العزلة تُطبق بخناقها على أمريكا

ان يتوقع تدنى علاقة امريكا مع حلفائها التقليديين في امريكا الشمالية واوروبا واسيا ، وحتى مع الدول الدائرة  في فلكها ، الى هذا المستوى الذي وصلت اليه اليوم في عهد الرئيس دونالد ترامب.

قبل ترامب ، اي قبل عام من الان ، كانت مواقف حلفاء امريكا تكاد تكون استنساخا للموقف الامريكي ازاء كل او جل القضايا الدولية من بينها القضية الفلسطينية او الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، او من البرنامج النووي الكوري الشمالي ، او من المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

بدات العزلة تضيق على امريكا ، اثر انسحاب ترامب من اهم المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، بذريعة انها لا تتفق مع مصالح امريكا ، او انها لا تراعي هذه المصالح ، انطلاقا من فكرة “امريكا اولا” ، الا ان ما جعل العزلة تطبق بخناقها على امريكا ، هو موقف ترامب الشاذ وغير المتعارف من قضيتي فلسطين والاتفاق النووي الايراني.

في الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، تلقت امريكا صفعة مدوية جعلتها تفقد توازنها ، عندما اصطفت القوى الخمس الكبرى ، وهي بريطانيا وفرنسا والمانيا والصين وروسيا ، صفا واحدا ، رافضة تهديدات ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي ، حيث اعلنت منسقة العلاقات الخارجية للاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني وبشكل علني وفي اكثر من مناسبة ان الاتفاق النووي هو اتفاق دولي وصادق عليه مجلس الامن الدولي وليس اتفاقا ثنائيا ليكون بامكان ترامب الانسحاب منه ، وهو ذات الموقف الذي اتخذته برلين وباريس ولندن وبكين وموسكو.

لقاءات ترامب مع قادة الدول الكبرى الموقعة على الاتفاق النووي من اجل اقناعهم بوجهة نظرة باءت بالفشل ، ولم تفلح ايضا زيارات وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون المتكررة الى اوروبا وروسيا والصين من اجل تليين مواقفها الرافضة لسياسة ترامب من الاتفاق النووي ، الامر الذي ارتد سلبا على العلاقة بين البيت الابيض والكونغرس الامريكي ، حيث يحاول كل طرف القاء الكرة في ملعب الطرف الاخر ، بشان كيفية التعامل مع الاتفاق النووي ، بعد رفض ترامب المصادقة على التزام ايران بالاتفاق ، رغم التقارير الثمانية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، والتي اكدت جميعا وبشكل قاطع على التزام ايران الكامل ببنود الاتفاق.

الصفعة المدوية الاخرى التي انهالت على وجه الدبلوماسية الامريكية ودفعتها اكثر في اتون العزلة ، كانت “الفيتو” الامريكي لمنع صدور قرار عن مجلس الامن يندد بالاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، حيث ظهرت واشنطن معزولة تماما دوليا بعد ان صوت باقي الأعضاء الأربعة عشر بينهم القوى الكبرى الاربع الدائمة العضوية لصالح مشروع القرار.

مندوبة امريكا  لدى مجلس الامن نيكي هايلي سارعت وبطريقة بلطجية الى التنديد بقوة بموقف المجلس، وقالت وهي متجهمة الوجه “انها اهانة وصفعة، لن ننسى هذا الامر ابدا”. ولم توضح هايلي ما اذا كانت امريكا يمكن ان تتخذ اجراءات ردا على الدول التي صوتت الى جانب مشروع القرار، او ستواصل خفض تمويل نفقات الامم المتحدة.

كان واضحا ان التاييد القوي للقرار من قبل مجلس الامن ، يؤكد ان العالم كله يرفض القرار الامريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، ويطالب بالتعامل مع القدس طبقا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

عزلة امريكا تتفاقم يوما بعد يوم ، بسبب قرارات ترامب الطائشة ، ليس في القضية الفلسطينية وفي الاتفاق النووي الايراني فحسب ، بل بسبب قراراته ومواقفه غير المسؤولة ازاء كوريا الشمالية ، والحرب المفروضة على اليمن ، والحرب المفروضة على سوريا ، والحرب ضد الارهاب ، و.. ، فالرجل يدفع بلاده دفعا نحو العزلة ، وسط استغراب العالم ، واشادة “اسرائيل”!.

Check Also

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *