا إلى فاطمة » فدخلا عليها وهي تتلوى من الجوع ، وإبناها معها ، فقال : « يا فاطمة ، فداك أبوك ، هل عندك طعام ؟ » فاستحيت فقالت : « نعم » فقامت وصلت ؛ ثم سمعت حسا فالتفتت فإذا بصحفة ملأى ثريدا ولحما ، فإحتملتها فجاءت بها ووضعتها بين يدي رسول الله (ص) ، فجمع عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجعل علي يطيل النظر إلى فاطمة ، ويتعجب، ويقول:« خرجت من عندها وليس عندها طعام ، فمن أين هذا ؟ »

ثم أقبل عليها فقال : « يا بنت رسول الله ، ( أنى (۱) لك هـذا ؟ ) »

قالت :{ هو من عند اللـه إن اللـه يرزق من يشاء بغير حسابٍ } (۲).

فضحك النبي (ص) وقال:«الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريا ومريم إذ قال لها : ( أنى لك هـذا قالت هو من عند اللـه إن اللـه يرزق من يشاء بغير حسابٍ )(۳) ».

فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، أطعموني مما تأكلون. فقال (ص) : « إخسا إخسا » ففعل ذلك ثلاثا ، وقال علي عليه السلام : « أمرتنا أن لا نرد سائلا ، من هذا الذي أنت تخساه ؟»فقال : « يا علي ، إن هذا إبليس ، علم أن هذا طعام الجنة ، فتشبه بسائل لنطعمه منه».

فأكل النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام حتى شبعوا ، ثم رفعت الصحفة ، فأكلوا من طعام الجنة في الدنيا.

2- عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه ، قال :

إن رسول الله (ص) أقام أياما لم يطعم فيها طعاما حتى شق عليه ذلك، فطاف(٤) في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئا ، فأتى فاطمة عليها السلام ، فقال :« يا بنية ، هل عندك شيئ آكله ، فإني جائع ؟ »قالت : « لا والله ».

فلما خرج بعثت جارية لها برغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطت عليها وقالت : « والله لأوثرن بها رسول الله (ص) على نفسي ، وعلى غيري ». وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسنا وحسينا إلى رسول الله (ص).

فرجع إليها ، فقالت:« قد أتاني الله بشيئ فخبأته لك » فقال : « هلمي يا بنية » فكشف الجفنة ، فإذا هي مملوءة خبزا ولحما ، فلما نظرت إليها بهتت ، وعرفت أنه من عند الله تعالى ، فحمدت الله تعالى ، وصلت على أبيها ، وقدمته إليه ، فلما رآه حمد الله وقال: ( أنى لك هـذا ؟ ) ” قالت : { هو من عند اللـه إن اللـه يرزق من يشاء بغير حسابٍ } (٥).

فبعث رسول الله (ص) إلى علي ، ثم أكل رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجميع أزواج النبي (ص) حتى شبعوا.

قالت فاطمة عليها السلام : « وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا».

3- عن عاصم بن الأحول ، عن زر بن حبيش ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله (ص) فلقيني (٦) علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال لي : « يا سلمان ، جفوتنا بعد وفاة رسول الله (ص) ؟ ».

فقلت : حبيبي يا أمير المؤمنين ، مثلك لا يخفى عليه ، غير أن حزني على رسول الله (ص) هو الذي منعني من زيارتكم . فقال لي : « يا سلمان ، إئت منزل فاطمة فإنها إليك مشتاقة ، وتريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنة.

قال سلمان : قلت : يا أمير المؤمنين أتحفت (۷) بتحفة من الجنة بعد وفاة رسول الله (ص) ؟! » قال : « نعم يا سلمان ».

قال : فهرولت هرولة إلى منزل فاطمة عليها السلام ، وقرعت الباب ، فخرجت إلي فضة فأذنت لي ، فدخلت وإذا فاطمة جالسة ، وعليها عباءة قد إعتجرت (۸) بها واستترت ، فلما رأتني قالت : « يا سلمان ، إجلس وإعقل واعلم أني كنت جالسة بالأمس مفكرة في وفاة رسول الله (ص) ، والحزن يتردد في صدري ، وقد كنت رددت باب حجرتي بيدي ، فإنفتح من غير أن يفتحه أحد ، وإذا أنا بأربع (9) جواري ، فدخلن علي ، لم ير الراؤن بحسنهن ونظارة وجوههن ، فلما دخلن قمت إليهن مستنكرة لهن ، فقلت : أنتن من أهل المدينة أم من أهل مكة ؟ فقلن : لا من أهل المدينة ، ولا من أهل مكة ، ولا من أهل الأرض ، نحن من الحور العين ، أرسلنا إليك رب العالمين يا ابنة رسول الله لنعزيك بوفاة رسول الله (ص) ».

قالت فاطمة عليها السلام : « فقلت لإحداهن : ما إسمك ؟ قالت : ذرة. قلت : حبيبتي لم سميت ذرة ؟ قالت : سميت ذرة لأبي ذر الغفاري ، صاحب أبيك رسول الله (ص).

فقلت للأخرى : وأنت ما اسمك ؟ قالت : أنا سلمى. فقلت : لم سميت سلمى ؟ قالت : لأني لسلمان الفارسي ، صاحب رسول الله (ص).

وقلت للأخرى : ما اسمك ؟ قالت : مقدودة. فقلت : حبيبتي ، ولم سميت مقدودة ؟ قالت : لأني للمقداد بن الأسود الكندي ، صاحب رسول الله (ص).

فقلت للأخرى : ما اسمك ؟ قالت : عمارة . قلت : ولم سميت عمارة ؟ قالت : لأني لعمار بن ياسر ، صاحب رسول الله (ص).

فأهدين إلي هدية ، أخبأت لك منها » ثم أخرجت لي طبقا أبيض ، فيه رطب أكبر من الخشكنانج (۱۰) ، أبيض من الثلج ، وأذكى من المسك ، وأعطتني منها عشر (۱۱) رطبات ، عجزت عن حملها ، فقالت :« كلهن عند إفطارك ، وعد إلي بعجمهن ».

قال سلمان : فخرجت من عندها أريد منزلي ، فما مررت بأحد ولا بجمع من أصحاب رسول الله (ص) إلا قالوا : يا سلمان ، رائحة المسك الأذفر معك.

قال سلمان : كتمت أن معي شيئا حتى أتيت منزلي ، فلما كان وقت الإفطار أفطرت عليهن ، فلم أجد لهن عجما ، فغدوت(۱۲) إلى فاطمة ، وقرعت الباب عليها ، فأذنت لي بالدخول ، فدخلت وقلت : يا بنت رسول الله ؛ أمرتني أن آتيك بعجمته ، وأنا لم أجد لها عجما ! فتبسمت ، ولم تكن ضحكت عليها السلام. ثم قالت : « يا سلمان ، هي من نخيل غرسها الله تعالى لي في دار السلام بدعاء علمنيه أبي رسول الله (ص) كنت أقوله غدوة (۱۳) وعشية » قلت : علميني الكلام سيدتي.

قالت : « إن سرك أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض غير غضبان ، ولا تضرك وسوسة الشيطان ما دمت حيا ، فواظب عليه ».

وفي رواية أخرى : « إن سرك أن لا تمسك الحمى ما عشت في دار الدنيا ، فواظب عليه ، » فقال سلمان : فقلت : علميني. قالت عليها السلام :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله النور ، بسم الله نور النور ، بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبر الأمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ، الحمد لله الذي خلق النور من النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في رق منشور ، والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور بقدر مقدور على نبي محبور ، الحمد لله (۱٤) الذي هو بالعز مذكور ، وبالخير مشهور ، وعلى السراء والضراء مشكور » .

قال سلمان : فتعلمته ، وقد لقنت أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممن بهم علل الحمى ، وكلهم برئوا بإذن الله تعالى.

وفي رواية أخرى : في شكوى ووسوسة الشيطان ، وقد نزل عليها السلام الرزق من السماء ، وكثيرا ما تدور الرحى في بيتها وهي نائمة أو مشتغلة بأمر آخر ، والرواية فيها متضافرة.

الهوامش

1- في ع : من أين.

2- سورة آل عمران / الآية : ۳۷.

3 ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٥۲۸ ، مناقب ابن شهراشوب ۲ : ۳۳9 ، قطعة منه ، مقتل الخوارزمي : ٥۸ ، فرائد السمطين ۲ : ٥۱ ، نحوه.

4- فصار يدور.

5- سورة آل عمران / الآية : ۳۷.

6- في ش ، ص ، ع : فرأيت.

7- أتتحفي.

8- اعتجرت : لفت رأسها. « النهاية ۳ : ۱۸٥ ».

9- في ك ، م : بثلاث.

10- الخشكنانج : خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق وتقلى ، فارسية. « المعجم الوسيط ۱ : ۲۳٦ ».

۱۱- في ك ، م : خمس .

۱۲-في ص : فعدت.

13- في م : بكرة.

14-في ش ، ص ، ع ، م : بسم الله.

شاهد أيضاً

الإمام المهدي خليفة الله في أرضه(عجّـل الله فرجه)

انّ النعوت التي وردت في وصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كثيرة. وأردت أن أستطرق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *