كان الوصول إلى أسماء القرى الفلسطينية التي كانت قائمة حتى عام 1948 مهمة صعبة.. لكن الأمر لم يعد كذلك مع تحميل تطبيق “آي نكبة – الأرض غير المرئية” على أجهزة الهواتف الذكية، ما يعني أن هذه الذكرى باتت مدرجة على أجهزة الثورة الرقمية.
وما إن تقوم بتحميل التطبيق، وهو مجاني، حتى تظهر أمامك خارطة “إسرائيل” مغطاة بمئات النقاط ذات لون بني كلٌ منها يشير إلى قرية عربية أُزيلت عام 48، بحسب ما رصده مراسل الأناضول.
وأطلقت مؤسسة “ذاكرات” (زوخروت باللغة العبرية)، وهي غير حكومية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، هذا التطبيق قبل عام على نظام تشغيل “آي أو أس” لهواتف “آيفون” قبل أن تطوره وتطلقه على أنظمة تشغيل “أندرويد” لهواتف “سامسونج” في فبراير/شباط الماضي.
هذا التطبيق يقدم شرحًا وافيًا عن كل قرية، بدءًا بعدد سكانها قبل عام 1948، وتاريخ احتلالها، والمستوطنات التي أقيمت على أنقاضها، وصولاً إلى شرح وافٍ عن تاريخها وصورة لها أو أحد منازلها قبل ذلك العام.
فمثلا حتى 23 مايو/آيار 1948 كان عدد سكان بلدة الطنطورة في قضاء حيفا (شمال) 1730 شخصًا تم تهجيرهم، ولم يتبق في المكان منذ ذلك الحين إلا مقام، وقلعة، وبئر قديمة، وبضعة منازل، فيما ينتشر الكثير من شجر النخيل، وبعض نبات الصبار في أنحاء الموقع الذي تحول إلى متنزه إسرائيلي يضم بعض المسابح، كما يظهر في تطبيق “آي نكبة”.
وتظهر المعلومات المتوفرة على التطبيق عن هذه البلدة أنه “في يونيو/حزيران 1948، أنشأ المهاجرون الصهاينة القادمون من الولايات المتحدة وبولندا كيبوتساً (تجمع سكاني) على أراضي البلدة”.
هذا التطبيق يوفر معلومات مشابهة عن مئات البلدات العربية كما جاءت في كتاب “كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها” لمؤلفه وليد الخالدي، والصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1997.
ويقدم التطبيق هذه المعلومات باللغات الثلاث: العربية، والإنجليزية، والعبرية.
وتم استخدام اسم “آي نكبة” لهذا التطبيق، لأنه اُستخدم أولاً في أجهزة هاتف “آي فون” الذكية.
وتقول مؤسسة “ذاكرات”، على موقعها الإلكتروني، إن “التطبيق يضم خرائط تشمل معالم البلدات الفِلَسطينية التي تمّ هدمها وتغييبها تمامًا بعد احتلالها، والتي تمّ هدمها جزئيًّا، أو حتى التي بقيت على ما هي عليه، في حين تمّ طرد أهاليها”.
كما “يضمّ التطبيق معلومات تاريخية، ولقطات ﭬـيديو، وصورًا عن هذه البلدات. والتطبيق تفاعليّ ويمكّن المشاركين من طرح (تحميل) صور من البلدات المهدومة، والمشاركة بمشاعرهم، ومتابعة التحديثات عن بلدات مختارة”، وفقا للمؤسسة.
ويستخدم “آي نكبة” خاصية الخرائط في موقع “غوغل”، وتطبيق “ويز” للملاحة، لتمكين مستخدميه إن كانوا يقودون سياراتهم من الوصول إلى القرى المدمرة.
وبتشغيل التطبيق في الطريق من القدس إلى تل أبيب، كما فعل مراسل الأناضول، تظهر قرى “لفتا”، و”دير ياسين”، و”قالونيا”، و”القسطل”، و”خربة العمور”، و”ساريس”، و”اللطرون”، و”عمواس”، و”دانيال”، و”جنداس”، و”السافرية”، و”يازور”، و”سلمة”، وهي أسماء قرى لا تظهر على اللافتات في الشوارع.
وتأسست “ذاكرات” في الأول من يناير/كانون الثاني 2005 بهدف “تعريف الجمهور اليهوديّ في إسرائيل بالنكبة”.
المؤسسة تقول على موقعها الإلكتروني إن “معرفة النكبة هي شرط حتميّ للاعتراف بمسؤولية اليهود عن حصتهم في النكبة الفلسطينية، وهو شرط أساسي للمصالحة مع الفلسطينيين مستقبلاً”.
وتضيف: “الاعتراف بالمسؤولية معناه الاعتراف بدَين اليهود الأخلاقيّ عن عمليات الطرد والتخريب عام 1948، وكذلك اعتراف وتحقيق لحقّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم وفقًا لقرار الأمم المتّحدة رقم 194”.
ويضم طاقم المؤسسة في عضويته يهوداً وعرباً، وتترأسها اليهودية ليئات روزنبرغ.
وتحمل قلة قليلة من الإسرائيليين اليهود آراء كهذه، ما يجعلهم يعانون عزلة في المجتمع اليهودي الإسرائيلي الذي يعتبر في غالبيته العظمى أن عودة اللاجئين الفلسطينيين “خط أحمر”.
و”النكبة” هي مصطلح يطلقه الفلسطينيون على استيلاء ما يسمونها “عصابات صهيونية مسلحة” على أراض فلسطينية، أقاموا عليها يوم 14 مايو/ أيار 1948 دولة إسرائيل، وهجروا 957 ألف فلسطيني من أراضيهم إلى بقاع مختلفة من أنحاء العالم، بحسب تقدير للأمم المتحدة صدر عام 1950.
وسنويا، يحيي الفلسطينيون ذكرى هذه النكبة في 15 من مايو/أيار من كل عام بمسيرات احتجاجية وإقامة معارض تراثية تؤكد على حق العودة، وارتباطهم بأرضهم التي رحل عنها آباؤهم وأجدادهم عام 1948.
وترى مؤسسة “ذاكرات” أن “النكبة هي كارثة تدمير البلدات الفلسطينية، وطرد سكانها عام 1948 ومحو الثقافة والحياة الفلسطينيتيْن اللتين سادتا هنا حتى عام 1948”.
وتعتبر أن النكبة هي “حدث مؤسِّس في الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، لا يزال يؤثّر على واقع حياتنا اليوم، أيضًا، ورغم ذلك، فإنه حدث مُغيَّب، لا يحظى بحيّز، تقريبًا، في المجتمع الإسرائيليّ”.
وتنشط المؤسسة في تنظيم لقاءات وزيارات إلى القرى المهجرة وتوزيع كتيبات وأفلام تحث الإسرائيليين على الاعتراف بـ”النكبة” والقبول بعودة اللاجئين.
وعلى مدى 20 عامًا من المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، رفضت إسرائيل أن تعترف بمسؤوليتها عن تهجير اللاجئين الفلسطينيين وتدمير قراهم، ومن ثم ترفض عودة اللاجئين الذين يبلغ عددهم حاليا 5.9 مليون لاجئ، بحسب أحدث مسح للجهاز المركزي لإحصاء الفلسطيني عام 2014.
وفي العام 2011، تبنّى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي قانون “النكبة” الذي يخول وزير المالية تقليص التمويل الحكومي أو الدعم للمؤسسة التي تقوم بنشاط يعارض تعريف دولة إسرائيل كدولة “يهودية وديمقراطية” أو يحيي يوم استقلال الدولة أو يوم تأسيس الدولة على أنه “يوم حزن وحداد.
المصدر : فلسطين اليوم