بعض الناس يتصورون أن الإمام الحسن علیه السلام سبط النبي علیه السلام بما أنه وقع معاهدة الصلح مع معاوية ما كان يعرف فنون الحرب و لكنهم لا يعرفون أن الصلح في مكانه كان أفضل حل و في نفس الوقت الحرب في ميادين الحرب صحيح في مكانه.لو لم تكن شجاعة الحسن بن علي علیه السلام في ساحات الحرب في معركة الجمل لم تنته هذه المعركة و لم ينته الخلاف و التفرقة بين المسلمين .
دعا أمير المؤمنين علیه السلام محمد بن الحنفية يوم الجمل. فأعطاه رمحه و قال له علیه السلام : «اقصد بهذا الرمح قصد الجمل.» فذهب فمنعوه بنو ضبة. فلما رجع إلى والده انتزع الحسن علیه السلام رمحه من يده و قصد قصد الجمل و طعنه برمحه و رجع إلى والده و على رمحه أثر الدم. فتمعر وجه محمّد من ذلك. فقال أمير المؤمنين علیه السلام : «لا تأنف فإنه ابن النبي و أنت ابن علي.»1
نعم هو ابن من كان الناس يلجأون إليه عند شدة المعارك بسبب شجاعته.2
الإمام الحسن علیه السلام كان المساند لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في حربه مع معاوية عند الصفين و هو الذي كان يحث الناس للحرب مع معاوية عندما خاطب الناس قبل الحرب قائلا:
«الحمد لله لا إله غيره وحده لا شريك له و أثنى عليه بما هو أهله.»
ثم قال علیه السلام :
«إن مما عظم الله عليكم من حقه و أسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره و لا يؤدى شكره و لا يبلغه صفة و لا قول و نحن إنما غضبنا لله و لكم فإنه من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه و بلاءه و نعماءه قولا يصعد إلى الله فيه الرضا و تنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا و نستوجب فيه المزيد من ربنا قولا يزيد و لا يبيد فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم و استحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية و جنوده. فإنه قد حضر و لا تخاذلوا فإن الخذلان يقطع نياط القلوب و إن الإقدام على الأسنة نجدة و عصمة لأنه لم يمتنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة و كفاهم جوائح الذلة و هداهم إلى معالم الملة.»3
و كان الحماس الحربي للحسن بن علي علیه السلام عاليا بحيث يضب الأعداء في ساحة المعركة جنبا إلى جنب الإمام الحسين علیه السلام ليغير مصيرالحرب و لكي ينتصر الحق. حتّی الامام العلیّ علیه السلام قد رأى الحسن ابنه علیه السلام يتسرع إلى الحرب و قال:
«املكوا عني هذا الغلام لا يهدني. فإنني أنفس بهذين – يعني الحسن و الحسين- على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله علیه السلام .»4
يجب علينا أن نفكر ماذا حصل حتى اضطر ابن الرسول علیه السلام توقيع معاهدة الصلح مع عدو الإسلام؟ قال حسن بن علی علیه السلام عبیدالله بن عبّاس: «و تزعم أنی سلمت الأمر و کیف یکون ذلک. ویحک کذلک و انا اشجع العرب و قد ولدتنی فاطمة سیدة نساء العالمین لم افعل ذلک. ویحک جبنا و لا ضعفا ولکنه بایعنی مثلک و هو یطلبنی بترة و یداجینی المودّة و لم أثق بنصرته.»5
و روی عنه: «إني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم و الله تعالى كل يوم هو في شأن»6 و «إنما هادنت حقنا للدماء و صیانه و اشفاقا علی نفسی و أهلی و المخلصین من أصحابی.»7
سبب الصلح أي كان ففيه حكمة و من البديهي أن سبب توقيع معاهدة الصلح ما كان خوف الإمام الحسن عليه السلام و من الحرب و جهله الفنون الحربية. قال حسن بن علی علیه السلام :
«…علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله علیه السلام لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية. أولئك كفار بالتنزيل و معاوية و أصحابه كفار بالتأويل… إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا.
أ لا ترى الخضر علیه السلام لما خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسى علیه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه و لو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.»8
الهوامش:
1. ابن شهر آشوب مازندرانى، محمّد بن على، «مناقب آل أبي طالب» القم، طبع اول، 1379 ق.، ج4، ص21.
2.قال الامام علی علیه السلام : «كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله ص فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه.» (ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، «شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد»، القم، طبع اوّل، 1404ق.، ج19، ص116.)
3. نصر بن مزاحم، «وقعة صفين»، القم، طبع ثاني، 1404 ق.، ص113- 114.
4. ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، المصدر السابق، ج11، ص 25.
5. قرشی، باقر شریف، «حیاة الامام الحسن بن علی علیه السلام دراسة و تحلیل»، البیروت، دارالبلاغه، ج 2، ص 273.
6. ابن شهر آشوب مازندرانى، محمد بن على، المصدر السابق، ج4، ص35.
7. البحراني الاصفهاني، عبد الله بن نور الله، عوالم العلوم، ج 16، صص 170- 169.
8. ابن بابويه، محمد بن على، «علل الشرائع»، القم، طبع اوّل، 1966م.، ج1، ص211.