حضرت السيّدة رقية (عليها السلام) واقعة كربلاء ، وهي بنت ثلاث سنين أو أربع على اختلاف الروايات ، ورأت بأُمّ عينيها الفاجعة الكبرى والمأساة العظمى ، لما حلّ بأبيها الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه من القتل
إسمها ونسبها (عليها السلام) : السيّدة رقية بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .
رقية في اللغة : إن للإسم تأثيراً عميقاً على نفس الإنسان ، كما ثبت ذلك في علم النفس ، ولذا ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : (( إن من حق الولد على والده ثلاثة : يحسن إسمه ، ويعلمه الكتاب ، ويزوجه إذا بلغ)) .
وأما كلمة (رقـيّة) – كما جاء في اللغة – فهي تصغير راقية ، بمعنى الإرتفاع والسمو والتصغير هنا للتحبيب ، وهكذا جميع أسماء ربائب الوحي ، فهي جميلة ورزينة ، ترمز وتشير إلى معاني الرفعة والطهر والنقاء والخير والصلاح .
تاريخ ولادتها (عليها السلام) : عام ( 57ﻫ أو 58 ﻫ ) ، في المدينة المنوّرة .
حضورها (عليها السلام) مع السبايا :
حضرت السيّدة رقية (عليها السلام) واقعة كربلاء ، وهي بنت ثلاث سنين أو أربع على اختلاف الروايات ، ورأت بأُمّ عينيها الفاجعة الكبرى والمأساة العظمى ، لما حلّ بأبيها الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه من القتل ، ثمّ أُخذت أسيرة مع أُسارى أهل البيت (عليهم السلام) إلى الكوفة ، ومن ثمّ إلى الشام ، أمر اللعين يزيد أن تُسكن الأُسارى في خربة من خربات الشام ، وفي ليلة من الليالي قامت السيّدة رقية فزعة من نومها وقالت : أين أبي الحسين ؟ فإنّي رأيته الساعة في المنام مضطرباً شديداً ، فلمّا سمعن النسوة بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال ، وارتفع العويل والبكاء ، فانتبه يزيد لعنه الله من نومه وقال : ما الخبر ؟ فأخبروه بالواقعة ، فأمر أن يقدّموا إليها رأس أبيها ، فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطّىً بمنديل ، فوُضِع بين يديها ، فلمّا كشفت الغطاء رأت الرأس الشريف نادت : (( يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك ؟ يا أبتاه مَن الذي قطع وريدك ؟ يا أبتاه مَن الذي أيتمني على صغر سنّي ؟ يا أبتاه مَن بقي بعدك نرجوه ؟ يا أبتاه مَن لليتيمة حتّى تكبر )) ؟ ، ثمّ إنّها وضعت فمها على فمه الشريف ، وبكت بكاءً شديداً حتّى غشي عليها ، فلمّا حرّكوها وجدوها قد فارقت روحها الحياة ، فعلا البكاء والنحيب ، واستجدّ العزاء ، فلم يُرَ ذلك اليوم إلاّ باكٍ وباكية .
مرقدها الطاهر :
يقع المرقد في (حي العمارة) خلف المسجد الأموي بدمشق ، إلى جانب باب الفراديس الذي يقع بسوق العمارة ، قرب مسجد مقام رأس الحسين (عليه السلام) .
ويعود تأسيس مرقدها المبارك إلى سنة 526هـ ، وأول من بنى على قبرها السلاطين الأيوبيين ، ومن ثم توالت على المرقد العمارات ، ففي سنة 1125هـ جُدد بناء الضريح ، وبعدها عُمر قبرها في زمن العثمانيين ، وفي سنة 1323 هـ جُدد بناؤه على يد الميرزا علي أصغر خان أمين السلطان ناصر الدين شاه ، وفي سنة 1399 عمد الشيخ نصر الله الخلخالي على توسعة المقبرة والحرم ، وذلك بشراء المنازل المحيطة بالحرم ، وفي سنة 1408هـ بُدل الضريح الذي وضع على القبر في عهد أمين السلطان بضريح آخر ، تم صنعه على يد أربعين شخصا من الفنانين البارعين ، وهو في غاية الجمال والروعة ، وتبلغ مساحة البناء الجديد لمرقد السيدة رقية (عليها السلام) حاليا نحو 4000 متر مربع ، ومنه 600 متر مربع صحن وفضاء واسع ، وبقية البناء يؤلف الرواق والحرم والمسجد المجاور للضريح ، وتعلوا المرقد قبة مضلعة ، ووضع على القبر صخرة من الموزائيك ذات العاج والمرمر ، والبناء فخم وضخم ، يتوافد عليه الزوار من شتى بقاع الأرض وكتب على الباب أبيات من الشعر العربي من قبل الحاج أحمد رضا الشيرازي ، وهناك قصائد حول القبر منها : قصيدة شعرية للمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ، تعبّر عن روح الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) ومكتوبة بماء الذهب يقول فيها :
في الشام في مثوى يزيد مرقد *** ينبيك كيف دم الشهادة يخلد
رقدت به بنت الحسين فأصبحت *** حتى حجارة ركنه تتوقد
هيا استفيقي يا دمشق وايقظي *** وغدا على وضر القمامة يرقد
واريه كيف تربعت في عرشه *** تلك الدماء يضوع منها المشهد
سيظل ذكرك يا رقية عبرة *** للظالمين مدى الزمان يخلد
ويعتبر مقام السيدة رقية (عليها السلام) في سوريا ثاني مزار بعد المرقد الطاهر للسيدة زينب (عليها السلام) أهمية ، من خلال الحشود التي تأتيه ، ولأنه يحتل موقعا مهما بالعاصمة ، ولقربه من سوق الحميدية والجامع الأموي ، ومنطقة الخراب الشعبية ، أصبح يستقطب الفريقين السنة والشيعة ، وتقام فيه صلاة الجماعة اليومية ، وصلاة الجمعة الأسبوعية ، وفي كل عام يرتقي الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر المنبر ، فيغص المقام بالأفواج القادمة من بعيد وقريب ، علاوة على أن صاحبة المقام ومصيبتها تلهب وتجرح مشاعر العاشقين للغربة واليتم الذي صاحَبها ، ولا زال الزائرون يهدوا لها النذور ، ويتقربوا بها إلى الله ، لأنها وجيهة عنده تعالى .
قال الشاعر السيّد سلمان هادي آل طعمة :
ضريحك إكليل من الزهر مورق *** به العشق من كلّ الجوانب محدّق
ملائكة الرحمن تهبط حوله *** تسبّح في أرجائه وتحلّق
شممت به عطر الربى متضوّعاً *** كأنّ الصبا من روضة الخلد يعبق
إليه غدا الملهوف مختلج الرؤى *** وعيناه بالدمع الهتون ترقرق
كريمة سبط المصطفى ما أجلّها *** لها ينحني المجد الأثيل ويخفق
يتيمة أرض الشام ألف تحية *** إليك وقلبي بالمودّة ينطق
زيارتها (عليها السلام) :
(( السلام عليك يا أبا عبد الله ، يا حسينُ بن علي يابن رسول الله ، السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته ، أشهد أنّك عبد الله وأمينه ، بلّغت ناصحاً وأدّيت أميناً ، وقلت صادقاً وقُتلت صدّيقاً ، فمضيت شهيداً على يقينٍ ، لم تؤثر عمىً على هدى ، ولم تمل من حقٍّ إلى باطل ، ولم تجب إلّا الله وحده ، السلام عليكِ يا ابنة الحسين الشهيد الذبيح العطشان ، المرمّل بالدماء ، السلام عليكِ يا مهضومة ، السلام عليكِ يا مظلومة ، السلام عليكِ يا محزونة ، تنادي يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك ، يا أبتاه من الذي قطع وريدك ، يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سنّي ، يا أبتاه من لليتيمة حتّى تكبر، لقد عظمت رزيّتكم وجلّت مصيبتكم ، عظُمت وجلّت في السماء والأرض ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ، جعلنا الله معكم في مستقرّ رحمته ، والسلام عليكم ساداتي وموالي جميعاً ورحمة الله وبركاته )) .