بعد ان طهّر العراقيون ارضهم من رجس “الدواعش” التكفيريين بتضحياتهم الجسام ، اخذ البعض يتساءل عن مصير الالاف المؤلفة من “الدواعش” الذين ظهروا في العراق وخاصة في المحافظات الغربية والموصل بعد عام 2014 وعلى مدى ثلاث سنوات.
رغم انه لا توجد ارقام دقيقة عن عدد “الدواعش” الذين كانوا في العراق ، او الذي قتلوا خلال معارك تحرير ارض العراق من دنسهم ، الا ان ما هو مؤكد ان جميع “الدواعش” لم يقتلوا في المعارك ، وان هناك من بقي منهم في العراق.
البعض رجح فرارهم الى سوريا ومنها الى تركيا ومن هناك الى مناطق اخرى في العالم ، ولكن حتى مع احتساب هذا الترجيح فان من الصعب تصور ان جميع “الدواعش” العراقيين تركوا العراق بعد سقوط “دولة الخرافة الداعشية”.
اذا اراد العراقيون ان يجنبوا بلدهم ويلات الوقوع في ازمات اخرى كازمة “داعش” في المستقبل عليهم ان يتعاملوا مع القضايا الامنية معاملة موضوعية بعيدة عن العاطفة ، ومن اهم القضيا الامنية التي يواجهها العراق بعد “داعش” ، وهو مصير “الدواعش” العراقيين الذين يعيشون الان بين ظهراني العراقيين.
اذا ما حاولنا ان نكون متفائلين سنقول ان هؤلاء “الدواعش” ندموا على فعلتهم وعادوا ان حضن الوطن ، وهذا التفاؤل لا يمكن ان يلغي التشاؤم الذي يرجح وجود اعداد كبيرة ل”الدواعش” من الذين لم يندموا ولم يتوبوا بل انضووا داخل خلايا نائمة تنتظر ساعة الصفر لتنقض على العراقيين مرة اخرى.
المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد السيستاني ، قد نبهت الى هذا الخطر وبشكل مفصل خلال خطبة صلاة الجمعة في 15 كانون الاول / ديسمبر ، والتي قراها ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي ، حيث حذرت من التراخي في التعامل مع خطر “داعش” المستمر ، والتغاضي عن العناصر الارهابية المستترة والخلايا النائمة التي تتربص الفرص للنيل من أمن واستقرار البلد.
واعتبرت المرجعية إن النصر على داعش لا يمثل نهاية المعركة مع الارهاب والارهابيين بل ان هذه المعركة ستستمر وتتواصل ما دام أن هناك أناساً قد ضُلّلوا فاعتنقوا الفكر المتطرف الذي لا يقبل صاحبه بالتعايش السلمي مع الآخرين ممن يختلفون معه في الرأي والعقيدة ولا يتورع عن الفتك بالمدنيين الابرياء وسبي الاطفال والنساء وتدمير البلاد للوصول الى اهدافه الخبيثة بل ويتقرب إلى الله تعالى بذلك.. فحذار من التراخي في التعامل مع هذا الخطر المستمر والتغاضي عن العناصر الارهابية المستترة والخلايا النائمة التي تتربص الفرص للنيل من أمن واستقرار البلد.
هذا التحذير من المرجعية الدينية العليا من خطر “الدواعش” ، يؤكد حقيقة ان “الدواعش” لم يُقتلوا جميعهم في المعارك ، كما لم يغادروا العراق ، على الاقل اغلبهم ، بعد ان ظل بعض العراقيين والتحق ب”داعش” وارتكب الجرائم الفظيعة بحق وطنه ومواطنيه.
المرجعية الدينية وفي ذات الخطبة تناولت هذا الموضوع والية التعامل معه ، حيث اكدت على ان مكافحة الارهاب يجب ان تتم من خلال التصدي لجذوره الفكرية والدينية وتجفيف منابعه البشرية والمالية والاعلامية ويتطلب ذلك العمل وفق خطط مهنية مدروسة لتأتي بالنتائج المطلوبة، والعمل الامني والاستخباري وإن كان يشكّل الاساس في مكافحة الارهاب الا ان من الضروري أن يقترن ذلك بالعمل التوعوي لكشف زيف وبطلان الفكر الارهابي وانحرافه عن جادة الدين الاسلامي الحنيف، متزامناً مع نشر وترويج خطاب الاعتدال والتسامح في المجتمعات التي يمكن أن تقع تحت تأثير هذا الفكر المنحرف، بالاضافة الى ضرورة العمل على تحسين الظروف المعيشية في المناطق المحررة واعادة اعمارها وتمكين اهلها النازحين من العود اليها بعزة وكرامة وضمان عدم الانتقاص من حقوقهم الدستورية وتجنب تكرار الاخطاء السابقة في التعامل معهم.
هذه كانت الخطوط العامة لخارطة الطريق التي وضعتها المرجعية الدينية العليا للتعامل مع بقايا “داعش” ، من اجل الحيلولة دون ادخال العراق مرة اخرى في اتون الفتن ، التي احرقت جميع الفرص من اجل تقدم وتطور وازدهار العراق ، وعلى الدولة العراقية ان تسترشد بهذه التعاليم تنفذها بحذافيرها ، بعد ان اكدت التجربة المعاصرة والتاريخية ، ان العراقيين لطالما تجاوزا المحن والتحديات وفي اصعب الظروف ، عندما التزاموا بإرشادات وفتاوى المرجعية الدينية ، التي كانت ومازالت حصن العراق والعراقيين على مختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية.