و بعد وفاة كل نبي يقوم أصحاب القدرة من أمة نفس النبي بتحريف شريعة نبيهم حسب أهواءهم بصورة تدريجية عندما يرونها مخالفا لأهواءهم أو يخفونها و يصل الأمر إلى ما لا يمكن للإنسان التوصل إلى النظام الإلهي. و كان كل نبي حتى زمن خاتم الأنبياء يدعو لشريعة جديدة على أساس الشريعة الواحدة الإلهية و لكن بعد ختم النبوة و مع بعثة نبي الإسلام محمّد المصطفى صلی الله علیه و آله و سلم …
… قام بعض الناس بتحريف الشريعة لأسباب دون أن يأتي نبي جديد إلا أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان قد دعا أمته سابقا لكي تتبع الطرق التي أشار إليها و هكذا كان طالبو الحق بإمكانهم التوصل إلى الحقائق قائلا:
«انی تارک فیکم الثقلین کتاب الله و اهل بیتی ما إن تمسسکتم بهما لن تضلّوا بعدی و قد انبأنی اللطیف الخبیر انّهما لا یفترقان حتّی یردا علیّ الحوض.»1
ما تم تحريف الشريعة و إخفاءها سابقا تمت في هذه الأمة بثلاثة طرق و هي كالتالي:
1. منع ذكر الحديث
كتابة الحديث و نقله مما منع بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم و وصل الأمر إلى أن في عصر الخلفاء الثلاثة لم يستطع أحد أن يكتب كتاب لإحياء سنة النبي صلی الله علیه و آله و سلم فحسب بل أحرق كل الأحاديث الباقية من السابق بأمر الخليفة الثانية.
ان الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال:
إنكم تحدثون عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.2
قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و كانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا قالت: فغمني. فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها. فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك.3
عمر بن الخطاب بسبب إجراءاته القهرية و تصلبه ضيق الخناق على الناس كثيرا و ما كان يجرأ أحد أن يخالفه. هناك حكايات كثيرة حول سياساته و إجراءاته نشير هنا إلى بعضها :
– عن سعد بن إبراهيم عن أبيه: أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.4
– و نقل أن عمر كان يمنع الناس عن نقل الحديث بشعار «حسبنا کتاب الله». روی ابن سعد عن عبدالله بن العلاء قال: سألت القاسم بن محمّد أن یملی علیّ أحادیث، فقال:
إن الاحادیث کثرت علی عهد عمر بن خطّاب فأنشد الناس أن یاتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحریقها ثم قال: مثناة کمثناة أهل الکتاب؟!5
– قد روى شعبة وغيره عن بيان عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال:
لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال: أتدرون لم شيعتكم؟ قالوا: نعم تكرمة لنا قال: ومع ذلك أنكم تأتون أهل قرية لهم دوى بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم.6
فی «تاریخ» ابن کثیر عن ابی هریره قال: ما کنا نستطیع أن نقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتّی قبض عمر.7 بينما بعض الناس قد سمح عمر لهم لينقلوا الحديث و منهم: تمیم الداری، راهب النصرانی و کعب الاحرار، العالم المشهور الیهودی و اللذان أسلما في عصر عثمان.8
و واصل عثمان طريق الخليفتين السابقين. هو نفى أباذر إلى «ربذة» بسبب نقل أحاديث الرسول صلی الله علیه و آله و سلم9و تعرض قواته لـعمار ياسر و جرح شديدا.10
2. تشويه صورة النبي صلی الله علیه و آله و سلم
و مما فعله أصحاب القدرة من الأمة الإسلامية لتحريف الشريعة تفضل بعض الناس على النبي صلی الله علیه و آله و سلم و إظهار و إنزال شخصية النبي صلی الله علیه و آله و سلم اقل رتبة من إنسان عادي .و قد أشرنا في الأعداد السبقة غلى بعض الروايات في هذا المجال و هنا نشير إلى بعض آخر و على القراء دراسة هذا الموضوع بعمق أكثر:
– روی عن حذيفة قال: رأيتني أنا و النبي صلی الله علیه و آله و سلم نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم، فبال، فانتبذت منه، فأشار إلي فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ.11
– ينقل عن عائشة قولها:
أنَّها زفّت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يا عائشة ما کان معکم لهو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو.»12
– و هناک روایة أخری تقول: مرّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالذّین یدّکون بالـ«مدینة» و قام علیهم و کنت أنظر بین أُذُنیه و هو یقول:
خذوا یا بنی أرفده حتّی تعلم الیهود و النّصاری أنَّ فی دیننا فسحة. فجعلوا یقولون: أبوالقاسم الطیبّ!6
و جاء فی روایة عن عائشه کذلک: اذا طلع عمر، قالت: فارفضًّ النّاس عنها أو تفرّقوا خوفاً منه.13
– روی البخاری فی صحیحه و أحمد[بن حنبل] فی مسنده عن أبیهریرة ما یلی:
أُقیمت الصلاة و عدّلت الصّفوف قیاماً، فخرج إلینا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فلمّا قام فی مصّلاة ذکر أنّه جُنب. فقال لنا: «مکانکم»، ثم رجع فاغتسل، ثمّ خرج الینا و رأسه یقطر فکبرَّو فصلینا معه.14
– ینقل عن عائشه و انس مایلي: أنّ النبی صلی الله علیه و آله و سلم مرّ بقوم یلحقون. فقال: «لو لم تفعلوا لصلح؟» قال:
فخرج شیصا. فمرّ بهم فقال صلی الله علیه و آله و سلم: «ما لنخلکم؟» قالوا: قلب کذا و کذاو قال صلی الله علیه و آله و سلم: «انتم أعلم بأمر دنیاکم.»15
3. وضع الحديث
الأداة الثالث و أكثرها قدرة للذين قاموا بتحريف الشريعة المحمدية كانت وضع الحديث. يعتقد المؤرخون أن وضع الحديث بدأ باستشهاد الإمام علي علیه السلام. و في السنة التي وقع الإمام الحسن علیه السلام معاهدة السلام مع معاوية أمر معاوية قواته: أكرموا من نقل فضائل عثمان. و بالتالي بعد منع رواية الحديث حول الإمام علي علیه السلام و بالناس و بعد إكرام من كانوا ينقلون مكارم عثمان بدأ زعماء الفرق بوضع الحديث حول مكارم عثمان و من جهة أخرى كانوا يضعون أحاديث حول أهل البيت لكي يشوهوا صورتهم بين الناس.16
كتب معاویة إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان:
انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه و شفع ذلك بنسخة أخرى من اتهمتموه بمولاه هؤلاء القوم فنكلوا به و أهدموا داره.17
و في هذه الفترة بدأ أبوهريرة الذي وصفه عمر بن الخطاب كاذبا18 بوضع الحديث ضد الإمام علي علیه السلام.
قد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه و هو من أكابر المحدثين و أعلامهم في تاريخه و قال:
إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم.19
و نذكر هنا بعض هذه الأحاديث الموضوعة:
– روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی الحدیث المشهور: «انا مدینة العلم و علیٌّ بابها» و وضعوا نقيض هذه الرواية مثل ما ترون:
«أنا مدینة العلم و ابوبکر اساسُها و عمر حیطانُها و عثمان سقفها و علیٌّ بابها.»
– روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «الحسنُ و الحسین سیدا شباب اهل الجنّة.»
و وضعوا نقيض هذه الرواية مثل:
«ابوبکر و عمر سیّدا کهول اهل الجنّة.»20
و للتعرف على تحريف الدين يجب علينا التعرف على كيفيته التحريف و الأدوات المستخدمة و سنتطرق في العدد القادم إلى بعض أشهر من قاموا بوضع الحديث و جذورها و بواعث هذه الأشخاص. إنشاءالله.
الهوامش:
1. صحيح مسلم 15 / 179 – 180 ( بيروت 1981 ). مسند الإمام أحمد 4 / 366. سنن البيهقي 2 / 148 ، 7 / 30. سنن الدارمي 2 / 431. صحيح الترمذي 2 / 308.
2. ذهبی، شمس الدین، «تذکرة الحفاظ»، ج 1، ص 3.
3. المصدر السابق، ص5.
4. المصدر السابق، ص7.
5. ابوریه، «اضواء علی السنه المحمدیة أو دفاع عن الحدیث»، ص 47.
6. ذهبی، «تذکرة الحفاظ»، ص 7.
7. عسکری، «القرآن الکریم و روایات المدرستین»، ج 2، ص 419.
8. عسکری، «دور الائمّة فی احیاء الدین»، الطهران، طباعة منیر، 1382هـ.ش.، ج 1، ص 79.
9. المصدر السابق، ج 2، ص 34.
10. المصدر السابق، ج 9، ص.
11. صحيح(بخارى)37/1، باب البول عند صاحبه، و 48/2، باب البول عند سباطة قوم؛ ابن ماجه، باب ما جاء فى البول قائما305/ و 306؛ دارمى 171/1؛ صحيح(مسلم)، كتاب الطهارة73/؛ مسند(احمد)394/5 و 402؛ نسائى، باب الرخصة فى البول قائما من كتاب الطهارة؛ سنن(ابى داوود)، كتاب الطهارة 7/1؛ سنن ترمذى 30/1.
12. البخاري 7/22، باب النکاح، باب نسوة اللاتي يهدين المرأة إلي زوجها، طبعة بولاق.
13. البخاری 7/19-20، طبة بولاق.
14. البخاری 1/42 و 83، کتاب الغسل، الباب 17؛ و مسند أحمد 2/339 و 518.
15. صحیح مسلم 7/95 و 139- 142، کتاب الفضائل، باب وجوب امتثال مما قاله شرعا دون ماذکره من معایش الدنیا علی سبیل الرأی، و مسند ابن جنبل 1/162 و3/123.
16. صبحی صالح، «مباحث فی علوم القرآن»، ص 286.
17. ابن ابی الحدید، «شرح نهج البلاغه»، ج 11، صص 44- 46.
18. المصدر السابق، ج 4، ص 68.
19. ابن ابیالحدید، المصدر السابقه، ج 11، ص 46.
20. عسکري، السید مرتضی، «دور الائمّة فی احیاءالدین»، ج 2، صص 596- 597.