محمد عيدان العبادي
بعد قرون عجاف من الاستضعاف يأتي المن الإلهي (وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ).
في تفسير علي بن ابراهيم في روايته عن الباقر عليه السلام في معنى الآية (أَنَّ…
بعد قرون عجاف من الاستضعاف يأتي المن الإلهي (وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ).
في تفسير علي بن ابراهيم في روايته عن الباقر عليه السلام في معنى الآية (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ), قال: القائم عليه السلام وأصحابه).
سيقوم الإمام عليه السلام ببعث الحياة في نفوس الناس بعد أنْ دبّ فيهم الخوف, وسرى في مجرى عروقهم من جراء الظلم الفادح الذي لحق بهم من حكام الجور والطغيان.
أما وقد عاد الأمر الى نصابه وأربابه, والبناء الى رصه وأساسه, فإنّ الإمام عليه السلام سوف يقوم بتوزيع المسؤوليات وتعيين الصالحين في إدارة البلدان, أو الأقاليم (إذا قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً, فيقول له: عهدك في كفك وأعمل بما ترى).
إنّ هؤلاء الأصحاب المبعوثين الى آفاق الأرض سيقومون بمهام جسام في إقامة أحكام الإسلام دون فتور أو قصور. فهم أقوياء أشداء في تنفيذ كل الأوامر الإلهية التي أدرجها الإمام في العهد الذي بحوزتهم, حيث قد يكون كالعهد الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر النخعي، أو أنّ وسيلة اتصال بأيديهم يستفتون بها الإمام فيما يعرض لهم من الأمور الضرورية, أو أمر آخر.
وعبارة (وأعمل بما ترى) ليس بمعنى الرأي الشخصي؛ بل بما ترى من أحكام الإسلام. وربما تكون لبعض الحوادث الواقعة أكثر من مادة قانونية, أو تشريعية، وممثلو الامام في الأقاليم لهم حق اختيار التشريع الذي يرونه مناسباً (عهدك في كفك وأعمل بما ترى) وهنا اشارة ضمنية الى الحرية في اتخاذ القرارت على ضوء فضاء التشريع الإسلامي الرحب.
وسيعمل الإمام عليه السلام ومندوبوه في أطراف الأرض بكامل الهمة والإخلاص في سبيل ترتيب أوضاع الأمصار عن طريق تقديم الخدمات المختلفة، ليعم الصلاح والاستقامة في كل مرافق الحياة، (عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ) فهذه لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر الأئمة، والمهدي عليه السلام وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر (به) الدين ويميت الله به أصحابه البدع والباطل كما أمات السفهاء الحق حتى لا يرى أين الظلم, ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
تمليك الله تعالى الأرض للإمام عليه السلام وأصحابه ليس باستخدامهم القوة واخضاع الناس لهم، بل بما يراه الناس من الإحسان والتقوى, وحسن الصنيع منهم، بحيث يؤثر ذلك في قلوبهم, ويأخذ بتلابيب نفوسهم إلى الطمأنينة والثقة بما أولوه من الجميل, وأنبتوه من الطيب في كل موضع قرار.
فهؤلاء الرجال الصالحون يعيشون حالة استنفار قصوى في كل مرتع خير, أو مظنة للصلاح, فلا عجب في أنْ (يظهر (به) الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل).