يرجع كل سنة عدد كثير من الحجاج من السفرة الدينية و هو الحج من المكة المكرمة و المدينة المنورة بينما يعلم عدد قليل منهم لماذا حجوا و يصل تاريخ الحج إلى آلاف سنين بل يصل تاريخه إلى عصر أول إنسان على الكرة الارضية و ربما غلى قبله عندا ما كان البشر هبط إلى الأرض.
روی عن الامام الباقر علیه السلام : «إن الله تبارك و تعالى لما أراد خلق آدم علیه السلام قال للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً.» فقال ملكان من الملائكة: «أَ تَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَ يَسْفِكُ الدِّماء؟» فوقعت الحجب فيما بينهما و بين الله عزّ و جلّ و كان تبارك و تعالى نوره ظاهرا للملائكة فلما وقعت الحجب بينه و بينهما علما أنه قد سخط قولهما. فقالا للملائكة: ما حيلتنا و ما وجه توبتنا؟ فقالوا: ما نعرف لكما من التوبة إلا أن تلوذا بالعرش.
قال فلاذا بالعرش حتى أنزل الله تعالى توبتهما و رفعت الحجب فيما بينه و بينهما و أحب الله تبارك و تعالى أن يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الأرض و جعل على العباد الطواف حوله و خلق البيت المعمور في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.»1
نعم تم تشييد الكعبة قبل أن يصل أي إنسان قدماه إلى الأرض .لأن الله تعالى كان قد وضع الكعبة مكانا للعبادة قبل وصول زمن هبوط الإنسان على الأرض على الكرة الارضية لكي يلبي حاجة البشر للعبادة.
فكان آدم أول زائر لبيت الله و أول من حج.
روی عن الامام الصادق علیه السلام :
«إن الله تبارك و تعالى لما أراد أن يتوب على آدم علیه السلام أرسل إليه جبرئيل علیه السلام . فقال له: السلام عليك يا آدم! الصابر على بليته التائب عن خطيئته إن الله تبارك و تعالى بعثني إليك لأعلمك المناسك التي يريد أن يتوب عليك بها.
و أخذ جبرئيل علیه السلام بيده و انطلق به حتى أتى البيت فنزلت عليه غمامة من السماء. فقال له جبرئيل علیه السلام : خط برجلك حيث أظلك هذا الغمام ثم انطلق به حتى أتى به منى فأراه موضع مسجد منى فخطه و خط المسجد الحرام بعد ما خط مكان البيت ثم انطلق به إلى «عرفات».
فأقامه على عرفة و قال له إذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات. ففعل ذلك آدم علیه السلام و لذلك سمي عرفة؛ لأن آدم علیه السلام اعترف عليه بذنبه فجعل ذلك سنة في ولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف أبوهم و يسألون الله عز و جل التوبة كما سألها أبوهم آدم علیه السلام .
ثم أمره جبرئيل علیه السلام فأفاض عن عرفات فمر على الجبال السبعة فأمره أن يكبر على كل جبل أربع تكبيرات. ففعل ذلك آدم علیه السلام ثم انتهى به إلى جمع ثلث الليل فجمع فيها بين صلاة المغرب و بين صلاة العشاء الآخرة فلذلك سمي جمعا لأن آدم علیه السلام جمع فيها بين صلاتين فوقت العتمة في تلك الليلة ثلث الليل في ذلك الموضع.
ثم أمره أن يتبطح [ينبطح] في بطحاء جمع فاتبطح [فانبطح] حتى انفجر الصبح. ثم أمره أن يصعد على الجبل جبل جمع و أمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه سبع مرات و يسأل الله تعالى التوبة و المغفرة سبع مرات ففعل ذلك آدم علیه السلام كما أمره جبرئيل علیه السلام و إنما جعل اعترافين ليكون سنة في ولده فمن لم يدرك عرفات و أدرك جمعا فقد وفى بحجه.
فأفاض آدم علیه السلام من جمع إلى منى فبلغ منى ضحى فأمره أن يصلي ركعتين في مسجد منى ثم أمره أن يقرب إلى الله تعالى قربانا ليتقبل الله منه و يعلم أن الله قد تاب عليه و يكون سنة في ولده القربان فقرب آدم علیه السلام قربانا. فقبل الله منه قربانه و أرسل الله عز و جل نارا من السماء فقبضت قربان آدم علیه السلام .
فقال له جبرئيل علیه السلام : إن الله تبارك و تعالى قد أحسن إليك إذ علمك المناسك التي تاب عليك بها و قبل قربانك.
فاحلق رأسك تواضعا لله تعالى إذ قبل قربانك. فحلق آدم رأسه تواضعا لله تبارك و تعالى ثم أخذ جبرئيل علیه السلام بيد آدم علیه السلام فانطلق به إلى البيت فعرض له إبليس عند جمرة العقبة.
فقال له: يا آدم! أين تريد؟ قال جبرئيل علیه السلام : يا آدم! ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم علیه السلام كما أمره جبرئيل علیه السلام . فذهب إبليس ثم أخذ جبرئيل علیه السلام بيده في اليوم الثاني. فانطلق به إلى الجمرة الأولى فعرض له إبليس فقال له جبرئيل علیه السلام : ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة. ففعل آدم علیه السلام ذلك فذهب إبليس.
ثم عرض له عند الجمرة الثانية فقال له: يا آدم! أين تريد؟ فقال جبرئيل علیه السلام : ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة. ففعل ذلك آدم علیه السلام فذهب إبليس.
ثم عرض له عند الجمرة الثالثة. فقال له: يا آدم! أين تريد؟ فقال له جبرئيل علیه السلام : ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة. ففعل ذلك آدم علیه السلام فذهب إبليس ثم فعل ذلك به في اليوم الثالث و الرابع فذهب إبليس فقال له جبرئيل علیه السلام إنك لن تراه بعد مقامك هذا أبدا.
ثم انطلق به إلى البيت فأمره أن يطوف بالبيت سبع مرات ففعل ذلك آدم علیه السلام فقال له جبرئيل علیه السلام : إن الله تبارك و تعالى قد غفر لك و قبل توبتك و حلت لك زوجتك.»2
أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا علیه السلام كتب إلي محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله أن علة الحج:
«الوفادة إلى الله تعالى و طلب الزيادة و الخروج من كل ما اقترف و ليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل و ما فيه من استخراج الأموال و تعب الأبدان و حظرها عن الشهوات و اللذات و التقرب في العبادة إلى الله عز و جل و الخضوع و الاستكانة و الذل شاخصا في الحر و البرد و الأمن و الخوف دائبا في ذلك دائما و ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع و الرغبة و الرهبة إلى الله سبحانه و تعالى و منه ترك قساوة القلب و خساسة الأنفس و نسيان الذكر و انقطاع الرجاء و الأمل و تجديد الحقوق و حظر الأنفس عن الفساد و منفعة من في المشرق و المغرب و من في البر و البحر ممن يحج و ممن لا يحج من تاجر و جالب و بائع و مشتري [مشتر] و كاسب و مسكين و قضاء حوائج أهل الأطراف و المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم و علة فرض الحج مرة واحدة لأن الله تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ثم رغب أهل القوة على قدر طاعتهم.»3
الهوامش:
1. ابن بابويه، محمد بن على، علل الشرائع – قم، چاپ: اول، 1385ش / 1966م. ج2 ؛ ص402.
2. المصدر السابق، ج2، صص 400-401.
3. المصدر السابق، ج 2، ص 404.