ما روي عَن مولانا صاحبِ الزَّمان «عليه وعلى آبائه أفضَلُ الصلاة والسلام»

أخبرَني الشيخ أبو القاسم عليُّ بن محمّد بن محمّد المفيد رضى الله عنه ، قال: حدَّثَ أبو محمّدِ هارونُ بن موسى التلعكبريّ رحمه الله ، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ محمّدُ بن هشامٍ ۱ قالَ حدّثنا محمّدُ بنُ جعفرِ بنِ عبدِ اللّه ، قالَ: حَدَّثني أبو نعيمٍ مُحمَّدُ بنُ أحمَدَ الأنصاريّ ، قالَ :
كُنتُ حاضِراً عِندَ المُستجارِ بِمَكَّةَ ، وجَماعةٌ يَطوفونَ بِها ۲ زُهاءَ ثَلاثينَ رَجُلاً لَم يَكُن فيهم مُخلِصٌ غَيرَ مُحمَّدِ بنِ القاسِمِ العلويّ، فَبَينا نَحنُ كَذلكَ في اليومِ السادسِ مِن ذي الحَجَّةِ مِن سَنَةِ ثَلاثٍ وتِسعين ومائتَينِ ، إذ خَرَجَ عَلَينا شابٌّ مِنَ الطَّوافِ عَلَيهِ إزارٌ ناصِعٌ ۳ مُحرِماً فيهِ ، وفي رِجلَيهِ نَعلانِ.
فَلَمّا رأيناهُ قُمنا هَيبةً لَهُ وإجلالاً ، فَلَم يَبقَ مِنّا أحَدٌ إلّا قامَ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، حَتّى جَلَسَ مُتَوَسِّطاً ونَحنُ حَولَهُ ، ثُمَّ التَفَتَ يَميناً وشَمالاً ، فَقالَ: أتدرونَ ما كانَ أبو عبدِ اللّهِ عليه السلام يَقولُ في دُعاءِ الإلحاحِ؟ فَقُلنا: وما كانَ يَقولُ؟ قالَ: كانَ يَقولُ: اللُّهمّ إنّي أسألُكَ باسمِكَ الذي بِهِ تَقوُم السَّماءُ ، وبِهِ تَقومُ الأرضُ ، وبِهِ تَفرُقُ بَينَ الحَقِّ والباطِلِ ، وبِهِ تَجمَعُ بَينَ المُتَفَرِّقِ، وبِهِ تُفَرِّقُ بَينَ المُجتَمِعِ ، وقَد أحصيتَ بِهِ عَدَدَ الرِّمالِ ، وزِنَةَ الجِبالِ ، وكَيلَ البِحارِ، أن تُصَلِّي على محمّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَجعَلَ لي مِن أمري فَرَجا ومَخرَجا.
قالَ : ثمّ نَهَضَ ، ودَخَلَ الطَّوافَ ، فَقُمنا لِقيامِهِ حَتّى انصرَفَ ، وأُنسينا أن نَذكُرَ أمرَهُ ، وأن نَقولُ: مَن هُوَ؟ وأيُّ شيءٍ هُوَ؟ إلى الغدِ في ذلك الوَقتِ ، فَخَرَجَ عَلَينا مِنَ الطَّوافِ ، فَقُمنا لَهُ كَما قُمنا بالأمسِ ، وجَلَسَ مَجلِسَهُ مُنبَسِطاً ، ونَظَرَ يَميناً وشَمالاً ، وقالَ : أتدرونَ ما كانَ يقولُ أميرُ المؤمنين عليه السلام بَعدَ صلاتِهِ؟ قُلنا: وما كانَ يَقولُ؟ قالَ: كانَ يَقولُ: إلَيكَ رُفِعَتِ الأصواتُ ، ولَك عَنَتِ الوُجوهُ ، ولَكَ خَضَعَتِ الرِّقابُ، وإلَيكَ التَّحاكُم ۴ في الأعمالِ ، ياخَيرَ مَن سُئل ، وخَيرَ مَن أعطى، يا صادِقُ، يا بارُّ، يا مَن لا يُخلِفُ الميعادَ ، يامَن أمَرَ بِالدُّعاءِ ، وَوَعَدَ بالإجابةِ ، يا مَن قالَ : «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ» ۵ يا مَن قال «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» ۶ يا مَن قالَ : «قُلْ يَـعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ» ۷ ؛ لَبَّيكَ وَسعدَيكَ ، ها أنا بَينَ يدَيكَ المُسرِفُ وأنتَ القائلُ : «لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ» ۸ «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . ۹
ثُمَّ نَظَرَ يَميناً وشِمالاً بَعدَ هذا الدعاءِ ، وقالَ : أتدرونَ ما كانَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام يَقولُ في سَجدةِ الشُّكرِ؟ قُلنا: ما كان يقولُ؟ قال: كان يقول: يا مَن لا يزيدُهُ إلحاحُ المُلِحِّين إلّا جودا وكَرَما ، يامَن لا يَزيدُهُ كَثرةُ الدُّعاءِ إلّا سَعَةً وعَطاءً ، يا مَن لاتَنفَدُ خَزائنُهُ ، يامَن لَهُ خزائنُ
السَّماواتِ والأرضِ، يا مَن لَهُ خَزائنُ ما دَقَّ وجَلَّ، إلهي لا تَمنَعُكَ إساءَتي مِن إحسانك أن تَفعَلَ بي ما أنَت أهلُهُ، فَأنتَ أهلُ الجودِ والكَرَمِ والتَّجاوُزِ ، يا رَبِّ، يا أللّه ، لا تَفعلُ بي ما أنا أهلُهُ ؛ فإنّي أهلُ العُقوبةِ قَد استَحقَقتُها لاحجّةَ لي ، ولاعُذرَ لي عِندكَ ، أبوءُ لَكَ بِذُنوبي كُلِّها كَي تَعفُوَ عَنِّي ، وأنتَ أعلَمُ بِها مِنّي ، وأبوءُ لَكَ بِكُلِّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ ، وبِكُلِّ خَطيئةٍ أخطأتُها ، وَكُلِّ سَيّئةٍ عَمِلتُها، رَبِّ اغفِر وارحَم وتَجاوَز عَمّا تَعلَم ، إنّك أنتَ الأعَزُّ الأكرَمُ). ۱۰
وقامَ فَدَخَلَ الطَّوافَ فَقُمنا لِقيامِهِ ، وعَادَ مِنَ الغَدِ في (ذلكَ) الوَقتِ ، فَفَعلنا كَفِعلنا فيما مَضى ، فَجَلَس مَجلِسَهُ مُتَوَسِّطاً ، ونَظَرَ يَميناً وشِمالاً وقالَ : كانَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ عليه السلام يَقولُ في سُجودِهِ في هذا الموضِعِ ـ وأشارَ بِيَدِهِ إلى الحَجَرِ تَحتَ المِيزابِ ـ (عُبَيدُكَ بِفِنائكَ ، فَقِيرِكَ بِفِنائِكَ ، مِسكينُكَ بِفِنائكَ (سائِلُكَ بِفِنائكَ) يَسألُكَ ما لا يَقدِرُ عَلَيهِ غَيرُكَ).
ثُمَّ نُظَرَ يَميناً وشِمالاً ونَظَرَ إلى مُحمّدَ بنِ القاسمِ العَلَويّ وقالَ : يا مُحمَّدُ : أنتَ على خَيرٍ إن شاءَ اللّهُ ـ وكانَ مُحمَّدُ بنُ القاسِمِ يَقولُ بِهذا الأمرِ ـ وقامَ فَدَخَلَ الطَّوافَ ؛ فَما بَقيَ أحدٌ مِنّا إلّا وأُلهِمَ ما ذَكَرَ مِنَ الدُّعاءِ ، وأُنسينا أن نَذكُرَ أمرَهُ إلّا في آخِرِ يَومٍ فَقالَ بَعضُنا : يا قَومِ أتَعرِفونَ هذا الرَّجُلَ؟ قالَ : مُحمَّدُ بنُ القاسِمِ : هذا واللّهِ صاحبُ زَمانِكَ عليه السلام فَقُلنا : كَيفَ يا أبا عَليٍّ؟ فَذَكَرَ أنّهُ مُنذُ سَبعِ سِنينَ يَسألُ اللّهَ تَعالى ويَدعوهُ أن يُرِيَهُ صاحِبَ الزمانِ عليه السلام ، قالَ: فَبَينَما نَحنُ عَشِيَّةَ عَرَفةَ ، فإذا أنا بِالرَّجُلِ بِعَينِهِ يَدعو بِدُعاءِ عَرَفَةَ ، وعَرَفتُهُ وسألتُهُ مِمَّن هُوَ؟ فَقالَ : مِنَ النّاسِ.
فَقُلتُ : مِنّ أيِّ النّاسِ؟ مِن عَرَبِها أو مِن مَواليها؟ فَقالَ : مِن عَرَبِها.
فَقُلتُ : مِن أيِّ عَرَبِها؟ فَقالَ : مِن أشرَفِها.
فَقُلت: مَن هُمَ؟ [قال] مِن بَني هاشِمٍ.
قُلتُ : مِن أيّ بني هاشمٍ؟ قالَ: من أعلاها ذُروَةً ، وأسناها رُتبةً.
فَقُلتُ : مِمَّنَ هُم؟ قالَ : مِمَّن فَلَقَ الهامَ ، وأطعَمَ الطَّعامَ ، وصَلَّى بِاللَّيلِ والناسُ نِيّامٌ.
فَعَلِمتُ أنّهُ عَلَويٌّ ، فأحبَبَتُه على العَلَوِيّةِ ، ثُمّ فَقَدتُهُ مِن بَينِ يَدي، فَلَم أدرِ كَيفَ مَضى! فَسألتُ عَنهُ القومَ الَّذينَ كانوا حَولي: أتَعرِفونَ هذا العَلَوِيَّ؟ فقالوا: نَعَم ، يَحُجُّ مَعَنا كُلُّ سَنَةٍ ماشِيا.
فَقُلتُ : سُبحانَ اللّه ! واللّه ما أرى بِهِ أثَرُ مَشيٍ! وانصرَفتُ إلى المُزدَلِفةِ كَئيباً حَزيناً على فِراقِهِ ، فَنِمتُ لَيلَتي تِلك ، فرأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله فقال لي: يا محمّد، أرأيتَ طَلِبَتَكَ؟ فَقُلتُ : مَن ذلك يا سيّدي؟ فقال: الَّذي رَأيتَهُ عَشِيَّتَكَ هُو صاحب زمانك.
فَلمّا سَمِعنا ذلكَ مِنهُ عاتَبناه على أن لا يكون أعَلَمنا (ذلكَ)، فَذَكَرَ أنّه كانَ يَنسى أمرَهُ إلى الوَقت الَّذي حدَّثنا فيه. ۱۱

قال الحُسينُ بن محمّد بن الحَسَنِ ـ لَمّا انتهى إلى هذا الفصل من كتابه ـ : إلهي أنتَ العالِمُ بِحَرَكاتِ الأعيُنِ ، وخَطَراتِ الألسُنِ ومُضمَراتِ القُلوبِ ومَحجوباتِ الغُيوبِ ، إن كُنتَ تَعلَمُ أنّني أردتُ بِجَمعِ ما في هذا الكتاب مَرجوَّ ثوابِكَ ، وأشفَقتُ من مَخشيِّ عِقابِكَ، فَصَلِّ على نَبِيِّكَ نَبيِّ الرَّحمةِ مُحمَّدٍ وآلِهِ الطاهرينَ ، اغفِر لي ذُنوبي كُلَّها صَغيرَها وكَبيرَها ، واجعَل هؤلاءِ السادةَ الأبرارَ ، والأئمّةَ الأخيار شُفَعائي إليكَ يومَ عَرضي عليكَ ، بِرحمَتك يا أرحمَ الراحمينَ.
هذا آخِرُ الكتابِ، وبِهِ تَمَّ الغَرَضُ الَّذي قَصَدتُه مِن إثبات طَرَفٍ مِن كَلامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولُمَعٍ مِن كَلامِ أميرِ المؤمنينَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ والأئمّةِ مِن وُلدِهِ عليهم السلام حَسبِ ماكُنتُ شَرطتُهُ مِنَ الإيجازِ ؛ فَمَن آثَرَ زِيادةً التَمَسها مِنَ الكُتُبِ التي رواها الثُّقاتُ مِن أهلِ العَدلِ عَنهُم ؛ فَإنَّهُ يِجدُ فيها ما تَسمو إليهِ هِمَّتُهُ.
عَلى أنّ الذي أوردتُهُ فيهِ تبصِرةُ المُبتَدي وتَذِكرةُ المنتهي ، وكفى عَن كُتُبِ ابنِ المُقَفَّعِ وعليِّ بن عُبَيدة الرِّيحاني وسهلِ بن هارونَ وغيرِهم.
ومَن تَصَفَّحَ كُتُبَ الرَّيحاني ورسائِلَهُ عَرَف أنّ جميعَها منقولةً مِن خُطَبِهِم ورَسائلِهِم ومَواعِظِهِم وحِكَمِهِم وآدابِهِم صَلَواتُ اللّه عَلَيهِم.
ولَو وُفِّقَ هذا الفاضلُ ونَسَبَ كَلامَ كُلِّ إمامٍ إليهِ لَكانَ أوفى لأجرِهِ ، وأبقى بِذِكرهِ أيّاها، وصلّى اللّه على محمّد رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله (تمّ الكتابُ ، والحمدُ للّهِ أولاً وآخراً).

1. قال : حدَّثَني جَعفرُ بنُ محمّدِ بنِ مالِكٍ البَزّاكِ . كذا ولم نعثر على «البزّاك» في كتب الرجال والظاهر بقرينة وقوع التعلكبري في السند أنّ «هشام» تصحيف «همام» و«البزّاك» تصحيف «الفزاريّ» ويؤيّد هذا الاحتمال، طريق الرواية الموجود في كتاب «دلائل الامامة»: ص ۵۴۲ ، ح ۵۲۳، فراجع.

2.. أثبتناه من «ب».

3.. وفي «أ» : تاختج و في «ب» : ناضح.

4.. وفي «أ» : يحتكم.

5.. غافر : ۶۰.

6.. البقرة : ۱۸۶.

7.. الزمر : ۵۳.

8.. وتمّت النسخة «أ» عند هذه الكلمة.

9.. كمال الدين : ص ۴۷۰ ح ۲۴، الغيبة للطوسي : ص ۲۵۹ ح ۲۲۷، دلائل الإمامة : ص ۵۴۲ ح ۵۲۳.

شاهد أيضاً

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

بن غفير: زعيم الإرهاب قائدا للأمن!

الاخبار – القدس العربي: قام جندي إسرائيلي بتهديد نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين كانوا يتضامنون مع أهالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *