إن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو من العترة الطاهرة ومن شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحط علم الرسول وباب من ابواب الوحي والايمان ومعدن من معادن علم الله وبيت أهل النبوة الطاهرة الزكية. ان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، قرن هذا البيت بالقرآن الكريم – كما ورد في حديث الثقلين – وصفهم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى، ومثّلهم بباب حطّة الذي من دخله كان آمنا.
نور من علم النبوة
نشأة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)
هو سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب الحوائج إلى الله كما هو المعروف عند أهل العراق.
ولد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، یوم عشرین من شهر ذي الحجة ( أو يوم الاحد السابع من شهر صفر).
بهذه المناسبة السعيدة نتطرق إلى بعض مظاهر من شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام):
وفور علمه
لقد شهد للإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بوفور علمه، أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) إذ قال عنه: «إن ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم.» وقال ايضا: «وعنده علم الحكمة، والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج اليه الناس فيما اختلفوا من أمر دينهم.»
عبادته وتقواه
نشأ الإمام الكاظم (عليه السلام) في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة الطاعة، بالاضافة الى انه قد ورث من آبائه حب الله والايمان به والاخلاص له، فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال، فأهل البيت اساس التقوى ومعدن الايمان والعقدة، فلولاهم ماعبد الله عابد ولا وحُده موحد. وما تحقُقت فريضة ولا أقيمت سنة، ولاساغت في الإسلام شريعة.
لقد رأى الإمام (عليه السلام) جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقومات ذاته ومن عناصر شخصيته وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه حتى لقب بالعبد الصالح وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة في صلاته وصومه وحجه وتلاوته للقرآن الكريم وعتقه للعبيد و…
زهده
كان الإمام (عليه السلام) في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى الله ورغب فيما اعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدى زهده ابراهيم بن عبدالحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوى خصفة وسيف معلق ومصحف. [بحار الانوار]
لقد كان عيشه (عليه السلام) زهيدا وبيته بسيطا فلم يحتوي على شيء حتى من الامتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الامر الذي يدل على تجرده من الدنيا واعراضه عنها، على انه كانت تجبى له الاموال الطائلة والحقوق الشرعية من العالم الشيعي بالاضافة الى انه كان يملك الكثير من الاراضي الزراعية التي تدر عليه بالاموال الكثيرة وقد انفق جميع ذلك على البائسين والمحرومين في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
جوده وسخاؤه
لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام (عليه السلام) فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع اليه البائسون والمحرومون والمستضعفون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد اجمع المؤرخون انه انفق ع(عليه السلام) جميع ماعنده عليهم، كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من احد جزاءا او شكورا، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، وكان يواصل الطبقة الضعيفة ببره واحسانه وهي لاتعلم من اي جهة تصلها تلك المبرة وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار إلى الاربعمائة دينار وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان اهله يقولون:
عجبا لم اجاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر.
حلمه
وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وانما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا:
ان شخصا كان يسىء للامام (عليه السلام) ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين (عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب (عليه السلام) بغلته ومضى اليه متنكرا، فوجده في مزرعته فاقبل نحوه، فصاح به: لاتطأ زرعنا واستمر الإمام (عليه السلام) حتى وصل إليه، ولمّا انتهى جلس الى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين:
– «كم غرمت في زرعك هذا؟»
– مائة دينار.
– «كم ترجو أن تصيب منه؟»
– انا لا اعلم الغيب!!
– «انما قلت لك: كم ترجو أن يجئك منه؟»
– أرجو ان يجيئني منه مئتا دينار.
فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة دينار، وقال: «هذه لك»، وزرعك على حاله، فتغير وجه الرجل وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الإمام، وتركه (عليه السلام) ومضى إلى الجامع النبوي، فوجد الرجل قد سبقه، فلما رأى الإمام مقبلا قام اليه تكريما وانطق يعتف: «الله أعلم حيث يجعل رسالته» في من يشاء. فبادر اليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فاخذ يخاصمهم ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت الإمام (عليه السلام) إلى اصحابه قائلا: «أيّما كان خيرا؟ ما أردتم او ما أردت ان اصلح أمره بهذا المقدار؟» وكان (عليه السلام) يوصي أبناه بالتحلي بالحلم الرفيع ويامرهم بالصفح عمن أساء اليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال: «يابُنيّ: إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت فأسمع احدكم في الاذن اليمنى مكروها ثم تحوّل الى اليسرى فاعتذر لكم… إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره.»
احسانه إلى الناس
وكان الإمام (عليه السلام) بارّا بالمسلمين محسنا إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلا قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلا وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان (عليه السلام) يرى أن ادخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان فقط في إجابة المضطر ورفع الظلم عن المظلوم وقد اباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون الرشيد وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان مبرّرا له، وقد فزع اليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءا ورحمة.
من وصاياه وحكمه (عليه السلام):
أوصى بعض ولده:
1. «يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها.»
2. «إياك الكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك من الدنيا والآخرة.«
3. «إعمل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موقعه، وإن لم يكن من أهله كنت من أهله.»
***
إن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو من العترة الطاهرة ومن شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحط علم الرسول وباب من ابواب الوحي والايمان ومعدن من معادن علم الله وبيت أهل النبوة الطاهرة الزكية. ان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، قرن هذا البيت بالقرآن الكريم – كما ورد في حديث الثقلين – وصفهم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى، ومثّلهم بباب حطّة الذي من دخله كان آمنا.
وختاما راجين من الله التوفيق للسير على هدي أهل البيت (عليهم السلام) الذي يمثل النبع الصافي والهديّ الرباني السليم في ظلمات الهوى والوهم.
المصادر:
1. قناة العالم.
2. موقع قناة المنار.