يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية توقع خسارته لخلافته قبل أشهر من انهياره واتخذ تدابير لإعادة انتشار عناصره، الأمر الذي يمثل مصدر قلق لوكالات الاستخبارات الفرنسية التي تخشى أن يكون أولئك العناصر قد انتشروا في ميادين أخرى “للجهاد” أو تسللوا إلى أوروبا.
فقد أورد موقع ميديابارت الإخباري الفرنسي تقريرا مطولا أعده على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة ولخص فيه ما جاء في سلسلة من المقابلات أجراها داخل أجهزة الاستخبارات الفرنسية من أجل تسليط الضوء على المعلومات المتوفرة التي ينبغي للحكومة الفرنسية أن تطلع عليها لاستباق التهديد الذي يمثله “الجهاديون”.
وتحدد هذه الدراسة السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن ينفذها عناصر تنظيم الدولة خلال العام 2018. على الأقل وفقا لخبرة الدوائر السرية الفرنسية وحلفائها.
ونسبت الصحيفة في هذا الإطار لضابط رفيع في مكافحة الإرهاب في حوض الفرات قوله إن هذه المنظمة أوكلت إلى لجنة “أمنيات” التي هي جهاز مخابراتها، مهمة الهجرة واللوجستيات فلم تترك هذه اللجنة شيئا إلا نقلته من مكانه إلى مكان آخر.
وذكرت ميديابارت أنها كشفت العام الماضي تحذيرا لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) أرسلته إلى نظيرتها الفرنسية أوضحت فيه أن تنظيم الدولة قد حرك في أوائل العام 2017، أي قبل سقوط الموصل والرقة، عددا من أعضاء “أمنيات” بينهم “مديرون تنفيذيون مشاركون في تخطيط العمليات الخارجية” إلى منطقة قريبة من مدينة “ميادين” السورية بعيدا عن القتال المحتدم في جبهات أخرى.
والسؤال المهم بالنسبة للغربين -حسب ميديابارت- هو معرفة مصير “الجهاديين” الأجانب، إذ تفيد تقديرات أجهزة الاستخبارات الغربية بأن أكثر من 2100 جهادي أوروبي لا يزالون في المنطقة بينما قتل أكثر من ألف آخرين، بينهم 286 فرنسيا منذ بدء النزاع، غير أن ما يؤرق هذه الأجهزة هو الحصول على أدلة بشأن الوفيات المفترضة، خاصة أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد يعلن أسماء “المجاهدين” الذين يسقطون في ساحة المعركة.
السيناريوهات
وأيا كانت نتيجة المعارك، فإن ميديابارت كشفت أن أجهزة الاستخبارات الغربية المختلفة تتوقع ثلاثة سيناريوهات “للجهاديين” الأوروبيين: البقاء في ميدان المعركة، “إعادة الانتشار” في بلد ثالث أو العودة إلى أوروبا، حسب الموقع الإخباري.
وترى هذه الأجهزة أن السيناريو الأول هو “الأكثر احتمالا” بالنسبة للفرنسيين، ويتوقعون أن يظل معظم 684 فرنسيا أو مقيما في فرنسا أوفياء لتنظيم الدولة وأن ينضافوا لــ”الاحتياط العملياتي” لهذا التنظيم وأن يكونوا مستعدين للقيام بعمليات انتحارية أو المشاركة في حرب عصابات.
ويتصرف الكثير من هؤلاء العناصر تبعا لقناعتهم، غير أن بعضهم قد لا يكون مقتنعا بالاستمرار لكنه يخشى الإجراءات القانونیة التي سیتعرض لھا في حالة العودة إلى فرنسا، وأيا كانت دوافعهم، فإن الوضع المادي لهؤلاء “الجهاديين” لم يعد مستقرا، خصوصا بعد أن قلص تنظيم الدولة، إلى حد كبير، مخصصاتهم المالية.
وحسب جهاز الاستخبارات الفرنسي، فإن الذين لا يريدون البقاء مع التنظيم ولا العودة إلى فرنسا يلتحقون بهيئة تحرير الشام، حيث أصبحت لهم كتيبة الناطقين باللغة الفرنسية “فرقة الغرباء” تحت إمرة السنغالي عمر ديابي.
والواقع، حسب ميديابارت، أن هدف أجهزة الاستخبارات الغربية من متابعة هذه التنقلات عن كثب هو محاولة رصد من يختارون أحد السيناريوهين الآخرين أي “إعادة الانتشار في بلد آخر” أو “العودة إلى أوروبا”.
ولم تلاحظ أجهزة الاستخبارات الغربية حتى الآن أي “حركة لعودة كبيرة”، غير أن تضييق الخناق على التنظيم يجعل توقع وجهات هؤلاء المقاتلين أصعب، الأمر الذي دفع أجهزة الاستخبارات الغربية إلى توطيد شراكاتها مع الأجهزة الأجنبية لجمع أكبر كم من المعلومات وبالتالي “التقليل من تلك الشكوك”، على حد تعبير ميديابارت.
الملاذ الإقليمي
ولا يوجد في العام 2018 مسرح للجهاد الحالي يمكن أن يوفر “خصائص الملاذ الإقليمي” وكون بذلك قطبا ينجذب إليه أعداد كبيرة من الجهاديين، حسب تقرير ميديابارت.
وقد يقول قائل إن المنطقة الباكستانية الأفغانية المعروفة بانتشار الإسلام الراديكالي فيها والتي تنشط فيها “ولاية خراسان” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، تمثل مكانا مثاليا للجهاديين، إذ يمكن الوصول إليها عبر تركيا وإيران وقد سلكها بالفعل جهاديون أتراك وأوزبك عادوا من سوريا، غير أن الوصول إليها والاندماج في نسيجها غير متاح إلا لعدد محدود من الجهاديين، بسبب “الوضع المعيشي الصعب وصعوبة التكيف مع التمرد الأفغاني”، على حد تعبير ميديابارت.
وقد لوحظ خلال العام 2107 مقتل بعض المقاتلين اليمنيين والسعوديين والمغربيين أثناء معارك في جنوب الفلبين بين الجماعات المحلية المؤيدة لتنظيم الدولة.
كما لاحظت أجهزة الاستخبارات أن بعض مؤيدي التنظيم نشطوا في ليبيا، وهو ملاذ مثالي للمحاربين القدامى من المنطقة، غير أنهم بعد خسارة مدينة سرت لم يعد لديهم في الوقت الحالي ملاذ حقيقي يوفر ظروفا لإعادة انتشار أعداد كبيرة من المقاتلين.
ولاحظت كذلك تراجعا كبيرا في الأشهر الأخيرة في حجم الدعاية ضد الجمهور الغربي، وتراجعا في إمكانيات التواصل بين الجهاديين الذين بقوا في الشام وبين من يمكن أن يقنعوهم بتنفيذ عمليات بأوروبا.
وانطلاقا مما سبق، فإن أجهزة الاستخبارات الفرنسية لا تتوقع أن تشهد 2018 عمليات نوعية كبيرة، بل ترى أنها إن حدثت ستكون “ذات كثافة منخفضة”، أي أنها ربما تقتصر على هجمات بالأسلحة البيضاء ينفذها متعاطفون مع التنظيم وسيستخدمون فيها الوسائل التي يمكن أن تتوفر لديهم في بلاد إقامتهم، على حد تعبير ميديابارت.
النهایة