شهر ربيع الأوّل

هذا الشهر كاسمه ربيع الشهور، لما ظهر فيه من آثار رحمة الله جلّت آلاؤه ونزل فيه من ذخائر بركاته وأنوار جماله على الأرض، حيث اتّفق فيه ولادة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الذي يمكن أن يدّعي مدّع أنه ما نزل – منذ خلقت الأرض – عليها رحمة مثلها. فمقدار عظمة هذه الرحمة على غيرها يساوق عظم شرافة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على سائر المخلوقات. فعلى المسلم المصدّق بشرف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المراقب في معاملة مولاه، أن يعظم هذا اليوم عنده في الشرف بما لا يبلغه وصف الواصفين.

ومن المراقبة لهذا اليوم العظيم أن يعظّم الشهر كله بالمساعي الجميلة، القربات الفاخرة الجليلة، ويناجي ربّه في عيد استهلاله1 بما يناسب معرفته، بمقدار منّه الله جل جلاله عليه من جهة هذه النعمة الحاضرة الفاخرة.
ومن أهمّ أعمال هذا الشهر، الدعاء في أوله بما روي في ذلك، وبما يراه مناسباً وبما يقتضيه حاله للدخول في هذا المنزل من منازل سفره إلى ربّه، ويتبعه بالتوسل إلى خفير يومه من الأئمة والحماة في استصلاح الحال في الشهر كلّه وفي أيّامه الخاصّة بالشفاعة وطلب التوفيق.
اليوم الثامن: روي أنّه وقع فيه وفاة الإمام أبي محمد الحسن الزكيّ العسكريّ علیه السلام ، فللمراقب أن يحزن فيه لا سيّما بلحاظ أنّ صاحب المصيبة فيه حجّة عصره وإمام زمانه أرواح العالمين فداه، يزوره بما يبدو له ويعزّي الإمام علیه السلام  بما يناسبه. ثمّ يشكر الله لخلافة إمامه  ويتأثر من غيبته وفقده، ويتذكّر زمن ظهوره وفوائد أنواره، وخيره وبركته.
اليوم العاشر: تزويج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (من) خديجةh. فعل ى الشيعة تعظيم هذا الأمر لما وقع من تأثير هذا التزويج المبارك الميمون في الخيرات والبركات، وانتشرت منه الأنوار الباهرات الطاهرات، من جهات شتّى.
اليوم السابع عشر: وقد أشرنا ببعض شرافتها آنفاً ولكن لا بأس بالاشارة الاجماليّة ببعض ما طوينا ذكره.
أقول: لا يبلغ فطنة أحد من الرعية بل أغلب الأنبياء والأولياء علیهم السلام  من اكتناه فضائل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وقد يشير إلى ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في عدم احتمال كلّ نبيّ إلا المرسل منهم بعض مقامات آله المعظّمين، فضلاً عن فضائل نفسه الشريفة، كيف وهو أشرف الخلائق كلّهم وأقربهم إلى الله، وهو علّة إيجاء الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقرّبين وجميع العالمين، وهو صلی الله علیه و آله و سلم سيد الخلائق وأعلمهم، وهو العقل الأول والنور الأول، والخلق الأول، والاسم الأعظم. وهو الحجاب الأقرب، وهو طرف الممكن، وهو واسطة فيض الإله جل جلاله لجميع عالم الامكان.
وإذ فرض كونه علة إيجاد العالم، وواسطة فيض الأقدس، فلا يعقل أن يكتنه أحد العالمين معرفة صفاته وفضائله كما هي، وجميع الهدايات منسوبة إليه، وهو معلّم الملائكة، والمبعوث على أرواح الأنبياء وهو صاحب الخُلق العظيم في كتاب الله، وآله وخلفاؤه الاثنا عشر بعده أشرف الخلائق أجمعين، أولهم أمير المؤمنين علیه السلام  الذي كان مع الأنبياء باطناً ينصرهم ومعه ظاهراً، وآخرهم المهدي الذي به وعد الله النصرة لأهل الحق من الأوّلين والآخرين، وبه يكمّل التوحيد في الأرض، ويتمّ دينه حتى لا يبقى عليها دين إلا دين الله.
وهو الفاتح، وهو الخاتم، وهو الذي بشّر بنبوّته الأنبياء وبشّرت به الكتب السماويّة، كتابه مهيمن على الكتب كلها، ووصيّه سيد الأوصياء، وأمّته أفضل الأمم، وشريعته أكمل الشرائع، وسيرته أفضل السير. وهو صاحب الحوض ولواء الحمد، وهو صاحب الوسيلة والشفاعة الكبرى وهو الذي أُنزل فيه: «وَ لَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏»2 وهو المأخوذ على الأنبياء ميثاقهم، في تفضيله وتفضيل خلفائه على من سواهم، وهو الذي كان نجاة أهل البلاء من سائر الأمم بالتوسّل به وبذريّته، وهو رحمة للعالمين، حبيب إله العالمين، ولا فضيلة تبلغها وهي أمّ الفضائل.
روى أحمد بن حنبل في «مسنده»، وابن أبي ليلى في كتاب «الفردوس» وفي منهج التحقيق عن ابن خالويه يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «ان الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين من نور واحد فعصر ذالك النور عصرة فخرج شيعتنا فسبحنا فسبحو، وقدسنا فقدسو وهللنا فهللوا، ومجدنا فمجدوا، ووحدنا فوحدوا، ثم خلق الله السموات وخلق الملائكة مائة عام لاتعرف تسبيحاً ولا تقديساً، فسبحنا فسبح شيعتنا فسبت الملائكة.»
ومن مهمّات الأعمال في ذلك اليوم أولاً التوسل بحماة اليوم من المعصومين وإيداع عقله وقلبه بل تسليم كلّه بهم إلى الله تعالى مع توقّع أن يصلحوا حاله في جميع تقلّباته مع الله جل جلاله في جلب أنوار هذا اليوم وبركاته في جميع آناته، وفي جميع حركاته وسكناته وتقلّباته، فإن صدق في التوسّل والتسليم، فإنّه لا يخونه في أمانته.
وزيارته صلی الله علیه و آله و سلم وتفصيلها مرويّة في «إقبال» سيّدنا الأجل وزيارة أخيه ووصيّه عليهما الصلاة والسلام كما رواها أيضاً (قدس) في «الاقبال».
ومن المهمّات صيام ذلك اليوم شكراً وصلاة ركعتين يقرأ في كل ركعة منهما الفاتحة مرّة والقدر والإخلاص عشر مرّات، ثم يجلس في مصلاه ويدعو بالدعاء المرويّ.
ثمّ إنّ من المهمّات أن يظهر في هذا اليوم المراسم المعروفة الشرعيّة للأعياد العظيمة حتى يعرفه العوامّ والنساء والأطفال بالعيد، ولكن يعوّدهم بعمله في أعيادهم بما يوافق حقيقة العيد، كما ورد به الشرع لا ما يخالفها كما عرف من سنن الجهّال من اللعب واللهو، بل وبعض المحرّمات، فإنّ العيد عبارة عن وقت جعله ملك الملوك تعالى موسماً للإذن العام يشمل البرّ والفاجر، للحضور بين يديه، وعرض الاستكانة لديه، وإظهار مراسم العبوديّة، وإطلاق الجائزة والموهبة ولبس خلع الأمان، أخذ صكك الملك والسلطان. فحقٌّ لمن عرف ذلك أن يتدارك لحضور هذا المحضر الجليل الشريف، ويتهيّأ لكلّ ما يمكن التهيّؤ به لمثل هذا المجلس المنيف، ويتزيّن بما هو مرسوم عند أهل هذا المحفل النظيف، فإنّ لكلّ مجلس لباساً مخصوصاً وزينة يناسبه، ولباس هؤلاء لباس التقوى، وتاجهم تاج الكرامة والوقار، ولباس (أهل) هذا المجلس – في وجه – الأخلاق الحسنة وتاجهم المعارف الربّانية وتطهيرهم تطهير القلب عن الشغل بغير الله، وعطرهم ذكر الله والصلوات على رسول الله وآله الطاهرين.
ثمّ إنّه من أهمّ المهمات أن يختم يومه بالسلام على الحماة والخفراء، التضرّع إليهم في أن يشفعوا له بإصلاح (الأعمال، واستصلاح) الحال، ذي الجلال والجمال ويضمّ إلى ذلك بمناسبة الوقت تسليم الأعمال بحضرت سيد المرسلين، إن لم يكن يومه في خفارته فإنّ له حقّاً ثابتاً أيضاً في خفارة آله الطاهرين، وخلفائه المعصومين ولكن مع خجل وحياء من التقصير في أداء حقّ شكر النعمة بقدر المنّة، ومع لطف في المقال وألفاظ التضرّع والابتهال، فإنّ لذلك أثراً عظيماً في بلوغ الأعمال، واستنزال الخير من معدن الإفضال.
فتوجّه بخفير اليوم إلى الشفاعة في حضرته العزيزة، وبه صلی الله علیه و آله و سلم على عرض أعمالك إلى مقدّس! حضرة الألوهيّة من باب كرم عفوه، وتبديله السيئات بأضعافها من الحسنات، ثم قبوله ورضاه بالمكارم والعنايات، فإنّه يفعل ما يشاء، ولا يفعل ما يشاء أحد غيره، واسأله أن يزيد في توفيقك في ما بعد للجدّ والاجتهاد، في خدمة مالك العباد، والموافاة مع الرسول العماد، وآله الأمجاد، فإنّ للوفاء في أيّام الغيبة حقوقاً عظيمة في حكم العقل عند ذوي الألباب، مع السادات والأحباب.

تقویم شهر ربیع الأوّل
٭ الیوم الأول من ربیع الأوّل: لیلیة المبیت، هجرة النبي صلی الله علیه و آله و سلم من المكة إلى «المدینة».
٭ الیوم الثالث من ربیع الأوّل: يزيد يضرب الكعبة بالمنجنيق و يهدمها.
٭ الیوم الخامس من ربیع الأوّل: وفاة سکینه علیها السلام بنت الإمام الحسین علیه السلام .
٭ اليوم الثامن من ربیع الأوّل: استشهاد الإمام الحسن العسکری علیه السلام .
٭ اليوم التاسع من ربیع الأوّل: بدء إمامة الإمام المهدي علیه السلام .
٭ اليوم العاشر من ربیع الأوّل: زواج النبي صلی الله علیه و آله و سلم مع خدیجه علیها السلام.
٭ اليوم السابع عشر من ربیع الأوّل: ولادة النبي صلی الله علیه و آله و سلم؛ ولادة الإمام الصادق علیه السلام .

الهوامش:
1. في نسخة : ويناجي ربه عند استهلاله.
2. سورة الضحى، الآیة 5.

المقتبس من «المراقبات»، میرزا جواد آقا ملکی تبریزی، فی مراقبات شهر ربیع الأوّل.

شاهد أيضاً

ثقافة الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام

  قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *