أحس محمد هلال ونحو 100 آخرين من أفراد عشيرة البونمر العراقية بالأمان وهم مختبئون من عناصر تنظيم داعش الارهابي وسط الحشائش الطويلة حتى فضحت أضواء عشرات السيارات أمرهم.
موعود: صاح المتشددون “نحن نعرف أنكم هناك أيها الخونة” ثم فتحوا النار على المختبئين الذين قاتلوهم لأسابيع.مات أغلب المختبئين ووقع البعض في الأسر.
أما هلال فقد نجا لكنه أصيب في الذراع والساق بعد أن غطى نفسه بالدم وتظاهر بالموت تحت الجثث بينما كان المتشددون يضربون الجرحى ويسبونهم.
وقال هلال إنه رصد جثثا أخرى من بينها أطفال وشيوخ ملقاة على جانب الطريق أثناء فراره من المكان بعد الاختباء ساعات تحت القتلى.
وقال هلال لرويترز هاتفيا من مدينة حديثة التي تسيطر عليها القوات العراقية ومقاتلو العشائر لكنها مازالت عرضة لهجمات مسلحي داعش”أنا في انتظار أسرتي. فما من سبيل أمامي للوصول إليهم. هواتفهم النقالة مغلقة ولا حيلة لي”.
ويواجه أفراد كثيرون من العشيرة موقفا مماثلا من الغموض بعد أن أعدمت جماعة داعش المئات عقابا للعشيرة التي قاومت التنظيم. فبعد الاستيلاء على القرية الرئيسية للعشيرة شرع عناصر جماعة داعش الارهابية في تمشيط المنطقة بحثا عمن انطلقوا سيرا على الأقدام على أمل الهروب من غضب الجماعة التي اشتهرت بقطع رأس من يعارض تفسيرها المتشدد للدين الاسلامي أو اطلاق النار عليه.
وفي الوقت الحالي أصبح التنظيم الارهابي يحاصر قاعدة عين الأسد أكبر القواعد الجوية في المحافظة وسد حديثة الاستراتيجي على نهر الفرات. ويبدو أن المجزرة جرى الاعداد لها إعدادا جيدا. فقد قال أفراد من العشيرة إن تنظيم داعش زرع قبل استيلائه على قرية زاوية البونمر مخبرين قدموا له في نهاية الأمر أسماء المقاتلين.
وقال الحاج رديف الذي يمتلك متجرا “في الليلة التي دخلوا فيها القرية تراجع الجيش عن الخط الأمامي وأخلى مواقعه. وهذا تركنا بلا ذخيرة ولم يبق سوى مقاتلين من القرى ولذلك اضطررنا للاستسلام”.
وفر مثل كثير من أهالي القرى بما عليه من ملابس. فاتجه البعض إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى هيت فسقطوا في فخ تصديق وعود داعش بالملاذ الآمن.
وعندها بدأت الدماء تسيل بإعدام 35 شخصا. أما آخرون مثل أبو ابتسام (50 عاما) فساروا نحو ستة كيلومترات إلى منطقة صحراوية غربي هيت بعد أن استولى المتشددون على ما بحوزتهم من ذهب ومال بل إن أحد المتشددين انتزع العقد الذي كانت ابنته تتزين به من عنقها.
وفي نقطة تفتيش أقامها الارهاببون أخذ أحد المتشددين علبة حليب مجفف من زوجته وألقى بها في التراب. وحاولت الزوجة استعادة العلبة لكنها تلقت وكزة لتتراجع. وقال أبو ابتسام إن المتشددين تركوهم يرحلون بعد أن سرقوهم.
وأضاف “قال واحد منهم حتى أولادنا لا يستحقون الحياة لانهم سيكبرون يوما ما ويقاتلونهم.”
وأساليب جماعة داعش واضحة فهي تستولي على الارض وتقضي على كل من يقف في طريقها وتحاول إدارة المنطقة كدولة.
لا وقت للحداد بعد أن تفرق أبناء العشيرة اتجه المقاتل ماجد عودة واثنان من أبناء عمومته صوب الصحراء حيث اختبأوا خمسة أيام عاشوا خلالها على التمر والمياه غير النقية من بحيرة. وكلما كان هاتفه النقال يعمل كان يتصل بأمه. وفي أحد الأيام وجدها مصابة بالهلع حيث أخذ مقاتلو داعش شقيقه محمد الذي يبلغ من العمر 13 عاما مع آخرين.
وأضاف “قلت لأمي ألا تقلق انه طفل فعلا ولم يشارك حتى في القتال.”وتابع “اتصلت بي عائلتي بعد يوم عندما وصلت إلى موقع للجيش وقالت لي إن شقيقي و47 طالبا غيره قتلوا… قتلوه لانني شرطي”.
ويعتبر أفراد عشيرة البونمر من أشد المقاتلين بأسا في العراق لا في الأنبار وحدها. وخلال الاحتلال الأميركي بعد سقوط صدام حسين عام 2003 هاجم مقاتلو العشيرة تنظيم القاعدة الارهابي في العراق الذي انشقت عنه داعش فيما بعد وكان يشتهر بشن هجمات الكر والفر والتفجيرات الانتحارية.
ومازالت عشيرة البونمر تحصي خسائرها. وقال حمدان النمراوي مساعد أحد زعماء العشيرة إن عدد القتلى بلغ 540 وإن كثيرين مازالوا مفقودين. وكانت رحلة الهروب في غاية المشقة بالنسبة للبعض.
قال رجل يدعى أبو تكعة إنه نام مع أسرته المكونة من سبعة أفراد خلف تل رملي حتى لا يكتشف أمرهم. وأصيبت زوجته بجفاف ولم يعد بوسعها ارضاع طفلها الوليد.
وأضاف “مات صغيري. لكن أمه ظلت تتشبث به ولم تتركه يومين.”وتابع أنه لم يكن هناك وقت للحداد وكان يخشى أن يقتفي رجال داعش اثره. وقال “دفنا الطفل هناك واستأمنا البدو على قبره وتحركنا.