الفكر، الثقافة و الأدب، الحضارة

الحمدلله الواحد الاحد والسّلام والصّلاة على خاتم الانبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى اله الاطهار المنتجبين. لم يشغل ذهني خلال العامين او الثلاثة الاخيرة شئ سوى عنوان هذا الكتاب المنتخب. فهذا العنوان اختير بداية لمجموعة من المقالات التي نشرت في صحيفة «كيهان». وعندما قرر «مجمع الكتاّب والفنانين المسلمين» اصدار هذا الكتاب، ارتأيت مراجعة جميع فصوله الى ان اصبح في حلته الحالية.

إسماعيل شفيعي سروستاني
مقدمة الطبعة الأولى
الحمدلله الواحد الاحد والسّلام والصّلاة على خاتم الانبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى اله الاطهار المنتجبين. لم يشغل ذهني خلال العامين او الثلاثة الاخيرة شئ سوى عنوان هذا الكتاب المنتخب. فهذا العنوان اختير بداية لمجموعة من المقالات التي نشرت في صحيفة «كيهان». وعندما قرر «مجمع الكتاّب والفنانين المسلمين» اصدار هذا الكتاب، ارتأيت مراجعة جميع فصوله الى ان اصبح في حلته الحالية.
وكنت افكر بان اختار عنوانا اخر له، بيد ان اتساع نطاق الموضوعات وتنوعها ، كان يسد الطريق علي في هذا الاختيار، لذلك رايت ان عنوان «الفكر، الثقافة والادب، الحضارة» هو انسب عنوان. المفردات التي تحظى بمعان مختلفة لدى الناس وحتى اهل الدرس والمدرسة، نظرا الى ماضيهم الذهني، لكنها تكتسي معان ثابتة بالنسبة لاهل الفكر والفلسفة والذين ينظرون الى الامور خلافا للمعتاد.
ف«الفكر» هو السير بين الحق والباطل. انطباع كلي عن الكون. معرفة حول العالم والانسان، كالروح التي تصبح اساسا لجميع الثقافات وما يتلوها من حضارات.
واليوم وفي اعقاب اتساع نطاق العلوم الاجتماعية والانسانية ومحورية العقل العادي للناس الذي يساندهم في تدبر الامور الجزئية، لا يتم التساؤل عن «اساس الحضارة»، ويفترضونه امرا بديهيا ويعتبرون ان من العبث التساؤل بشانه. وربما هذا الشئ تسبب بحدوث تشتت وتأزم في الاقوال والاراء.
وهذه العلوم آنفة الذكر، حلت بطريقة خاطئة محل الفكر وازاحته. وربما من الافضل القول «انه بما اننا اغلقنا باب الفكر فاننا وقعنا في فخ الوهم (هذه العلوم)».
والمؤسف ان جلبة العلوم الانسانية الغربية الحديثة، لا تفسح المجال امام قيام حوار جاد، ولذلك فان القيل والقال تحول الى السمة السائدة في زماننا. وربما يتوقع البعض من المؤلف ان ياتي على ذكر تعاريف مختلفة (ما يزيد عن مائة تعريف) والّتي قدمتها العلوم المذكورة عن «الثقافة والحضارة». واقول ان هذه العلوم ليست معنية باساس وقاعدة الحضارة، بل هي تابعة لها. وكيف يمكن التوقع من تابع الحضارة الذي يعد القشرة الخارجية والظاهرية للثقافة، درك وفهم باطن الحضارة؟
إن كلا من المناسبات الظاهرية والمادية للجماهير، يملك صورة في العالم الحقيقي، وهذه الصور لا تعكس كلها الاعمال الظاهرية والاجسام المادية، بل لها باطن كالروح الثابتة تضفي مغزى ومعنى على الاجسام الكئيبة. وهذا التاثير سار طالما لم يحصل انفصال وتفكك بين تلك الصورة و ذلك المعنى.
و واضح ان لكل تاريخ، ثقافة وحضارة. فهناك الكثير من الحضارات التي نشات في ربوع الكرة الارضية واضمحلت بعد حين و اعطت مكانها لحضارة اخرى. ولا شك انها اثرت جزئيا على بعضها الاخر، بيد ان ما يميزها عن بعضها بعضا وحتى ما يشكل بطاقة تعريف لها، هو باطنها اي «الثقافة» مثلما ان الفكر يشكل باطن الثقافة. ان الفارق بين الحضارة اليونانية وحضارة العصر الاسلامي، لا يكمن في شكل المباني و البنية المعمارية وازياء الناس و ملابسهم و لا حتى في علاقاتهم الاجتماعية بل في الرؤية الكلية الخاصة التي ارست اساسهما؛ اي الانطباع عن الكون و التعاريف عن نشاتها و غايتها و بالتالي التعريف الذي قدمته عن الانسان. و من هذا المنطلق فان التباين و التمايز بين الحضارات لا يكمن في «الصورة الخارجية للعلاقات و المباني» بل يعود الى «ذاتها»، وليس من الممكن تقديم درك شامل و متكامل عن ثقافة قوم ما او حضارتهم من دون معرفتهما.
و هذا الشئ الذي يجعل مكونات حضارة ما متماسكة و يضفي عليها هوية محددة.
و يسعى المؤلف في هذا الكتاب، لخوض تحقيق في وضع «الفكر والثقافة والحضارة». بيد ان هذا الامر لا يتيسر من دون الحديث عن الاسس النظرية ل «الثقافة والادب والحضارة» للمتقدمين وسير تطورها، لانه ومن اجل درك الوضع المعاصر، لابد من التامل في احوال الماضي.
إن هذا التطور، تحت اي عنوان كان، مؤشر على تغير اساس حضارات الامم اي الثقافة و انطباعها العام عن الكون.
إن المسلمين بمن فيهم الايرانيين بحاجة اكثر من الاخرين الى دراسة اوضاعهم واحوالهم. لانهم يرون انفسهم منغمسين في التاريخ والثقافة والحضارة الغربية. و قد تبنى هؤلاء على مدى القرن او القرنين الاخيرين ثقافة و حضارة الغربيين تارة، فيما لجاوا الى ثقافتهم التقليدية والدينية السابقة تارة اخرى، لكن وعلى امتداد هذه السنين، كان الانبهار بالحضارة الغربية متلازما مع حياتهم وحتى انهم تمنوا على الدوام جعل هذا الغول يتحول الى الاسلام.
و المؤلف لا ينوي رفض او اثبات الحالات آنفة الذكر بل يريد التذكير بالظروف التي تمر بها شعوب الشرق بمن فيهم المسلمون. لان نيل الوعي الذاتي، يشكل مقدمة لتذكير امة ما بموقعها و منزلتها في دورة تاريخية ما.
و في ختام الموضوعات، تطرقت الى موعود اخر الزمان(عج) و موضوع الانتظار. و ربما اردت من ذلك القول «بان المسلمين لم يتذكروا لسنوات وسنوات جوهر اعتقادهم».
إسماعيل شفيعي سروستاني ـ نوفمبر 1996

شاهد أيضاً

الفكر، الثقافة و الأدب، الحضارة:الإنطباعات الدينيه (الرؤيه الدينيه)

اسماعیل شفیعی سروستانیولقب «الفلاسفة» بالباحثين عن الحقيقة ومحبي المعرفة. لكن هذا الموضوع اخذ دوما بنظر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.