«واشنطن بوست»: «العربية» و«الجزيرة».. توجهات مختلفة وتجاهل الفلسطينيين واحد

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريرًا حول التغييرات التي شهدها المشهد الإعلامي العربي منذ سنة 2011، وتأثير ذلك على موقع القضية الفلسطينية من التغطية الإعلامية والاهتمام الشعبي؛ من خلال عقد مقارنة بين مدى اهتمام قناتي الجزيرة القطرية والعربية السعودية بأحداث غزة الأخيرة، وسط أجندات سياسية مزدحمة بالتطورات والأولويات في الشرق الأوسط.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته «عربي21»: «إن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 20 متظاهرًا، وجرحت أكثر من 700 آخرين، خلال مسيرة العودة التي نظمها سكان قطاع غزة يوم الجمعة 30 مارس (آذار). وعلى الرغم من الاهتمام العالمي الذي حازت عليه هذه المواجهات، إلا أنها لم تتصدر عناوين الأخبار في وسائل الإعلام العربية، كما كان منتظرًا. ويعزى ذلك إلى أن هذه الأحداث قد اندلعت وسط أجندات سياسية مزدحمة في الشرق الأوسط».

وذكرت الصحيفة أنه خلال الأزمات السابقة بين العرب وإسرائيل، كانت وسائل الإعلام العربية تقدم تغطية إخبارية متواصلة على مدار الساعة، وتفتح البرامج الحوارية أمام الخطابات الغاضبة لاستنفار الرأي العام، متناسية كل القضايا الأخرى.

ولكن هذه المرة، مثلت تغطية الاحتجاجات في غزة وأحداث العنف التي تلتها، واحدة من بين عدة مواضيع أخرى اهتمت بها وسائل الإعلام، ما يعكس التغييرات العميقة التي شهدتها وسائل الإعلام العربية، وسرعة وتيرة تطور الصراعات السياسية في المنطقة منذ أحداث الربيع العربي منذ سنة 2011.

وأوضحت الصحيفة أن المشهد الإعلامي العربي بات أكثر انقساما واستقطابا مما كان عليه قبل الربيع العربي، خاصة أن القنوات التلفزيونية باتت بشكل خاص أكثر عرضة للرقابة الحكومية. وفي الواقع، شهدت أزمة قطاع غزة منافسة مع أخبار أخرى، لعل أبرزها الحرب في اليمن وسوريا، وزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، والفوضى المحيطة بإدارة الرئيس دونالد ترامب، ناهيك عن احتمال إنهاء الاتفاق النووي مع إيران.

وقالت الصحيفة إن هذه الأحداث المتسارعة والمعقدة في المنطقة، مثلت فرصة لكبرى وسائل الإعلام العربية، لصرف الأنظار عما يشهده قطاع غزة، لتجنب الحكومات مشكلة التعرض للضغط الشعبي من أجل تبني موقف أكثر حدة في مواجهة إسرائيل.

وبينت الصحيفة أن من يشاهدون القنوات العربية، يمكنهم بسهولة ملاحظة طريقة تغطيتها للأحداث الأخيرة. ومن أجل الاطلاع على محاور الاهتمام في العالم العربي بشكل أكثر دقة، تم استخدام الحسابات الرسمية على موقع «تويتر»، لأهم قناتين إخباريتين في العالم العربي، وهما قناة العربية (@alarabya) السعودية، وقناة الجزيرة (@ajarabic) القطرية. وتعتبر هاتان القناتان الأكثر شعبية في المنطقة، وتحظيان بنسب متابعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمثلان أهم قطبين في العالم العربي الذي يعاني من الانقسام الحاد.

وأوضحت الصحيفة أنها قامت بتحليل الأخبار والتغريدات التي ينشرها الحسابان، بقطع النظر عن تفاعلات المتابعين؛ لأن الغرض الأساسي كان مراقبة الخط التحريري وأولويات كل قناة، وليس مزاج ومواقف الرأي العام العربي.

ذكرت الصحيفة أنها قامت بتحليل كل التغريدات التي نشرها الحسابان، بداية من يوم 30 مارس، وهو تاريخ اندلاع المواجهات على حدود قطاع غزة، وحتى مساء الثامن من أبريل (نيسان). وخلال هذه الفترة، تم فحص 619 تغريدة لقناة الجزيرة، و643 تغريدة لقناة العربية، وتقسيمها إلى تغريدات تركز على قطاع غزة، وأخرى تركز على مواضيع ثانية مثل الحرب السورية واليمنية.

وأكدت الصحيفة أن الفرق في التوجهات بين القناتين كان شديد الوضوح بعد إجراء هذا التحليل، حيث إن 18% من تغريدات الجزيرة تمحورت حول قطاع غزة، فيما كانت 2% فقط من تغريدات قناة العربية حول هذا الموضوع. ويبدو أن قناة العربية، التي تمثل مرآة لأولويات السعودية، قد ركزت أكثر على حربي اليمن وسوريا، إلى جانب تغطية إعلامية مكثفة لزيارة محمد بن سلمان للولايات المتحدة.

وأضافت الصحيفة أن هذا الاهتمام الضعيف بقطاع غزة، يتماشى تمامًا مع الأولويات السياسية التي تتبناها الرياض وأبوظبي، اللتين تسعيان للوقوف في صف إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني، ومحاربة الحركات الإسلامية على غرار حركة حماس، ومواصلة حربهما في اليمن.

في المقابل، ركزت قناة الجزيرة على نشر التغريدات حول غزة، خاصة يوم الجمعة الذي يشهد عادة مواجهات محتدمة، وهو ما يعني أن هذه القضية تمثل أولوية مطلقة بالنسبة للقناة، وهي تسعى من خلال تغطيتها الإعلامية لإبقائها في واجهة الاهتمام العربي. وقد مكنت هذه التغطية الإعلامية قطر من إظهار موقفها، المتناقض تماما مع خصومها الخليجيين، حيث أثبتت اهتمامها بالقضية الفلسطينية، إلى جانب وقوفها المعتاد في صف الحركات الإسلامية مثل حماس.

وأوردت الصحيفة أن الجزيرة كانت في السابق المصدر الأول للأخبار بلا منازع، بفضل مهنيتها وطريقة تقديمها للأخبار بشكل حماسي، إلا أن هذه الأوضاع تغيرت بعد سنة 2011؛ بسبب تعمق الانقسامات الطائفية والقومية والأيديولوجية. فقد باتت صورة الجزيرة مقترنة بالسياسة الخارجية القطرية، لا سيما في ظل الحملة التي شنتها السعودية والإمارات ضد الدوحة، على مدى الأشهر السبعة الماضية.

واعتبرت الصحيفة أن الجزيرة اليوم لا تزال تحظى بشعبية كبيرة، ولكن هذه الشعبية باتت محصورة بالدرجة الأولى وسط من يتبنون مواقفها نفسها. ويعني هذا المشهد الإعلامي الجديد في العالم العربي، وما يخفيه من انقسامات سياسية عميقة، أن المواجهات على حدود قطاع غزة تمتلك فرصًا ضعيفة لتصدر المشهد الإعلامي، وتعبئة الشارع العربي لدعم الحقوق الفلسطينية.

وفي الختام، أكدت الصحيفة أن العرب مازالوا يهتمون بالقضية الفلسطينية، ومن المؤكد أنهم شعروا بالغضب على إثر الاعتداءات الإسرائيلية على المتظاهرين في غزة. ولكن وسائل الإعلام العربية سوف تسلط الضوء على هذه القضية في أثناء فترات الأزمات فقط، ولن تواصل التركيز عليها في كامل الوقت، على حساب أولويات ومصالح أخرى.

النهایة

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *