سلیمان النبی علیه السلام
إن كل الأنبياء كانوا يحددون أوصياء لهم بأمر الله تعالى لكي يسلموهم أمر النبوة كما ليورثوا لهم بعض أدوات الرسالة لهم كالمعجزات و القرات الخاصة.و أما بالنسبة لـداود علیه السلام و سليمان علیه السلام كان الأمر مختلفا و ورث سليمان الملك عن أبيه إضافة على النبوة ميزات كالحكم بين الناس و التكلم مع الطيور.
کما قالالله تعالی فی کتابه:
«وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبينُ»1
إن في قضية اصطفاء سليمان علیه السلام لأمر الوصاية نقاط مهم و ملفتتة للنظر.
عن رسول الله علیه السلام :
«إن داود علیه السلام أراد أن يستخلف سليمان علیه السلام لأن الله عز و جل أوحى إليه يأمره بذلك فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك و قالوا يستخلف علينا حدثا و فينا من هو أكبر منه فدعا أسباط بنيإسرائيل فقال لهم قد بلغني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الأمر من بعدي فقالوا رضينا فقال ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه فكتبوه. ثم جاء سليمان علیه السلام بعصاه فكتب عليها اسمه ثم أدخلت بيتا و أغلق الباب و حرسته رءوس أسباط بنيإسرائيل.
فلما أصبح صلى بهم الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم و قد أورقت و عصا سليمان قد أثمرت فسلموا ذلك لداود علیه السلام فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له علیه السلام : «يا بني! أي شيء أبرد؟»
قال علیه السلام : «عفو الله عن الناس و عفو الناس بعضهم عن بعض.»
قال علیه السلام : «يا بني! فأي شيء أحلى؟»
قال علیه السلام : «المحبة؛ و هو روح الله في عباده.»
فافتر داود علیه السلام ضاحكا. فسار به في بني إسرائيل فقال: «هذا خليفتي فيكم من بعدي.»2
إن سليمان علیه السلام بعد أن وصل إلى مقام الوصاية عاش مدة بين بني إسرائيل بصورة خفية بأمر من الله. قال الرسول الاکرم علیه السلام :
«أخفى سليمان بعد ذلك أمره و تزوج بامرأة و استتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر. ثم إن امرأته قالت له ذات يوم:
بأبي أنت و أمي! ما أكمل خصالك و أطيب ريحك و لا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مئونة أبي. فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك.
فقال لها سليمان علیه السلام : «إني و الله ما عملت عملا قط و لا أحسنه.»
فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا. فقال لها: «ما أصبت شيئا.»
قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا.
فلما كان من الغد، خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء و رجع. فأخبرها. فقالت له: يكون غدا إن شاء الله.
فلما كان من اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له علیه السلام : «هل لك أن أعينك و تعطينا شيئا؟»
قال: نعم. فأعانه.
فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما و حمد الله عز و جل. ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصره في ثوبه فحمد الله و أصلح السمكتين و جاء بهما إلى منزله.
ففرحت امرأته بذلك و قالت له: إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت.
فدعاهما فأكلا معه فلما فرغوا، قال لهم: «هل تعرفوني؟»
قالوا: لا و الله إلا أنا لم نر إلا خيرا منك.
فأخرج خاتمه فلبسه فحن عليه الطير و الريح و غشيه الملك و حمل الجارية و أبويها إلى بلاد إصطخر و اجتمعت إليه الشيعة و استبشروا به ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته…»3
فكان ظهور سليمان علیه السلام متزامنا مع ملك فريد يعبر عنه بملك سليمان و فيه كان أشرار الأجنى في خدمة سليمان علیه السلام فلا يسعنا هنا دراسة الجوانب المختلفة لهذا الحكم.
قال الله تعالی:
«وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْري بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتي بارَكْنا فيها وَ كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمينَ، وَ مِنَ الشَّياطينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَ كُنَّا لَهُمْ حافِظينَ.»4
و:
«وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُون»5
فذاق سليمان علیه السلام الموت كأي إنسان آخر: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْت»6 روی عن الامام الصادق علیه السلام :
«إن الله تعالى أوحى إلى سليمان علیه السلام أن آية موتك أن شجرة تخرج في بيت المقدس. يقال لها الخرنوبة. قال فنظر سليمان علیه السلام يوما إلى شجرة قد طلعت في بيت المقدس. فقال لها سليمان: ما اسمك؟ فقالت: الخرنوبة. فولى مدبرا إلى محرابه حتى قام فيه متكئا على عصاه فقبضه الله من ساعته فجعلت الإنس و الجن يخدمونه كما كانوا من قبل و هم يظنون أنه حيّ حتى دبت الأرضة في عصاه فأكلت منسأته و وقع سليمان إلى الأرض.»7
فلما حضرت سلیمان علیه السلام الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى.8
فلما حضرت سلیمان علیه السلام الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى.8 إن آصف بن برخيا هو العالم الذي أتى بعرش بلقيس في طرفة عين عند ما دخلت ملكة سبأ قصر سليمان علیه السلام .
و في القسم الآتي نتطرق إلى عصر الانحطاط إلى يوم ظهور عيسى علیه السلام . إن شاء الله.
الهوامش:
1. سورة النمل، الآیة 16.
2. ابن بابويه، محمد بن على، كمال الدين و تمام النعمة – تهران، چاپ: دوم، 1395ق. ج1 ؛ ص156-157.
3. المصدر السابق.
4. سورة الانبیاء، الآیة 81- 82.
5. سورة النمل، الآیة 17.
6. سورة العنکبوت، الآیة 57.
7. قطب الدين راوندى، سعيد بن هبة الله، قصص الأنبياء عليهم السلام (للراوندي) – مشهد، چاپ: اول، 1409 ق. ص209.
8. ابن بابويه، محمد بن على، كمال الدين و تمام النعمة، المصدر السابق.