عندما يصل 1.7 مليون حاج هذا الأسبوع لأقدس بقعة للمسلمين على وجه الأرض “مكة المكرمة”، سيجري تذكيرهم فوراً بأنَّ أسرة آل سعود الحاكمة في المملكة هي الراعي الوحيد المسؤول عن هذا المكان.
بهذه الجملة الصادمة استهلت وكالة أسوشيتد برس الأميركية تقريراً لها حول نهج السعودية على مدى تاريخها في استغلال الحج لتحقيق أغراضها السياسية.
ويلفت التقرير إلى أنه في هذه البقعة المقدسة، هناك صور كبيرة مُعلَّقة للملك سلمان بن عبد العزيز ومؤسس البلاد عبد العزيز آل سعود في ردهات الفنادق في جميع أنحاء المدينة.
ويسلِّط أحد الأبراج العملاقة الذي يحمل اسم سلف الملك سلمان، الملك عبد الله بن عبد العزيز، أضواء الفلورسنت الخضراء على المتعبِّدين في الحرم أدناه. بالإضافة إلى تسمية جناح جديد كبير من المسجد الحرام في مكة المكرمة باسم ملكٍ سعودي سابق، بينما يحمل أحد مداخل المسجد اسم ملكٍ آخر.
ويعلق التقرير قائلاً “وهذه ليست سوى طريقةٍ واحدة من الطرق العديدة التي تستغل بها المملكة العربية السعودية إشرافها على فريضة الحج لتعزيز مكانتها في العالم الإسلامي، والنكاية في خصومها .
ليست المرة الأولى
لطالما كانت فريضة الحج جزءاً من السياسة السعودية، حسب أسوشيتد برس. فعلى مدار نحو 100 عام، كانت أسرة آل سعود الحاكمة تُقرِّر مَن يدخل مكة المكرمة ومن يخرج منها، ووضعت حصصاً معينة لتحديد عدد الحجاج الوافدين من مختلف البلدان الأخرى .
ويرى علي الشهابي، مدير “المؤسسة العربية للأبحاث”، وهو مركزٌ بحثي موالٍ للسعودية في العاصمة الأميركية واشنطن انه: “أيَّا كان من يسيطر على مكة المكرمة والمدينة والمنورة، فإنَّه يحظى بقوة ناعمة هائلة. وكانت المملكة السعودية حريصةً كل الحرص منذ اليوم الأول على عدم منع أي مسلم من أداء فريضة الحج، حتى لا تُتَّهم باستغلال الحج لأغراضٍ سياسية”.
(تصريحات الشهابي تاتي في حين ان المملكة تفرض قيودا على كل بلد يعارضها ليمنعها بشكل غير مباشر عن ايفاد حجاجها وعلي سبيل المثال يمكن الاشارة الى القيود التي تفرض على المواطنين السوريين، الذين يتطلَّعون لأداء فريضة الحج. فبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين السعودية والحكومة السورية تطالب السعودية منذ العام 2012، جميع السوريين المتطلعين لأداء فريضة الحج بالحصول على تأشيرات دخول في بلدان ثالثة، عن طريق “لجنة الحج العليا السورية” الخاضعة لسيطرة ما يسمى الائتلاف الوطني السوري، وهو أحد مجموعات المعارضة السورية.
قطر والحيلة الجديدة
وصار الحج أكثر تداخلاً مع السياسة في أعقاب الأزمة بين المملكة العربية السعودية وقطر، بعدما قطعت المملكة وثلاث دول عربية أخرى كافة العلاقات الدبلوماسية ومسارات النقل مع الدولة الخليجية الصغيرة هذا العام، 2017. وفي خطوةٍ مفاجئة هذا الشهر، أغسطس/آب، أعلنت المملكة العربية السعودية أنَّها ستفتح حدودها أمام الحجاج القطريين الراغبين في أداء فريضة الحج، وأنَّ الملك سلمان سيوفر رحلات طيران وأماكن إقامة للقطريين في أثناء الحج. ومع ذلك، أعلن السعوديون هذه الإجراءات من جانبٍ واحد، وقال غيرد نونمان، أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الخليج ( الفارسي ) بجامعة جورجتاون في قطر، إن الخطوة السعودية كانت “حيلة دعائية واضحة”.
وأضاف: “نظراً إلى أنَّ الحضور القطري في الحج قد تأثَّر حتماً بالمقاطعة، فإنَّ الحج كان مُسيَّساً بحكم الأمر الواقع، وما من وسيلة لتفادي ذلك”.
وأعلنت حكومة قطر ترحيبها بهذه الخطوة لتسهيل أداء فريضة الحج، لكنَّها دعت السعودية كذلك إلى “الكف عن استغلال (الحج) كأداة تلاعبٍ سياسي”.
وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر قد قدَّمت من قبل شكوى إلى المُقرِّر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة بسبب القيود المفروضة على مواطنيها الراغبين في أداء فريضة الحج هذا العام.
واعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنَّ الشكوى القطرية بمثابة “إعلان حرب” ضد إدارة المملكة العربية السعودية للأماكن المُقدَّسة، متهما قطر بمحاولة تسييس الحج.
هل يمكن تشكيل هيئة مستقلة للحج؟
وبينما يُعَد الحج ركناً أساسياً من أركان الإسلام، فإنَّ الوصاية على أماكنه المقدسة ركيزةً من ركائز شرعية أسرة آل سعود وسلطتها.
وقد دعت ايران الى جانب دول اخرى إلى تشكيل هيئةٍ مستقلة تتولى إدارة الحج بسبب الكوارث المتتالية التي تشهدها المناسك وسوء ادارتها واخرها كارثة منى التي راح ضحيتها الالاف من حجاج بيت الله الحرام قبل عامين. لكنَّ هذه المطالب قُوبِلت برفضٍ قاطع من المملكة العربية السعودية التي اتهمت الاخرين بتسييس الحج.
المصدر : هافينغتون بوست ( بتصرف )