أدب الإمام الرضا (ع)

یعد الامام الرضا ( ع ) واحدا من المعصومین الذین أتیح لهم أن یتحرک فکریا و أن یعقد المجالس العلمیة و المناظرات و المقابلات و أن یتتلمذ علی یده کبار العلماء و أن یشید بفضله کبار السیاسیین : من سلاطین و وزراء و روساء المذاهب و الکتاب و کل من یعنی بالشوون الثقافیة بحیث أقروا بتفرده علمیا من خلال مقابلاتهم أو اسئلتهم و تلمذتهم .

کما أن لهیمنتیه الاجتماعیة اضطر المامون أن یجبره علی ولایة العهد لاهداف سیاسیة متنوعة ومنها ما ذکر ابوالصلت الهروی من أن المامون أراد ان یقلل من قیمته اجتماعیا فیخیل الی الناس بانه ( ع ) یمیل الدنیا کما انه جلب الیه مختلف العلماء لاسقاطه علمیا إلا انه ( ع ) کان یتغلب علی ممثلی الاتجاهات من یهود و نصاری و مجوس و صابئة و براهمة و دهریین و ملحدین و فرق متخالفة إسلامیا حتی أنهم طالما کانوا یصرحون بأن الرئاسة ینبغی أن تکون له و لیست للمامون وسواه و مما جعل المأمون یحتقب ذلک فی قلبه حتی دس الیه السم فی نهایة الامر .

المهم من الزوایة العلمیة و الادبیة اتیج الامام الرضا ( ع ) کما قلنا أن یتوفر علی نتایج ضخم من خلال الاحادیث و المقالات و الخواطر و المکاتبات فضلا عن المناظرات التی کان المامون بخاصة یمهد لها أو مطلق المناظرات و المقابلات التی تستهدف الافادة منه ( ع ) حیث لاتجمعه رحلة أو جلسة أو ایة مناسبة اخری الا یطلب منه أن یتکلم و یعظ و یوضّح ما غمض من المسائل الثقافیة و الاجتماعیة مضافا الی المیدان الرئیس الذی یتحرک فیه و الفقه و التفسیر و العقائد و الاخلاق حتی أن کتبا نسبت الیه من نحو ” الفقه الرضوی ” فیما نعتقد بأن احد المولفین آنذاک : رتب خلاصة الاحادیث الفقهیة فی مختلف أبوابها و نسبها الی الامام ( ع ) بصفتها : احادیث مرویة عنه بالنص أو بالمعنی بحیث خیل لبعض بأن الکتاب من تألیفه ، بینا یغلب الظن بأن الکتاب بمثابة تقریر کتبه احد الفقهاء انذاک و ایا کان فالمهم هو أن المناخ الذی توفر الامام الرضا ( ع ) علیه علمیا ، یعد غنیا و حافلا بشتی النصوص المرتبطة بالعلوم الانسانیة و العلوم البحتة و العلوم التطبیقیة ایضا و منها :

علم الطب حیث توفر علی صیاغة رسالة فی الطب و غیره ، مما استدعی أکثر من باحث أن یولف عن نظراته فی میدان الطب الجسمی .
یعنینا من ذلک کله أن نقف عند النصوص الفنیة المأثورة عنه ( ع ) و هی نصوص تتوزع کما لحظنا عند سائر المعصومین فی احادیث و مقالات و خواطر و سواها مما سنعرض لها .

الخطاب الفنی

الخطاب الفنی هو کلمة أو خطبة أو خاطرة أو کلام مزیج من هذه الالوان الفنیة تستدعیها مناسبة خاصة و منها ما نقله بعض الرواة من أن جمعا من الناس تنالوا فی المسجد الجامع أمر ” الامامة ” فطلبوا من الامام (ع) أن یتقدم بتحدید هذه الظاهرة ، حینئذ تحدث بلغة علمیة عن مفهوم ” الامامة ” ثم اردفها بخطاب فنی یمکن أن ننسبه الی ” الخاطرة الفنیة ” حیث جاء فیها :
” الامام کالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم ، وهو بالافق حیث لاتناله الابصار و لاالایدی .
الامام البدر المنیر والسراج الزاهر و النورالطالع و النجم الهادی فی غیابات الدجی و الدلیل علی الهدی و المنجی من الردی .
الامام النار علی الیفاع ، الحار لمن اصطلی و الدلیل فی المهالک ، من فارقه فهالک .
الامام السحاب الماطر و الغیث الهاطل و السماء الظلیلة و الارض البسیطة و العین الغزیرة و الغدیر و الروضة .
الامام الامین الرفیق و الولد الشفیق و الاخ الشقیق و کالام البرة بالود الصغیر و مفزع العباد .
الامام أمین الله فی خلقه و حجته علی عباده و خلیفته فی بلاده و الداعی الی الله و الذاب عن حریم الله .

الامام مطهر من الذنوب ، مبرء من العیوب ، مخصوص بالعلم ، موسوم بالحلم و نظام الدین و عز المسلمین و غیظ المنافقین و بوار الکافرین “( تحف العقول ص 460 )

واضح من هذا النص أن الامام (ع) اتجه الی تعریف ” الامامة ” وفق لغة ” الخاطرة الفنیة ” التی تعتمد العبارات القصیرة ، الخاطفة ، الموحیة ، المشحونة بالایحاءات و بالصور الفنیة و باللغة الایقاعیة و بالصیاغة التعبیریة التی تعتمد التقابل و التماثل و التتابع و التکرار و لو دققنا النظر فیها للحظنا أولا أن ” العنصر الصوری ” یطغی فی هذه الخاطرة لهذا العنصر بشکل ملفت النظر .

فالامام هو البدر المنیر السراج الزاهر النور الطالع النجم الهادی النار علی الیفاع الحار لمن اصطلی الدلیل فی المهالک السحاب الماطر الغیث الهاطل السماء الظلیلة الارض البسیطة العین الغزیرة الغدیر و الروضة و الوالد الشفیق والخ .

لاشک ، أن القلة من النصوص التی تتمحض لشکل صوری واحد هو التمثیل و التشبیه و الاستعارة أو الرمز فالنصوص غالبا تتوزع بین أشکال صوریة مختلفة کما تقتصر علی صورة أو اکثر أما أن تتتابع الصور بالعشرات ثم تاخذ شکلا واحدا هو التمثیل فامر نادر .

بید أن الامام (ع) هو یصوغ هذا العنصر الصوری بشکله المتقدم لایصوغه کما یفعل الفنان العادی بل إن السیاق هو الذی یستدعی مثل هذاالاسترسال فی الصورة المتماثلة شکلیا فهو (ع) فی صدد تعریف بالامامة التی اختلف الناس حیال تحدیدها ، بخاصة أن اختلاط المفهومات بالنسبة لهذه الظاهرة بالذات یستدعی مثل هذا العنصر الصوری حیث إن السلاطین و اتباعهم من جانب ، تجعل الامامة ممتزجة بافکار انحرافیة تبتعد عن مفهومها الاسلامی الاصیل .
لذلک تقدم الامام أولا بشرحها علمیا حتی یزیل ما علق بها من مفهومات الانحراف ثم تقدم بتناوله فنیا و هذا هو المسوغ الفنی لأن تصبح خطبته أو کلمته ذات شکل فنی خاص یجمع بین لغة العلم و لغة الفن فی مقطعین یتکفل احدهما بتوضیح الامامة علمیا و یتکفل المقطع الاخر بتوضیحها فنیا حیث إن المقطع الفنی الذی استشهدنا به قد اعتمد عنصرا وجدانیا مقابل العنصر الفکری الذی تکفل به المقطع الاول .

ما دامت الامامة ترتبط بوجدان الناس من حیث کونها النور الذی یستضیئون به فی مختلف مجالات حیاتهم حینئذ تطلب الموقف استثمار الجانب الوجدانی عند الناس لیحدثهم بهذه اللغة الفنیة التی لحظناها و هی لغة تعتمد عنصر الصورة بخاصة عنصر التمثیل لأن التمثیل یتمیز عن غیره من صور التشبیه و الاستعارة و الرمز و غیرها بکونه تجسیما و تجسیدا للشی بعکس التشبیه الذی یقارن بین شیئین : أحدهما غیر الاخر و بعکس الاستعارة التی تخلع علی الشی سمعة شیء آخر بینما یجسد التمثیل شیئا و یجعله ذات الشی الاخر أو عین الشی الاخر احد یوحد بین الشیئین و یجعلهما شیئا واحدا .

هذا مایتناسب و مفهوم الامامة التی تحیا فی وجدان الناس فعندما یقول بان الامام هو البدر أو السراج أو الدلیل أو السحاب أو السماء أو الغدیر الخ إنما یجسمه و یجسده فی شیء تتلاشی من خلاله الفروق بین الشمس و الامام و السحاب و الامام و الغدیر و الامام و الخ .

إذن ادرکنا السرالفنی الذی یکمن وراء انتخابه (ع) لصور التمثیل دون غیرها من الصور التشبیهیة و الاستعاریة و الرمزیة و الاستدلالیة و الفرضیة و التضمینیة الخ .

کما ینبغی إن ندرک السر الفنی الذی یکمن وراء جعل الصور تتتابع بحث نواجه صور البدر و السراج و النور و النجم و النار و الدلیل و السحاب و السماء و الغیث و الارض و العین و الغدر و الروضة و الابن و الوالد و الاخ و الخ .

کل هذه الصور تتتابع بشکل ملفت للنظر مما ینبغی أن نفسرها فی ضوء متطلبات الامامة ذاتها فالامامة بصفته الظاهرة الوحیدة التی تتوقف علیها کل أنماط السلوک البشری و تحدده دنیویا و اخرویا و حینئذ لابد أن یجسد کل ظواهر الحیاة من شمس و نور و نجم و نار و سحاب و غیث و الخ .

یلاحظ أنه (ع ) لم یصغ هذه الصور استطرادا لمجرد کونها تتجانس مع معطیات الامامة بل إنه (ع) أخضعها لعمارة فنیة جمیلة جعل کل طبقة منها متجانسة فی خطوطها بعضا مع الاخر و متخالفة مع الطبقة الاخری بل جعل العمارة ذات خطوط رئیسة أو طبقات متمیزة مضافا الی طبقاتها المتوازیة فی البناء فمثلا نجده (ع) قد أفرد طبقة خاصة من هذه العمارة لتتمحض فی الحدیث عن صلة الامامة بما هو نسبی مثل قوله (ع) :

” الامام : الأمین الرفیق ؛ الوالد الشفیق ، الاخ الشقیق ، و کالام البرة بالولد الصغیر و مفزع العباد ) فهذا المقطع یمثل طبقة خاصة من عمارة النص ، مقابل الطبقات الاخری التی تتحدث عن الامامة و صلتها بمعطیات الطبیعة من شمس و نجم و سحاب الخ . حیث إن صلات الوالد و الاخ و الام و صلات نسبیة تقف مقابل صلات غیر النسبیة .

المسوغ الفنی لمثل هذه الصلات هو أن الشخصیة تفتقر الی نمطین من الرعایة الاول رعایة الاسرة من أب و أم و أخ حیث تتم النشأة الاجتماعیة من خلال الرابطة المذکورة ثم تجی ء الرعایة الثانویة من خلال الشرائح الاجتماعیة الاخری بما فیها البیئة الطبیعة من نجم و مطر و نحوهما کما هو واضح .
و اذا ترکمنا هذا التقسیم الفنی لعمارة النص ( الرعایة العائلیة و الرعایة الاجتماعیة ) اتجهنا الی ( الرعایة الاجتماعیة ) لحظنا أنها تتوزع فنیا فی طبقات مختلفة یتکفل کل مقطع بواحد منها فی احد المقاطع نواجه البدر و السراج و النور و النجم و هذه الظواهر تنتسب جمیعا الی مصدر واحد و هو الاضاءة و البدر یضیء و السراج یضیء و النور یضیء و النجم یضیء .

فی مقطع آخر نواجه : السحاب و الغیث و السماء و العین و الغدیر و الروضة و الارض و هذه الظواهر تنتسب من جانب الی أشکال متوافقة من حیث المصدر ( مثل السحاب و الغیث و العین و الغدیر ) حیث إن ظاهرة الماء هی التی تشکل عنصر متشرکا بینها لکنها من جانب آخر تنتسب الی مصدر أکثر شمولا أو لنقل أنها تشترک فی الحصیلة النهائیة التی تترتب علی الافادة من الماء إلا و هو الاثمار فالارض و الروضة و السماء تشکل عناصر مساهمة فی تشکل الاثمار و هکذا سائر المقاطع التی نطیل الحدیث عنها .

المهم أن النص الفنی یظل حافلا بعناصر مثیرة مدهشة طریفة من حیث ترکیبه الصوری بالنحو الذی لحظناه و أما من حیث عناصره البنائیة فقد امکننا ایضا ملاحظة البنیان الهندسی لهذا النص من حیث خطوطه المختلفة المتجانسة .

أما من حیث عناصره الایقاعیة و اللفظیة فان توازن العبارات و تجانس اصواتها و تقفیه فواصلها من حیث الایقاع ثم تقابل العبارات و تماثلها و تکرارها و تتابعها الخ من حیث القیم اللفظیة فأمر یمکن ملاحظته بوضوح فیما لامجال للدخول فی تفصیلاتها التی نحیلها إلی القاری لیقف عندها بنفسه حتی لانطیل الحدیث عنها .
بید إن ما ینبغی ملاحظته قبل ذلک هو أن نوضح الشکل الادبی لهذا النص الذی اقتطعنا قسما واحدا من أقسامه الثلاثة ألا و الخاطرةالصوریة .
أما القسمان الآخران فأولهما یظل حدیثا علمیا صرفا من نحو قوله (ع) :

” إن الله جل و عز ّ لم یقبض نبیه (ع) حتی أکمل له الدین ، و أنزل علیه القرآن فیه تبیان کل شی ء ” و قال عن النبی (ص) ” بین لأمته معالم دینه و أوضح لهم سبلهم و ترکهم عن قصد الحق و أقام لهم علیا (ع ) علما و اماما “

ثم تحدث عن إبراهیم و صلته بالامامة و صلة ذریته بذلک و هذا کله کما هو ملحوظ یتم وفق لغة علمیة لکنه (ع) ما أن انتهی من التحدید العلمی للامامة حتی اتجه الی تحدیدها وجدانیا کما لحظنا ذلک مفصلا .

وأما القسم الثالث من کلمته (ع) فقد جمع فیه بین الطابع العلمی و الوجدانی فقال (ع ) :

” هیهات ، هیهات ، ضلت العقول و تاهت الحلوم فکیف یوصف بکلیته أو ینعت بکیفیته أو یوجد من یقوم مقامه أو یغنی غناه و أنی و هو بحیث النجم عن أیدی المتناولین و وصف الواصفین أیظنون أنه یوجد ذلک فی غیر آل الرسول (ص) کذبتم و الله انفسهم و منتهم الاباطیل اذ ارتقوا مرتقی صعبا و منزلا دحضا و ذلت بهم الی الحضیض أقدامهم …الخ “

و الملاحظ فی هذا القسم الآخر من الکلمة أنه (ع) جمع بین اللغة الفکریة و الوجدانیة الفن فالعقول تضل و الاقدام تزل و المرتقی صعب لنلاحظ الصور الاستعاریة من جانب ، و الخطاب الوجدانی من جانب آخر فی هذه النماذج لکنه (ع) أوضح من خلال اللغة المنطقیة ما یلی أیظنون أنه یوجد ذلک فی غیر آل الرسول (ص) ؟

و الحق أن الاهمیة الفنیة لمثل هذه الکلمة أنها تشکل صیاغة خاصة ینفرد بها المعصومون علیهم السلام لا لانهم یعنون بالفن من حیث هو فن کما هو فن کما هو شأن الفنان العادی و لا لأنهم یعنون بالعلم من حیث کونه هو التعبیر المناسب لإبراز الحقائق بل انهم علیهم السلام یصوغون الحقائق وفق متطلبات السیاق الذی یفرض أن یتقدم الامام اولا بخطاب علمی یستشهد فیه بالایات القرانیة الکریمة و بسیرة الرسول ثم یتقدم بخطاب فنی صرف یشحنه بتکلم الصور التشبیهیة الطریفة لأسباب أوضحناها سابقا .

ثم یتقدم بخطاب یجمع فیه بین اللغة المباشرة و اللغة المصورة حتی یحتفظ بالسیاق التعبیری الذی فرضته المناسبة محققا بذلک شکلا تعبیریا خاصا بالنحو الذی اوضحناه .

الحدیث الفنی

مادام الحدیث الفنی یظل هو النموذج الذی یحتل مساحة ضخمة من نتاج المعصومین (ع) حینئذ یجدر بنا أن نقدم بعض نماذجه عند الامام الرضا (ع) .

– احسنوا جوار النعم فانها وحشیة ما نأت عن قوم فعادت الیهم .
– و سئل عن خیار العباد فقال ” الذین اذا احسنوا استبشروا و اذا اساووا استغفروا و اذا اعطوا شکروا و اذا غضبوا غفروا.
– الاخ الاکبر بمنزلة الاب
– الصمت باب من أبواب الحکمة .
– لایقبل الرجل ید الرجل فان قبلة یده کالصلاة له .
– لایعدم المرء دائرة السوء مع نکث الصفقة و لایعدم تعجیل العقوبة مع ادراع البغی .
– اذا اداد الله أمرا سلب العباد عقولهم ، فانفذ امره و تمت ارادته فاذا انفذ أمره رد ّ الی کل ذی عقل عقله فیقول کیف ذا ؟ و من أین ذا ؟
– لایتم عقل امریء مسلم حتی تکون فیه عشر خصال : الخیر منه مأمول ، و الشر منه مأمون ، یستکثر قلیل الخیر من غیره و یستقل کثیر الخیر من نفسه ، لایسأم من طلب الحوائج الیه و لایمل من طلب العلم طول دهره ، الفقر فی الله أحب الیه من الغنی و الذل فی الله أحب الیه من العز فی عدوه و الخمول أشهی الیه من الشهرة . لایری احدا الا قال هو خیر منی و أتقی . إنما الناس رجلان : رجل خیر منه وأتقی و رجل شر منه و أدنی فاذا لقی الذی هو شر منه و أدنی و قال لعل خیر هذا باطن و هو خیرله و خیری ظاهر و هو شر ّ لی و إذا رأی الذی هو خیر منه و أتقی تواضع له لیلحق به “
هذه النصوص تتضمن عناصر فنیة متنوعة ایقاعیا و صوریا و لفظیا ففی مستوی الایقاع نلحظ الفواصل المقفاة فی أکثر من حدیث مثل استبشروا و استغفروا و شکروا .

فی مستوی القیم اللفظیة نجد التقابل من نحو لعل ّ خیر هذا باطن و هو خیر له و خیری ظاهر و هو شر لی .
فی مستوی العنصر الصوری نجد الاستعارة مثل أحسنوا جوار النعم ، نکث الصفقة ، ادراع البغی و نجد التمثیل من نحو الصمت باب ،النعم وحشیة و نجد التشبیه من نحو کالصلاة له بمنزلة الاب و احب و اشهی و الخ .

بل نجد الصورة الواحدة مثل التشبیه تتنوع ادواتها مثل الکاف أو مایقوم مقامها مثل بمنزلة أو ماینتسب الی التشبیه المتفاوت من نحو الذل فی الله احب الیه من العز و مثل هذا التنوع فی الصورة الواحدة له مسوغاته الفنیة فیما قلنا بأن المعصوم (ع) لایصوغ صورة فنیة إلامن حیث کونها ترد فی سیاقات تفرض مثل هذه الصورة أو تلک .

حین استخدم أداة الکاف فی قوله ” إن قبلة یده کالصلاة له ” فلأن ” الکاف ” هی الاداة التی تستخدم فی التشبیه المألوف : أی ما کان طرفاه فی الدرجة المتوسطة من التماثل و هذا ما ینطبق علی تقبیل الید کالصلاة له فلأن الصلاة خشوع و التقبیل خشوع ایضا .

أما حینما استخدم أداة بمنزلة فی قوله ( ع ) الاخ الاکبر بمنزلة الاب فلأن بمنزلة هی اداة تقریب بین طرفی التشبیه بحیث ترتفع درجة التشابه إلی درجة فوق المتوسط لأن بمنزلة هی تقریب لدرجة التماثل بین الطرفین و هذا ما ینطبق علی الاخ الاکبر بصفته یلی منزلة الاب مباشرة .

و هکذا بالنسبة لتشبیه التفاوت حیث انه (ع) استخدم العبارة المعروفة فی التفاضل مثل أحب ّ بصفة أن الذل فی الله احب بالفعل من العز فی عدو الله و هو أمر لایتطلب إلا اداة التفاوت و لیس اداة المماثلة .

و هذا ما یتصل بعنصر صوری واحد مثل التشبیه و الامر نفسه فیما یتصل بعناصر الاستعارة و التمثیل فیما لاحاجة الی الاستشهاد بها و ما دمنا قد اوضحنا فی حقل سابق مسوغات هذه العناصر و صلاتها بالسیاقات التی تفرض التمثیل أو الاستعارة أو سواهما .

کذلک فیما یتصل بالعنصر الایقاعی فعندما یتجه (ع ) الی الفواصل المقفاة لم یستهدف من ذلک مجرد الجرس الفنی بقدر ما یستهدف تحدید الدلالة التی تتساوق مع هذا الجرس فالمومن یستبشر اذا عمل طاعة و یستغفر اذا عمل معصیة و یشکر عطاء الله تعالی .

فعبارات ” استبشروا ، استغفروا ، شکروا ” لم تجیء من أجل القافیة بل لأن نفس هذه العبارات ترد فی أی حدیث آخر بنفس الصیاغة الایقاعیة کلما فی الامر أن الامام (ع) جمع فی هذه الفقرة جملة من التوصیات التی صیغت بنحو تتوافق ایقاعیا لیحقق بذلک عنصر الامتاع الفنی کما هو واضح .

Check Also

ثقافة الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام

  قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *