اختيار برهم صالح لرئاسة العراق، سيكون ضربة لسياسة التطرف وتصعيد المواقف التي يتبعها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، وهو ما يعكس خشيته الكبيرة من تحول صالح الى نقطة استقطاب تلتقي عنها الحلول للمشاكل التي انتجتها سياساته الاستحواذية وغير الوطنية بوصف الكثير من العراقيين.
ينظر العراقيون الى برهم صالح باعتباره المرشح الاكثر جدارة واستحقاقا لرئاسة جمهورية العراق، لما عُرف عنه بـ”الوسطية” والاعتدال والبراغماتية، اضافة الى أفكاره المنفتحة، وما يتمتع به من كفاءة ومهنية وحرفية تجعله يشغل هذا المنصب الذي يعول عليه العراقيون، في ان يكون وسيلة لتحقيق التوافق الكردي العربي، والمصالحة الوطنية الشاملة في وقت تشن فيه قوى الارهاب وفي مقدمتها تنظيم “الدولة الاسلامية” المعروف بـ”داعش” الحرب على العراقيين، وفي ذات الوقت، يسعى رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الى انتاج سياسيات تخالف الدستور باستحواذه على كركوك والمناطق المتنازع عليها، وايوائه المطلوبين للعدالة والخارجين على القانون، والداعمين للإرهاب في اربيل.
وفي وقت نجح فيه البرلمان العراقي، الأسبوع الماضي، في حل معضلة الرئاسة، بانتخاب الدكتور سليم الجبوري رئيساً، فان انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية الذي يجب أن يحصل على غالبية الثلثين في مجلس النواب وفق الدستور، سيكون ملبيا لآمال وطموحات الشعب العراقي، اكثر من أي مرشح آخر.
وبحسب الدستور، فانه في حالة فشل المرشح في الحصول على الغالبية في الجولة الأولى سيجعل الانتخاب سهلاً في الجولة الثانية لأنه سيكون حينئذ بالغالبية البسيطة كما حصل عند انتخاب الرئيس جلال طالباني في تشرين الثاني / نوفمبر 2010.
وعلى رغم ان الاكراد يختلفون على مرشحهم للرئاسة على رغم أن الطرفين متفقان على أن المرشح يجب أن يأتي من “الاتحاد الوطني الكردستاني”، فان أكرادا وعربا يرون ان صالح سيكون الاوفر حظا، فيما لو اعتمدت مقاييس الكفاءة والنزاهة والعلمية والتوازن والرؤية المستقبلة الصائبة للأحداث.
ان شغل مسؤول مثل صالح لمقعد الرئاسة في العراق، سيكون في مصلحة العراقيين من مختلف القوميات والطوائف، نظرا لإدراكه خصوصية التعامل مع التنوع القومي والديني، وعلاقاته المتوازنة مع مختلف الاطراف السياسية العراقية.
سيرة
وبرهم صالح، هو رئيس حكومة كردستان السابق، والذي شغل أيضاً مناصب عدة في الحكومة الاتحادية بينها نائب رئيس الوزراء في حكومة أياد علاوي 2004 ثم في حكومة نوري المالكي الأولى خلال 2006-2009 ووزيراً للتخطيط في حكومة إبراهيم الجعفري 2005.
وقبل 2003، تولى صالح المسؤولية عندما كان في أواسط الثلاثينات من عمره رئاسة الحكومة في محافظة السليمانية شرقي إقليم كردستان.
خَبَر صالح عادات العراقيين وتقاليدهم في مختلف ارجاء العراق بحكم عمل والده كقاض في الكثير من محافظات العراق، في مدن الوسط والجنوب.
ومثل الكثير من الزعامات الكردية اضطر صالح الى ترك السليمانية والصعود الى الجبل ومن ثم الهجرة الى اوربا خشية سطوة نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، حيث درس هناك ليحصل على الدكتوراه في الإحصاء والكومبيوتر من جامعة لندن 1983. وطوال تلك الفترة كان ناشطا مدنيا وسياسيا بامتياز، حيث ادار اجندة “الاتحاد الوطني” الذي يعد أحد الأحزاب الكردية الرئيسة.
واذ يستمد طالباني “كاريزماه” من النضال ضد الدكتاتورية في الجبال وفي خارج العراق، لعقود طويلة، فان مهنيّة صالح واكاديميته وأناته وانفتاحه الفكري وعلاقاته الواسعة تتيح له اظهار شخصية توافقية، ستحوّل منصب الرئيس الى قوة فاعلة في المشهد العراقي تسهم في ترسيخ العلاقة المتكافئة لصالح كلا من العرب والاكراد على حد سواء.
يعتبر صالح من السياسيين الليبراليين، الذي يستخدم اسلوب التفاهم والحوار لحل المشاكل وهو ما تميز به في المعضلات التي اشرف على التفاهم حولها سواء مع الاطراف الكردية المنافسة لحزبه، “الاتحاد الوطني الكردستاني”، او مع الحكومة الاتحادية في بغداد.
واضافة الى اجادة صالح للغتين العربية والانكليزية اضافة الى لغته الام الكردية، فان له علاقات عراقية ودولية واسعة، ويساعده صغر سنه ( 54 سنة) على اضفاء روح الشباب في أي منصب يشغله.
ويرى محللون سياسيون، ان اختيار برهم صالح لرئاسة العراق، سيكون ضربة لسياسة التطرف وتصعيد المواقف التي يتبعها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، وهو ما يعكس خشيته الكبيرة من تحول صالح الى نقطة استقطاب تلتقي عنها الحلول للمشاكل التي انتجتها سياساته الاستحواذية وغير الوطنية بوصف الكثير من العراقيين.
ان اختيار صالح رئيسا للعراق، سيسهم بكل تأكيد، في توظيف خبرته واعتداله ووسطيته في تعديل مسار العلاقة بين اربيل والحكومة الاتحادية في بغداد بما يخدم العراقيين جميعا عربا واكراد وطوائف وقوميات وتباع سياسية واضحة ازاء “داعش” والمناطق المختلف عليها وعلى راسها كركوك وتطبيق الحلول المستمدة من الدستور في حل المشاكل العالقة حول هذه القضايا المهمة.
المصدر:المسلة